فيصل مرجاني
إن المغرب، وهو يستعد لاستضافة كأس العالم 2030، لا يواجه مجرد تحدٍّ تنظيمي، بل يقف أمام فرصة لصياغة رؤية متجددة تعكس هويته الحديثة وطموحاته المستقبلية.
فالملاعب الرياضية ليست مجرد منشآت، بل هي فضاءات تحمل دلالات رمزية تعكس قيم المجتمع وتطلعاته. ومع شروع الحكومة المغربية في تشييد ملاعب جديدة استعدادًا لهذا الحدث العالمي، يصبح من الضروري التفكير في طريقة تسمية هذه المنشآت بما يتماشى مع روح المساواة والمناصفة والعدالة التي يعمل المغرب على ترسيخها في مختلف المجالات.
لقد قطع المغرب خطوات كبيرة في تعزيز المساواة بين المرأة والرجل، سواء على مستوى التشريعات أو الممارسات، مما جعل المبدأ الدستوري للمناصفة يتجاوز البعد القانوني ليصبح ركنًا أساسيًا في بناء المستقبل.
غير أن هذا التوجه يحتاج إلى ترسيخ أعمق داخل الفضاء العمومي، حيث لا يزال التمثيل الرمزي للمرأة محدودًا في العديد من المجالات، ومنها تسمية المنشآت الكبرى.
فتسمية أحد الملاعب الجديدة باسم الأميرة الجليلة لالة خديجة ليست مجرد اختيار شكلي، بل هي خطوة تعكس رؤية حديثة تضع المرأة في قلب المسار التنموي، تمامًا كما هو الحال في مختلف المجالات التي أثبتت فيها النساء المغربيّات حضورًا قويًا ورياديًا.
وتعبر هذه المبادرة عن تصور جيلي جديد يكرّس الاستمرارية في ظل التحولات العميقة التي يشهدها المجتمع.
فكما أن المغرب يتطور على المستوى الاقتصادي والتكنولوجي والاجتماعي، وبذلك يجب أن تتطور رموزه من أجل مواكبة هذا المسار، بحيث تعكس الحاضر بقدر ما تستشرف المستقبل.
فالأميرة الجليلة لالة خديجة تمثل هذا الامتداد الطبيعي للأجيال الصاعدة، ورمزية التحدي والمواصلة في مسار بناء مغرب أكثر انفتاحًا وتوازنًا. فتسمية ملعب بهذا الاسم تحمل بعدًا يتجاوز مجرد تخليد شخصية، بل هي رسالة بأن الأفق الجديد للمغرب يتأسس على شراكة متكافئة بين الرجال والنساء، وعلى رؤية لا تفصل بين الطموح الرياضي والطموح المجتمعي، بل تجعلهما جزءًا من دينامية واحدة تكرّس قيم العدالة والمساواة.
وبكل تأكيد أن ما وصل إليه المغرب اليوم من منجزات يتجسد بفضل جهود جميع أبنائه، رجالًا ونساءً، في إطار رؤية تشاركية لا تقوم على الإقصاء، بل على الاعتراف المتبادل بالكفاءات والإسهامات. والمساواة ليست شعارًا، بل مسار يُبنى في جميع التفاصيل، ومنها الرموز التي تتشكل داخل الفضاء العام.
فكما أن النساء المغربيات ساهمن في تحقيق التحولات الكبرى التي شهدتها البلاد، فإن هذا الحضور يجب أن ينعكس في جميع مظاهر الحياة الوطنية، بما فيها تسمية الملاعب التي ستصبح جزءًا من ذاكرة الأجيال القادمة.
إن إطلاق اسم الأميرة الجليلة لالة خديجة على أحد الملاعب الكبرى لا يعبّر فقط عن تكريم مستحق، بل هو تأكيد على أن مغرب المستقبل لا يُبنى بثنائية تقليدية تفصل بين الأدوار، بل يقوم على رؤية حديثة تجعل المساواة والمناصفة أسسًا لاختيار الرموز وصياغة الهوية الجماعية.
فكما أن هذه الملاعب ستكون فضاءات عالمية لاستقبال المنافسات الكبرى، فإن أسماءها يجب أن تحمل دلالات تعكس الروح الجديدة للمغرب، حيث التحدي والاستمرارية والانفتاح تشكّل أساس التقدم.
فالمغرب فخور بنسائه ورجاله، وهو يواصل بناء غدٍ يتشارك الجميع في صنعه. وتسمية الملاعب يجب أن تكون امتدادًا لهذا الطموح، حيث لا تكون الرموز مجرد انعكاس للماضي، بل إشارات إلى المستقبل الذي يعمل المغرب على تحقيقه، بمناصفة حقيقية، وعدالة شاملة، ومساواة تعكس جوهر مسيرته التنموية.