آراء
أخر الأخبار

غزة.. وشهادة سقوط العالم “تحليل”

غزة ليست مجرد أرض تعاني من الاحتلال والظلم إنها تمثل رمزية للخلل في النظام الدولي الذي لا يزال يروج لمفاهيم العدالة والحقوق بينما يعامل قضية فلسطين بمنتهى اللامبالاة..

غزة، تلك البقعة الصغيرة على خريطة العالم، التي طالما كانت محط أنظار السياسة الدولية والأزمات الإنسانية، أثبتت في العديد من الأحداث أنها ليست مجرد نقطة في بحر من الأحداث، بل هي مرآة عاكسة لواقع يفضح ازدواجية المعايير العالمية.

في كل مرة تصاعد فيها التوتر في غزة، كان العالم يراقب عن كثب، لكنه كان غالبًا ما يظهر عجزه وتراخيه في اتخاذ المواقف الحاسمة التي من شأنها أن توقف المعاناة المستمرة لسكانها.

غزة كرمز للظلم

منذ عقود، عاشت غزة تحت وطأة حصار خانق وتدمير مستمر، كان يرافقه تزايد في أعداد الضحايا المدنيين، بما في ذلك النساء والأطفال. ورغم هذا، فإن العالم الذي يدعي احترام حقوق الإنسان والقيم الدولية ظل صامتًا أو مترددًا أمام مشاهد الدماء والدمار التي تجتاح المنطقة.

غزة أصبحت رمزًا للظلم غير المبرر، وهي تكشف بشكل صارخ عورة النظم الدولية التي تخلت عن مسؤولياتها الأخلاقية، وأظهرت ضعفًا في تطبيق العدالة على الأرض.

ازدواجية المعايير الدولية

في كل مرة تتصاعد فيها الأوضاع في غزة، نرى ردود فعل متباينة من الدول الكبرى، تتراوح بين الإدانات اللفظية والوعود التي لا تجد طريقها إلى التنفيذ.

هذا الازدواج في المعايير يعكس أزمة حقيقية في النظام الدولي الذي لا يزال يعامل القضايا الإنسانية بشكل انتقائي. في حين تُشهر أقلام العالم ضد الانتهاكات في أماكن أخرى، يبقى الاحتلال الإسرائيلي في غزة غير مكترث بالعواقب، بينما تغض بعض القوى الدولية الطرف عن تلك الانتهاكات بشكل مخجل.

إما بسبب مصالح سياسية أو اقتصادية، يبدو أن “حقوق الإنسان” التي تروج لها هذه الدول ليست سوى شعار فارغ يُستخدم حسب الحاجة. غزة تكشف لنا عن هذه الحقيقة الصادمة؛ فالدم الفلسطيني لا يحمل نفس قيمة الدماء في أماكن أخرى من العالم.

اللامبالاة الإنسانية

من خلال ما يحدث في غزة، يتجلى أمامنا التقاعس الإنساني الذي يتجاوز حدود السياسة. لا يكاد يمر يوم دون أن تعصف الكوارث بالناس في غزة، ومع ذلك، نرى هيئات دولية عديدة تكتفي بالتنديد دون اتخاذ خطوات عملية تساهم في تخفيف المعاناة.

هذه اللامبالاة لا تقف عند مستوى الحكومات فقط، بل تتعداها إلى المنظمات الإنسانية التي غالبًا ما تكون محاصرة في دوامة من القيود السياسية واللوجستية التي تقيد قدرتها على تقديم المساعدة.

غزة تُظهر بوضوح عجز الإنسانية في مواجهة أصوات الضحايا الذين يُتركون وحدهم في مواجهة آلة الحرب.

إنها تفضح تهرب المجتمع الدولي من مسؤوليته تجاه معاناة الشعوب، بل وتكشف عن التناقض بين الخطابات المبدئية والواقع الذي يعيشه الملايين.

دور المقاومة والصمود

على الرغم من القسوة التي يعيشها أهل غزة، تبقى مقاومتهم رمزًا من رموز الصمود والشجاعة في وجه الأعداء والمجتمع الدولي الذي تواطأ في صمت.

غزة علمتنا أن الكرامة لا تُنتزع، وأن الأمل في الحياة الحرة لا يمكن القضاء عليه بسهولة. أهل غزة هم اليوم معلمون في الصبر والمقاومة، وفي كل معركة يخوضونها، تزداد الحقيقة وضوحًا: أنه رغم محاولات القمع، تبقى الأرض الفلسطينية أبية، ولا يمكن لأي قوة في العالم أن تكسر عزيمة شعبها.

دعوة للتغيير

لا شك أن غزة قد كشفت الكثير من العورات في النظام الدولي، ولكنها أيضًا تطرح تحديات حقيقية أمام العالم ليتحمل مسؤولياته. يجب أن يكون لدينا الإيمان بأن الصمت على معاناة الفلسطينيين لن يطول، وأن القوى العالمية يجب أن تكون جادة في اتخاذ خطوات فاعلة لوضع حد لهذا الظلم.

غزة بحاجة إلى تغيير جذري في المواقف السياسية الدولية، وفقط من خلال تحرك منظم وعادل يمكن أن نرى ضوءًا في نهاية النفق.

غزة ليست مجرد أرض تعاني من الاحتلال والظلم إنها تمثل رمزية للخلل في النظام الدولي الذي لا يزال يروج لمفاهيم العدالة والحقوق بينما يعامل قضية فلسطين بمنتهى اللامبالاة.

غزة، من خلال معاناتها، تكشف للعالم عن حقيقة بشعة: أنه طالما بقيت القيم الإنسانية رهينة للمصالح، ستظل مناطق مثل غزة محاصرة في دائرة من الدمار والصمت الدولي.

في النهاية، لا يمكن للعالم أن يستمر في تجاهل مسؤولياته تجاه هذه القضية، ويجب أن يكون هناك تحرك جاد لتصحيح هذا الظلم المتواصل.

https://anbaaexpress.ma/zrgcf

عبد الحي كريط

باحث وكاتب مغربي، مهتم بالشأن الإسباني، مدير نشر أنباء إكسبريس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى