ياسين المصلوحي
تفاعلت عديد الهيئات والجمعيات الحقوقية مع ما سموه اعتقال طفلة ذات 13 سنة على خلفية قضية رائجة لدى السلطات القضائية، متعلقة بالتشهير والابتزاز، رفقة والديها وأخيها. وصلت هذه التفاعلات حد الإدانة لهذا الإجراء القضائي.
هذه الموجة من التضامن تسائلنا كمواطنين ومتتبعين للشأن الحقوقي في المغرب، من خلال عدة تساؤلات ومعطيات، خصوصًا بعدما خرجت النيابة العامة المعنية بهذا القرار في ندوة صحفية تتواصل فيها مع الرأي العام وتوضح حيثيات الملف.
حيث أوضحت أن الطفلة تبلغ 15 سنة وليس 13 سنة، وأنه تم وضعها في دار رعاية للأطفال وليس السجن كما تم الترويج لذلك، وأن النيابة العامة لم تتحرك إلا بعد شكاية من سيدة تتعرض للابتزاز والتشهير.من خلال الأبحاث الأولية، تبين للنيابة العامة أن الطفلة مشاركة في العملية بشكل من الأشكال، من خلال اقتناء واستعمال شرائح هاتفية تستعمل في هذا الغرض، كما أن القضاء لم يقل كلمته بعد.
الغريب في الأمر هو الهجوم اللاذع الذي تعرضت له النيابة العامة، بل و رميها، باتهامات تصفية الحسابات مع خال الطفلة، الذي يعتبر مشتبهًا فيه رئيسيًا يوجد في حالة فرار خارج الوطن، بسبب خرجاته على مواقع التواصل الاجتماعي التي يهاجم فيها مؤسسات الدولة ورموزها ونظام حكمها، وهو ما لا يفسح المجال للخوض فيه.
هذا الاتهام يضرب في العمق قرينة البراءة، التي كما هي مضمونة لكل المتهمين في القضية إلى حين بت القضاء فيها، فهي مضمونة أيضًا لسلطات النيابة العامة من تهمة تصفية الحسابات. فلماذا نمنح الأفراد حق قرينة البراءة ونستثني المؤسسات؟
كما أن التضامن مع الطفلة يسائل وضع السيدة المشتكية من الابتزاز والتشهير، حيث يعتبر هذا التضامن تعسفًا في حق المشتكية.
ففي الوقت الذي تدعم فيه هذه الهيئات إحدى المتهمات، فإنها تجور على حق الضحية. فعوض دعم الضحية، أو على الأقل الوقوف على الحياد كون القضية الآن بين يدي القضاء، نجد الأصوات تصطف إلى جانب المتهم في وجه المشتكي.
على اعتبار أن التضامن هو حق كوني وشمولي، فإننا نلاحظ صمتًا يحاكي صمت القبور لهذه الأصوات الحقوقية والهيئات الجمعوية فيما يخص أوضاع آلاف الطفلات اللاتي لا يكملن دراستهن بسبب غياب وسائل النقل المدرسية في البوادي والقرى، ومثيلاتهن من عاملات البيوت القاصرات اللاتي تُنتهك حقوقهن وتُسرق طفولتهن.
ولعل آخر حدث مؤلم ومؤسف يستوجب صرخات حقوقية عالية من هذه الهيئات هو وفاة الطفلة يسرى في إقليم بركان، بعدما سقطت في بالوعة مفتوحة جراء الأمطار الغزيرة التي عرفتها المنطقة، حيث لم تنصب أي جهة نفسها لدعم أسرة الضحية لتحديد المسؤوليات على خلفية هذا الحادث المأساوي.
إن المصالح المسيرة والمسؤولة عن تسيير المرافق العمومية والشأن العام المحلي كانت على علم بهذه التساقطات، وكان يستوجب التدخل من أجل مراقبة حالة الطرقات والبنيات التحتية. فكيف لبالوعة أن تبقى مفتوحة وسط الطريق دون أي إجراءات احترازية أو علامات تشوير تشير إليها، مع العلم أنه لا يجب أن تبقى مفتوحة من الأساس لما تشكله من تهديد لسلامة المواطنين، الراجلين والراكبين؟ دور المجتمع المدني والحقوقي هو تكملة عمل السلطات، حيث يجب تنبيهها وإخبارها بهذه النقائص لتداركها وتفادي وقوع الفواجع.
إن الانتقائية في تبني الملفات الحقوقية التي تستوجب التضامن والترافع، للأسف، من شأنه أن يفقد المجال الحقوقي مصداقيته على المستوى الوطني كما الدولي.
فقد مرت عديد المناسبات والأحداث التي كانت تستوجب ترافعًا حقوقيًا من طرف الهيئات والجمعيات، إلا أنها مرت في صمت وعلى الهوامش. كما أن محاولة ضرب المؤسسات الوطنية وإظهارها في صورة الوحش والغول الذي ينتهك حقوق الإنسان يؤثر على صورة الديمقراطية، ومجهودات الدولة في تحسين المناخ الحقوقي العام، خصوصًا في ظرفية تواجه فيها الدولة إشاعات ومحاولات للخصوم الخارجيين لزعزعة الاستقرار وخلق جو من الشك بكل الوسائل المتاحة.
إن حقوق الإنسان حقوق مقدسة يحرم المساس بها أو انتهاكها، كما أن هذه الحقوق يجب ممارستها بحرية ومسؤولية، وفي سياق مؤطر بالقانون لتفادي الوقوع في حالة التجاوز في استعمال الحق، الذي نعتدي من خلاله على حق الغير.
أكيد أن الطفلة ملاك، وكل المتهمين في القضية أبرياء إلى حين ثبوت إدانتهم، كما أن السيدة المشتكية متضررة وضحية إلى أن يثبت العكس، والنيابة العامة بريئة من اتهامات تصفية الحسابات إلى أن يثبت العكس، والمرحومة يسرى ومثيلاتها من اللاتي لازلن على قيد الحياة، في حاجة هن أيضًا للتضامن والترافع، بعيدًا عن الانتقائية في تبني القضايا حسب النقاط التي يمكن تسجيلها، والضغط الذي يمكن ممارسته على الدولة حسب كل قضية قضية.
* كاتب مغربي
تعليق واحد