جنيف، مجلس حقوق الإنسان: شهدت فضاءات مكتب الأمم المتحدة بجنيف تنظيم ندوة موضوعاتية حول موضوع “القمع في الفضاء المدني في الجزائر: لا نهاية في الأفق”، تتناول وضع حقوق الإنسان في الجزائر الضوء على الانتهاكات المستمرة للحريات الأساسية في البلاد، وذلك اليوم الجمعة 07 مارس 2025 بجنيف، على هامش الدورة العادية الثامنة والخمسين لمجلس حقوق الإنسان التابع للجمعية العامة للأمم المتحدة.
وقد تميزت الندوة بمداخلة قوية للفاعل المدني والمدافع عن حقوق الإنسان، عبد الوهاب الكاين، نائب منسقة تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية، شكك في مصداقية تقرير المقررة الخاصة المعنية بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان، السيدة ماري لاولور، المقدم لمجلس حقوق الإنسان بعد الزيارة المنفذة إلى الجزائر أواخر نونبر 2023، نظرا لغياب أي إشارة الى حالة المدافعين عن حقوق الإنسان الصحراويين الناشطين بمخيمات تندوف جنوب غربي الجزائر.
فضاء مدني لا يزال يشهد قمعا وتضييقا شديدين في الجزائر!
الندوة المنظمة جاءت بمبادرة من المركز الدولي لمناهضة الرقابة التابع لمنظمة المادة 19، بشراكة مع منظمة هيومن رايتس ووتش، والشبكة الاورومتوسطية للحقوق، ومنظمة العفو الدولية، ومركز القاهرة لحقوق الإنسان، ومجموعة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لحقوق الإنسان، والفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، والمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب في إطار مرصد حماية المدافعين عن حقوق الإنسان، بقصر الأمم بجنيف، وذلك بمشاركة العديد من الخبراء والناشطين البارزين، كالأستاذ مولود أومغار، المحامي وأستاذ القانون العام بجامعة بيكاردي جيل فيرن، والسيدة نصيرة ديتور، رئيسة جمعية عائلات المفقودين في الجزائر، وكذلك زكريا حنوش، الناشط الجزائري اللاجئ بكندا، إلى جانب الدكتورة منية بن جميع، رئيسة اللجنة التنفيذية للشبكة الاورومتوسطية للحقوق، والسيدة ماري لاولور، مقررة الأمم المتحدة الخاصة بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان.
قدمت السيدة ماري لاولور، خلال مداخلتها تقريرا مثيرا للقلق حول وضع الحقوق والحريات في الجزائر. ونددت باستغلال قوانين مكافحة الإرهاب لتجريم المدافعين عن حقوق الإنسان وتكميم الصحفيين، وسردت أرقاما صادمة بشأن اعتقال العديد النشطاء والصحفيين مؤخرا وتعذيبهم بسبب انتقادهم للحكومة والتطرق لقضايا التي تعتبرها السلطات الجزائر من الطابوهات كالفساد والحقوق الثقافية ومكافحة الإفلات من العقاب والسجل الأسود للعشرية الجزائرية السوداء وحرية الرأي والتعبير والصحافة وغيرها من القضايا الضاغطة.
وأكدت أيضا أن الإصلاح الدستوري لعام 2020 لم يحقق أي تقدم ملموس، وخاصة فيما يتعلق بحرية تكوين الجمعيات، حيث لا تزال المنظمات غير الحكومية المستقلة تكافح من أجل التسجيل بشكل قانوني، مما يحرمها من الوصول إلى التمويل ويعيق عملها.
عبد الوهاب الكاين يدافع عن المدافعين الصحراويين المنسيين بمخيمات تندوف
وأمام تخصيص الحيز الأكبر من النقاش لوضع المدافعين عن حقوق الانسان، بل وتركزت المداخلات فقط على حالة الناشطين الجزائريين، اغتنم عبد الوهاب الكاين، رئيس منظمة أفريكا ووتش، الفرصة لتحدي المقررة الخاصة بشكل مباشر بشأن قضية حساسة تتعلق بوضع المدافعين الصحراويين عن حقوق الإنسان في مخيمات تندوف.
وأشار إلى أن فريقه قدم تقريرا مفصلا يشهد على انتهاكات خطيرة مرتكبة بحق هؤلاء النشطاء، إلا أن هذه العناصر لم تدرج في التقرير الرسمي المقدم لمجلس حقوق الإنسان.
وتساءل الأستاذ الكاين قائلا: “كيف تفسرون أن تقريركم لم يأت على ذكر الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها المدافعون الصحراويون عن حقوق الإنسان في مخيمات تندوف، في حين أن فريقكم تلقى معلومات موثقة حول هذا الموضوع؟”.
وبدت السيدة ماري لاولور محرجة بشكل واضح، وحاولت تبرير غياب هذه البيانات في تقريرها، حيث أوضحت أنها زارت مخيمات تندوف قبل تعيينها مقررة خاصة معنية بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان، وأكدت على صعوبة التمييز بين المدافعين عن حقوق الإنسان وأولئك الذين لديهم آراء سياسية قوية. وقالت إنه “من الصعب في بعض الأحيان التمييز بين من يدافعون عن حقوق الإنسان ومن يعبرون عن مواقف سياسية حتى ولو سلميا”، ومع ذلك، فقد اعترفت بأنه سيتم نشر تقرير محدد حول مخيمات تندوف قريبا، مؤكدة في الوقت نفسه أن عملها يعتمد على معايير صارمة وإطار منهجي محدد.
رد فعل يثير التساؤلات
أثار الحوار بين السيد عبد الوهاب الكاين والسيدة ماري لاولور اهتماما كبيرا بين المشاركين، لكنه أثار أيضا بعض القلق. وفي نهاية الجلسة، أبدى ممثلو التحالف رغبتهم في إجراء المزيد من المناقشات مع المقررة الخاصة، إلا أنها رفضت المزيد من التفاعل، مشيرة إلى وجود التزام عاجل. وهو الرفض الذي عزز التساؤلات حول مدى استعداد الهيئات الدولية للتعامل بشكل مفتوح مع قضية حقوق الإنسان في مخيمات تندوف.
ولم يسلط هذا الحدث الضوء على استمرار القيود المفروضة على الحريات الأساسية في الجزائر فحسب، بل كشف أيضا عن التردد في معالجة بعض القضايا الحساسة، مثل وضع المدافعين الصحراويين بمخيمات تندوف. ومن خلال طرح هذا السؤال المقلق، لم يطرح عبد الوهاب الكاين نقاشا جوهريا فحسب، بل سلط الضوء أيضا على فجوة في تعامل آليات الأمم المتحدة مع هذه القضية.
وسنرى ما إذا كان التقرير المستقبلي الذي أعلنت عنه المقررة الخاصة المعنية بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان، السيدة ماري لاولور سيقدم أخيرا إجابات ملموسة على الانتهاكات المرتكبة ضد المدافعين عن حقوق الإنسان الصحراويين بمنطقة تندوف جنوب غربي الجزائر.