محمد بوفتاس
من جهة أخرى، يُعتبر الاستغلال السياسي للدين من أخطر جوانب أزمة تفسير القرآن، فقد استخدمت النصوص القرآنية لتبرير أعمال تتراوح بين العنف وفرض الهوية، في الوقت الذي يُفترض فيه أن تُعزز التعاليم الإسلامية قيم التسامح والتعايش، نجد أن بعض الجماعات تتبنى تفسيرات مبتورة تُسهم في نشر الكراهية والانقسام. لذا يصبح من الضروري تطوير فهم سياسي مستنير للإسلام، يُعزز قيم العدالة الإنسانية والسلم.
إن أزمة الفهم السياسي للإسلام، وخاصة في سياق تفسير النصوص الدينية مثل القرآن الكريم، تُعد واحدة من أكثر القضايا إلحاحًا في العصر الحديث.
فمن جهة، يُفترض أن تكون التعاليم الإسلامية مصدرًا للإرشاد الروحي والأخلاقي، وتعزيز قيم التسامح والعدل والتعايش السلمي بين البشر. ولكن من جهة أخرى، نجد أن الاستغلال السياسي للدين قد حوّل هذه النصوص إلى أدوات لتبرير أعمال العنف، وفرض الهويات الضيقة، وإقصاء الآخر.
ولنكون واقعيين فإن الاستغلال السياسي للدين ليس ظاهرة جديدة، أو أزمة عصرية مفتعلة، بل له جذور تاريخية عميقة. فمنذ العصور الأولى للإسلام، تم استخدام النصوص الدينية لتبرير الصراعات السياسية والطائفية.
ومع مرور الوقت، تطورت هذه الممارسات لتصبح أكثر تعقيدًا وخطورة، خاصة في ظل التحديات الحديثة مثل العولمة، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وزيادة حدة الصراعات الدولية.
في هذا السياق، يتم استخدام آيات القرآن الكريم بشكل انتقائي ومجتزأ، حيث يتم التركيز على نصوص معينة تُفهم خارج سياقها التاريخي واللغوي، وتُستخدم لتبرير أعمال عنف أو لفرض رؤية سياسية معينة.
هذا النهج الانتقائي يُسهم في تشويه صورة الإسلام، ويُعزز الصور النمطية السلبية عنه، مما يؤدي إلى مزيد من الانقسامات داخل المجتمعات الإسلامية وخارجها. هذه الانتقائية في التعامل مع النصوص تجعل التفسيرات المجتزأة ذات أثر سلبي على المجتمعات، لأن التفسيرات المجتزأة للنصوص الدينية لا تؤدي فقط إلى تبرير العنف، بل تُسهم أيضًا في تعميق الانقسامات الاجتماعية والسياسية.
فبعض الجماعات المتطرفة تستخدم هذه التفسيرات لفرض هوية دينية ضيقة، تُقصي كل من يختلف معها في الرأي أو المذهب. هذا النهج يُضعف التماسك الاجتماعي، ويُعيق بناء مجتمعات متعددة الثقافات والأديان.
على سبيل المثال، يتم استخدام آيات الجهاد خارج سياقها التاريخي لتبرير الهجمات الإرهابية، في حين أن مفهوم الجهاد في الإسلام يشمل مجالات أوسع بكثير، مثل الجهاد الروحي ضد الذات، والجهاد الاجتماعي لتحقيق العدالة.
وبالتالي، فإن هذه التفسيرات الضيقة تُسهم في نشر الكراهية والعنف، بدلًا من تعزيز قيم السلام والعدل.
وللتغلب على هذه الأزمة، يصبح من الضروري تطوير فهم سياسي مستنير للإسلام، يعتمد على قراءة شاملة ومتوازنة للنصوص الدينية.
هذا الفهم يجب أن يأخذ في الاعتبار السياق التاريخي والثقافي للنصوص، ويُعزز القيم الإنسانية الأساسية مثل العدل والمساواة والتسامح. ولتحقيق هذا يجب إعادة قراءة النصوص في سياقها التاريخي حتى يتم فهم النصوص الدينية في ضوء السياق التاريخي الذي نزلت فيه، مع مراعاة الظروف الاجتماعية والسياسية التي كانت سائدة في ذلك الوقت. هذا النهج يساعد على تجنب التفسيرات الحرفية التي تُسهم في تشويه المعنى الأصلي للنصوص.
وفي نفس الوقت يجب تشجيع الفكر النقدي داخل المجتمعات الإسلامية، بحيث يتم تحليل النصوص الدينية بشكل نقدي وموضوعي، بعيدًا عن التأثيرات السياسية أو الأيديولوجية. هذا النهج يساعد على مواجهة التفسيرات المتطرفة والمجتزأة.
كما يجب العمل على تعزيز الحوار بين الأديان والثقافات، بحيث يتم بناء جسور التفاهم والتعايش بين مختلف المجتمعات.
هذا النهج سيساعد على مواجهة الصور النمطية السلبية، وتعزيز قيم التسامح والاحترام المتبادل. غير أننا لتحقيق ذلك يجب أن تلعب المؤسسات الدينية والتعليمية دورًا رئيسيًا في تعزيز الفهم الصحيح للإسلام، من خلال تطوير مناهج تعليمية تُعزز القيم الإنسانية، وتُعرِّف الطلاب بالسياق التاريخي للنصوص الدينية. كما يجب استخدام وسائل الإعلام لنشر الخطاب المعتدل والمستنير، ومكافحة الخطابات المتطرفة التي تُسهم في نشر الكراهية والعنف.
إن أزمة الفهم السياسي للإسلام، وخاصة في سياق تفسير النصوص الدينية، تُعد تحديًا كبيرًا يواجه العالم الإسلامي اليوم. وللتغلب على هذه الأزمة، يجب العمل على تطوير فهم سياسي مستنير للإسلام، يعتمد على قراءة شاملة ومتوازنة للنصوص الدينية، ويعزز قيم العدل والسلام والتسامح.
هذا النهج لن يساعد فقط في مواجهة التطرف والعنف، بل سيسهم أيضًا في بناء مجتمعات أكثر تماسكًا وتنوعًا.
* كاتب صحفي وسيناريست مغربي