برلين: محمد نبيل
مقال مثير ومفيد يتناول ظاهرة جديدة تجتاح عالم الإعلام، وتحديدًا علاقة السياسيين بالبودكاست. تبدأ صحيفة “التاتس” اليسارية بطرح السؤال التالي: “لماذا يظهر السياسيون في البودكاست أكثر من أي وقت مضى؟ وما سبب هذه الشعبية المتزايدة لهذا النوع من البرامج لدى الأحزاب السياسية؟”
تصف الصحيفة ظاهرة البودكاست التي تهيمن على وسائل الإعلام بالتفصيل، مشيرة إلى حديث سياسي اليسار الشهير، غريغور غيزي، الذي يجري في بداية فبراير حوارًا مع اليوتوبر والبودكاستر تيم غابل. يظهر غيزي جالسًا في وضع القرفصاء مرتديًا جواربه، على أريكة مريحة. في بداية اللقاء، قدم غابل غيزي باعتباره “أسطورة في السياسة” و”شخصًا أكن له إعجابًا شخصيًا، لأنه يتحدث بصراحة عن السياسة.”
اشتهر غابل في عام 2014 عبر دروس اللياقة البدنية، وفي الوقت الحالي يقدم أيضًا بودكاستات. حيث يتم دعوة جميع الأحزاب السياسية وزعمائها، مثل روبرت هابيك، وسارة فاغنكنشت، وكريستيان ليندنر.
يقول غابل إنه يهدف إلى “التحدث مع السياسيين بطريقة محايدة وغير نقدية” من خلال توفير منصة لهم للتعبير عن أفكارهم ومعتقداتهم. بينما يعبر غيزي عن سعادته، قائلًا: “لقد تم مشاهدة الحوار أكثر من 300 ألف مرة على يوتيوب.”
وتضيف صحيفة “التاتس” أن “البودكاستات تتيح للضيوف التحدث لساعات في جو مريح حول السياسة والعديد من المواضيع الأخرى. وليس من المفاجئ أن السياسيين يفضلون الظهور في هذه البودكاستات. فقد أصبح البودكاست أكثر شعبية في السنوات الأخيرة، ففي عام 2024 استمع ثلث سكان ألمانيا الذين تتراوح أعمارهم بين 14 عامًا فما فوق إلى البودكاست بشكل متقطع، بينما يستمع 9 في المائة منهم إليه يوميًا وفقًا لدراسة أعدتها ARD وZDF. كما لوحظ تزايد الاعتياد على الاستماع بين الشباب الذين تقل أعمارهم عن 30 عامًا، وزيادة مدة الاستماع.”
وتقول إليزابيث شميتباور، الباحثة في جامعة ميونيخ: “البودكاستات تتيح للسياسيين الوصول إلى جمهور يصعب الوصول إليه عبر وسائل الإعلام الأخرى.”وتعتبر الصحيفة اليسارية أن “الحملة الانتخابية هي ذروة العرض السياسي، ولذلك فإن الحديث الطويل في جو منزلي، مثلما يحدث مع غريغور غيزي الذي يجلس على وسائد الأريكة في استوديو بودكاست تيم غابل، هو الطريقة المثلى لتحقيق ذلك. في هذه المحادثات، يمكن للسياسيين شرح أفكارهم وتبريرها لساعات، كما يمكنهم التعبير عن أنفسهم بحرية.
وهذا يتناقض مع المقابلات القصيرة في برامج مثل ‘التقارير اليومية’، حيث يبدو المحاور والمقابل غالبًا متعجلين. السرد يحتاج إلى وقت كي يؤثر، وبفضل هذه المحادثات الطويلة، يمكن للسياسيين الظهور بشكل أكثر قربًا وواقعية بعيدًا عن أدوارهم العامة.”
وتوضح الصحيفة أن “الوقت الطويل يوفر أيضًا فرصة للكثير من الكلام غير الجاد. على سبيل المثال، حصل السياسي اليميني من حزب البديل من أجل ألمانيا، ماكسيميليان كراه، في بودكاست ‘غير مكتوب بواسطة بن’ في يناير على 4 ساعات و38 دقيقة لعرض رؤيته السياسية. وقد حققت الحلقة أكثر من 750 ألف مشاهدة خلال ثلاثة أسابيع، وهو ما كان يتمنى أن تحققه بعض الصحف الألمانية.”
كما تشير الصحيفة إلى أن “البودكاستات هي وسيلة يمكن الاستماع إليها أثناء القيام بأنشطة أخرى. يعرف المستمعون أن بإمكانهم ممارسة مهام أخرى أثناء الاستماع مثل ركوب المترو أو تنظيف الحمام. خلال المحادثات الطويلة، يمكن للمستمع أن يكون غير منتبه أحيانًا، كأن يأخذ البيتزا من الفرن أو يتصفح إنستغرام. وتقول شميتباور: ‘سهولة دمج البودكاستات في الروتين اليومي يجعلها وسيلة جذابة وعملية للكثيرين.'”
إضافة إلى ذلك، يُخلق من خلال الاستماع المنتظم للبودكاست “إحساس بأنك تعرف الشخص الذي يتحدث إليك”. ويُبنى، بلغة علم النفس، “علاقة شبه اجتماعية” مع مقدم البودكاست. وتوضح شميتباور أن هذه العلاقة تخلق وهمًا باتصال شخصي مباشر. فإذا كانت العلاقة مع الشخصيات التلفزيونية في الماضي تُشبه صداقة أحادية مع الجمهور، فإن البودكاست يخلق نوعًا من “الصديق في الأذن”، حيث يتم الاستماع إليها غالبًا عبر سماعات الأذن، مما يجعلها قريبة جدًا من الإدراك البشري. وعندما يظهر السياسيون في بودكاستات مفضلة، يمكن أن يكون لذلك تأثير مقنع.
وتؤكد الصحيفة أن “تأثير ظهور السياسيين في البودكاستات أصبح واضحًا في الحملة الانتخابية الأمريكية. فقد استضاف دونالد ترامب العديد من مقدمي البودكاست واليوتوبر قبل إعادة انتخابه، لاسيما أولئك الذين يتمتعون بشعبية بين الشباب. في يوم تنصيبه، شكر ترامب ابنه بارون، الذي ساعده في الحصول على أصوات الشباب، إذ كانت النصيحة بشأن الظهور في البودكاستات قد أتت من ابنه. وكان سر ترامب يكمن في الظهور بمظهر حقيقي وقريب من الناس.”
وتختتم صحيفة التاتس مقالها قائلة : ” نفس النهج بدأ يظهر في الحملة الانتخابية الألمانية. ففي بودكاست ‘كل شيء تم قوله؟’ يشعر المستمعون وكأنهم يتعرفون على السياسيين. التطلع إلى ما وراء الواجهة يثير نوعًا من الفتنة. كيف هو أولاف شولتس حقًا؟ العديد من الناخبين يتخذون قراراتهم بناءً على شعورهم بالتعاطف والعواطف. البودكاستات تخاطب هذه العواطف.”
وأخيرًا، تشير الصحيفة إلى أن البودكاستات الطويلة يمكن إعادة استخدامها بسهولة، حيث يتم نشر مقاطع قصيرة على إنستغرام وتيك توك، مما يولد مشاهدات ضخمة. وقد تم التعليق على مقاطع غريغور غيزي في بودكاست تيم غابل بـ: “غيزي المستشار الألماني”.