آراءثقافة
أخر الأخبار

تعذيب الحاضر بالاستذكار النكد

تتغابى الرداءة حتى تكتسب غباء حقيقيا وفائقا يضرب في عمق الذاكرة البائسة لاحتواء المستقبل بصورة تقوّض مفهوم العراقة والرّقي

ليست الذاكرة مجرد سردية حول زمن مضى، فحين ندرك أهمية الذاكرة، ليس كحدث، بل كاحتواء أنطولوجي لكائن خصب بتخارجات زمنية محتملة، في مقروئتها البرغسونية، سنكف عن هذا الاستهلاك الضّار بالصّحة العقلية لذاكرات مشرّدة تجد في ثورة الصورة وجبة نهمة للتعويض، لتصبح الذاكرة عنوان مرض.

يمنحنا زمن التّفاهة الحاكي عن تدهور مرعب في خبرة الوجود، أنّ ما يبدو من لعبة الذّاكرة الملوّثة التي تجد في الوضعية المتدانية للمعقول ما يجعل الرداءة درسا في العبقرية، ندرك أنّ الذاكرة منذ انتحار الأعمال الكلاسيكية والعبقرية للاعترافات، أصبحت وجبة لتعذيب العقل وصناعة للتفاهة.

ولكنها في الوقت نفسه هي مادة دسمة، ليس للأجيال التي تعاقر الذاكرة برداءة وقحة تفقد المتلقي شهية الرقيّ، بل مادة دسمة للمحلل النفسي، لا سيما حين ندرك أنّ الكآبة الطفولية هي وحدها ما يفسر كل هذا البؤس الذي سيجعله التمكين يوما عبقريا في نحت ذاكرة كئيبة.

لعل الغباء بمعناه الفلسفي الذي استطاع الفكر الألماني مع ديتريش بونهوفر أن يشرح معناه، يتجلّى في هذا الاستغباء الشمولي بالذاكرة، فالغباء هنا ليس نقصا في الذكاء بل هو حالة ممنهجة تنتهي الى أن تجعل منها شيئا أخطر من الشرّ نفسه.

تتغابى الرداءة حتى تكتسب غباء حقيقيا وفائقا يضرب في عمق الذاكرة البائسة لاحتواء المستقبل بصورة تقوّض مفهوم العراقة والرّقي.

تعويض المسار بذاكرة فارغة هي جزء من محنة المعنى في نوبتنا التّاريخية. لم يعد التمكين مجرد كذب على الحاضر، بل هو محاولة لاحتواء المستقبل في سردية موجعة لأولي الألباب.

فخلف تناطح الذاكرات الرديئة يكمن مخطط مشبوه لتسطيح الوعي، إن تفادي لعنة المستقبل بذاكرة مرقّعة، هو جريمة كاملة الأركان، وشكل من الاتجار في البشر.

لا يتعلق الأمر بالكذب على الذاكرة، بل للأمر علاقة بالثأر من المستقبل وتلطيخ الذوق العام بالتّفاهة.

كلّ الإحباطات السيكولوجية تسكن في هذا القرف الاستذكاري، لا سيما وأنّ هناك حربا ديماغوجية على الذّوق العام لتكتمل الدورة الزمنية للرداءة..

https://anbaaexpress.ma/34jiw

إدريس هاني

باحث ومفكر مغربي، تنصب إهتماماته المعرفية في بحث قضايا الفكر العربي، أسئلة النهضة والإصلاح الديني .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى