هشام فرجي
على مر العقود، ظلت العلاقات بين المغرب والجزائر متوترة، متأرجحة بين التنافس السياسي والمواجهات الدبلوماسية والحملات الإعلامية العدائية.
وبالرغم من دعوات التهدئة المتكررة من الجانب المغربي، تواصل الجزائر نهج سياسات معادية تتخذ أشكالًا مختلفة، من الدعاية المضللة إلى التحركات السياسية الرامية إلى عرقلة مصالح المملكة.
فما أسباب هذا العداء المستمر؟ وهل هو مجرد خلاف سياسي أم استراتيجية ممنهجة؟
الصحراء المغربية.. جوهر النزاع
يظل ملف الصحراء المغربية حجر الزاوية في الخلاف المغربي الجزائري. فمنذ انسحاب الاستعمار الإسباني سنة 1975، تبنت الجزائر موقفًا داعمًا لجبهة البوليساريو، متجاهلة الحقائق التاريخية والجغرافية التي تؤكد مغربية الأقاليم الجنوبية.
ولم يقتصر الدعم الجزائري على المستوى الدبلوماسي، بل شمل التمويل والتسليح والدفاع عن الأطروحة الانفصالية في المحافل الدولية، ما جعل الجزائر طرفًا رئيسيًا في النزاع، رغم ادعائها الحياد.
التنافس على الريادة الإقليمية
المغرب والجزائر هما أكبر قوتين في منطقة المغرب العربي، ويتنافسان على النفوذ الإقليمي. وقد نجحت المملكة المغربية، بفضل استراتيجيتها الدبلوماسية والاقتصادية، في تعزيز مكانتها إقليميًا ودوليًا، سواء عبر اتفاقيات تجارية مع الاتحاد الأوروبي وأفريقيا، أو من خلال تعزيز شراكاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة والصين ودول الخليج.
في المقابل، تعاني الجزائر من أزمة سياسية واقتصادية جعلت نظامها يبحث عن “عدو خارجي” لتبرير إخفاقاته الداخلية.
إرث تاريخي من العداء
العداء الجزائري تجاه المغرب ليس وليد اليوم، بل تعود جذوره إلى حرب الرمال عام 1963، عندما حاولت الجزائر التوسع على حساب الأراضي المغربية. رغم محاولات تطبيع العلاقات في فترات متفرقة، إلا أن النظام الجزائري ظل يوظف التاريخ كمبرر لسياسات العداء.
المتغيرات الجيوسياسية تزيد من التوتر
مع تطور التحالفات الدولية، وجد المغرب موقعه في تكتلات جديدة تعزز نفوذه، من بينها عودته إلى الاتحاد الإفريقي، وتوقيع اتفاقيات دفاعية وأمنية مع قوى عالمية كأمريكا وإسرائيل. هذا التحول أزعج الجزائر، التي ترى في هذه التحركات تهديدًا لتوازن القوى في المنطقة.
ومن هذا المنطلق، كثفت الجزائر حملاتها الإعلامية، وأغلقت مجالها الجوي أمام الطيران المغربي، وقطعت علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط.
الحرب الإعلامية.. أداة التشويه والتضليل
لم تتوقف الجزائر عند التصعيد السياسي، بل سخرت إمكانياتها الإعلامية لتشويه صورة المغرب دوليًا. عبر وسائل الإعلام الرسمية والممولة، تعمل الجزائر على نشر الأكاذيب والتقارير الملفقة حول الأوضاع الداخلية في المغرب، في محاولة لإضعاف مكانته أمام الرأي العام الدولي.
المغرب.. ثبات في الموقف وتجاهل الاستفزازات
ورغم كل المحاولات الجزائرية، يظل المغرب متمسكًا بسياسة ضبط النفس، مع التركيز على مشاريعه التنموية الكبرى. فقد تبنت المملكة رؤية مستقبلية قائمة على تقوية الاقتصاد الوطني، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتعزيز علاقاتها الدبلوماسية، بعيدًا عن الانجرار إلى دوامة التصعيد.
خاتمة
يبقى السؤال المطروح: إلى متى ستظل الجزائر تحارب المغرب بوسائل غير أخلاقية؟ وهل يدرك صانعو القرار في الجزائر أن سياساتهم العدائية لا تخدم سوى مصالح ضيقة على حساب استقرار المنطقة؟
يبدو أن المغرب، بثباته ورؤيته الاستراتيجية، قد حسم قراره بعدم الانشغال باستفزازات الجار الشرقي، مركزًا على مسار التنمية والتقدم، تاركًا الجزائر حبيسة أوهام الهيمنة الإقليمية.
* كاتب مغربي