آراء
أخر الأخبار

كيف أصبح الأردن جزءا من معادلة الحل في غزة؟

مع انتهاء اللقاء الأول بين الرئيس ترامب والملك عبدالله، يبدأ الامتحان السياسي الحقيقي للأردن، حيث إن إستراتيجية شراء الوقت مع إدارة جديدة لم يمضِ على وصولها إلى البيت الأبيض سوى أسابيع قليلة قد لا توفر مجالًا واسعًا للمناورة السياسية، مما يجعل التعامل مع توجهات هذه الإدارة الأميركية مهمة معقدة.

وقد سعى الأردن إلى منح نفسه مساحة عبر احتواء الرئيس الأميركي، والعمل على ترسيخ فكرة البديل المقبول عربيًا، وهو ما يتطلب تسريعا لتقديم بدائل عملية يمكن توظيفها في تعديل وجهة نظر ترامب تدريجيًا.

يحتاج الأردن إلى بناء ثلاثة مستويات من التحالفات لإدارة المرحلة المقبلة ولمواجهة خيار تهجير سكان قطاع غزة، الذي طرحه ترامب كحل وحيد.

فعلى الصعيد العربي، يجد الأردن نفسه إلى جانب مصر في مواجهة مباشرة مع هذه الخطة، ما استدعى توحيد المواقف، خاصة أن البلدين يتشاركان مواقف متقاربة في العديد من الملفات منذ سنوات.

ومع ذلك، أصبح توسيع دائرة التحالف العربي ضرورة ملحة، خصوصًا في ظل تعدد أدوات الضغط الأميركي على مصر، مما يستوجب تشكيل تحالف عربي أكثر صلابة، تلعب فيه السعودية دور الارتكاز الأساسي.

ترامب ينظر إلى السعودية كبوابة رئيسة للسلام الإقليمي وشريك اقتصادي محوري، ليس فقط للولايات المتحدة، بل أيضًا لمشروعه الطموح لربط الهند بأوروبا عبر الجزيرة العربية والبحر المتوسط وصولًا إلى إيطاليا.

وهذا يمنح السعودية دورًا حاسمًا في رؤية ترامب، كما أن الجغرافيا الجنوبية للأردن مرتبطة بشكل مباشر بالجغرافيا السعودية ضمن هذا المشروع، مما يعزز المصالح الاقتصادية المشتركة بين البلدين، ويفتح المجال لفكرة التكامل السياسي الذي قد يبدأ بتفاهم أردني-سعودي حول سياسة التهجير المطروحة.

على المستوى الدولي، يمكن للأردن السعي إلى تحشيد دعم لموقفه السياسي، خاصة أن موقفه يحظى بتوافق دولي واسع، إلا أن الأولوية يجب أن تكون لتعزيز التحالف العربي، والإبقاء على قنوات التواصل الفاعلة مع الإدارة الأميركية، حيث إن ذلك أكثر تأثيرًا من مجرد محاولة حشد الدعم الدولي.

أما داخليًا، فإن هذا المستوى يبقى الأهم بلا شك، لا سيما مع تصاعد الشعور الشعبي بحجم التهديدات الإقليمية، وهو ما يتطلب خطوات جدية تمنح الأردنيين شعورًا بمشاركة سياسية أوسع وتنهي الإحساس بالتهميش والإقصاء الذي تشعر به أطياف وفئات متعددة.

التغيير في شكل الخطاب، والأدوات، والرواية، والأسلوب، وتعزيز الشعور الوطني، كلها عوامل ضرورية لتوحيد مختلف الأطياف تحت مظلة الدولة، التي تحتاج إلى أن تتسع للجميع، وتدشن مرحلة جديدة في تاريخ الأردن عبر مشروع وطني شامل.

الحقيقة أن ما يثير الدهشة هو كيف تم إقحام الأردن فجأة في معادلة حل الأزمة المعقدة في غزة، خاصة أن الحديث منذ بداية الحرب كان يتمحور حول مصر باعتبارها الجغرافيا الأكثر ارتباطًا بالقطاع.

إلا أن دخول الأردن المفاجئ في الحسابات الأميركية وضعه في مواجهة خطرين حقيقيين: الأول تهجير سكان قطاع غزة، والثاني تهجير سكان الضفة الغربية، وكأن الضغط لجعل الأردن جزءا من الحل الأميركي لغزة يهدف إلى فرض خيار تهجير سكان الضفة عليه كأمر واقع تفرضه الجغرافيا.

رفض التهجير بشكل قاطع هو الخيار الوحيد في هذه المرحلة، وهو ما يتطلب مرونة سياسية وقدرة على خلق تفاهمات ثنائية مع مختلف الأطراف، مما يعزز الدور الأردني إقليميًا.

فالتحديات المقبلة قد تتشكل نتيجة تصعيد إسرائيلي محتمل على الجبهات المفتوحة، بما فيها الضفة الغربية وغزة، وهو ما قد تستغله الحكومة الإسرائيلية لفرض سياسة الأمر الواقع وإغلاق المجال أمام أي مناورات سياسية.

فالخطر الحقيقي يكمن في أن التصعيد العسكري قد ينقل ملف التهجير من دائرة الطرح السياسي إلى واقع مفروض، تجد جميع الأطراف نفسها مضطرة للتعامل معه كأمر واقع.

https://anbaaexpress.ma/k6jtn

عامر السبايلة

خبير استراتيجي من الأردن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى