هذا العالم غير مكتمل، ويبدأ العنف الرمزي فالمادّي متى اشترطنا التعايش في – ومع – العالم على أساس الاكتمال. ثمة كمال وثمّة ما هو على طريق الكمال، وإن لم تتحقق البُلغة. وهذا ما يسمى في النظر والعمل بحسن النّية.
فأمّا حسنها أو عدمه في العمل فهو مُدرك بداهة وإن لم يُعمل بداهة. وفي النظر لا يستقيم الإستدلال من دون حسن نية. سترى أنّ حسن النية وعدمها يؤثّر في اتجاه الفكر والوعي، في اللغة والوعي والفوتون. الأثر التكويني لحسن النية أو عدمها دقيق حدّ الخفاء، خطير حدّ الخراب.
حين نحسن النية، وتفقد اليقظة أمام خطأ ما، يتعين ملاحظة حسن النية أو عدمها. ولك مثال:
هب أنّك أستاذ رياضيات. أحدهم أصاب المقدمة الأولى في العملية الاستدلالية، والثاني أخطأها. أصاب الأول المقدمة الأولى دونما عناء، بينما الثاني أخطأها لشبهة عارضة. يتألف الاستدلال من مقدمات كثيرة.
لنفترض الأول أصاب المقدمة الأولى، لكنه سلك مدركا في الاستدلال جعله يبلغ الاستنتاج برهق من الاستدلال اقتضى 10 مقدمات.
بينما الثاني الذي أخطأ الأولى، سلك على مبنى منطقي دقيق لم يخطؤه البتة، لكنه سلك مدركا في الاستدلال اختصر المسافة وجعل الاستنتاج صحيح وفق المبنى نفسه من خلال 3 مقدمات.
تأتي مرحلة التقييم، وهنا لا أختصر التقييم في صحة النتيجة، لأنّ الأول بالفعل أصابها، لكن بلغها بجهد تكاثرت فيه المقدمات. وتكاثر المقدمات إنّما هو ناتج عن جهل الأول بروح البرهان، بينما الثاني أصاب النتيجة بلحاظ البناء على شبهة صحة المقدمة الأولى، ولكنه أبدع في تقليص المسافة بين الفرضية والاستنتاج. إنّنا سنُقَيِّم كل هذا بناء على حسن النية وجودة الاستدلال.
الخطأ غالب على العِلم، لكن حسن تدبير الاستدلال والابتكار قليل. هل هي نقيضة الصّحة والخطأ؟
إن كان الدماغ نفسه يسعمل على أساس هذه النقيضة، أي تصحيح الخطأ، كما لو أنّ مصير الصحة لا يتحقق إلاّ بعبور تجربة الخطأ، فإنّ معضلة العلم لا تكمن في إخطاء الحقيقة وتداركها على مسار طويل من الاختبار، بل المعضلة تكمن في الجمود وسوء النّية وعدم خصوبة الحدس.
في التقييم العلمي وفي سائر نشاطات الذهن البشري، يكمن التسامح هنا، في ملاحظة ما هو أهم، في فنّ العيش وفن التفكير، وأمّا الخطأ والصواب، فإن تحقق كان المُراد وإن لم يتحقق حصلت متعة الإجتهاد وعبقرية الاستدلال.
وبهذه المنهجية يتحقق العلم ويزدهر ويستقيم العيش المشترك.