ياسين المصلوحي
طفت على السطح مؤخرا بوادر تصدع داخلي مهم بين مكونات الأغلبية الحكومية المغربية، المشكلة من أحزاب التجمع الوطني للأحرار بقيادة عزيز أخنوش رئيس الحكومة، وحزب الأصالة والمعاصرة المسير من لجنة ثلاثية على رأسها فاطمة الزهراء المنصوري، وحزب الاستقلال بزعامة نزار بركة.
هذا التصدع الذي تجلت مؤشراته في الخرجات الإعلامية والتجمعات الجماهيرية للأحزاب ثلاثتها، بدأت مع تصريحات نزار بركة في تجمع خطابي وجه فيه انتقادات لاذعة للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، خصوصا للشباب، منتقدا سياسة الحكومة المخصصة للشباب في مجال التشغيل ومحاربة البطالة، وهو ما يبين محدودية الحكومة ويعكس أزمة اجتماعية تعجز الحكومة عن إيجاد حلول لها، كما أنه لم يخفي طموح الحزب في تصدر الانتخابات التشريعية لسنة 2026.
هذه التصريحات أزعجت باقي مكونات الأغلبية الحكومية، وهو ما تجلى في تصريحات محمد أوجار، القيادي في حزب الأحرار، الذي دعا الحكومة لتحمل مسؤولياتها تجاه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها البلاد، في تبني جلي لدور المعارضة في جلباب الأغلبية.
كما أنه وجه سهام الانتقاد لسياسة التعمير، وهي المهمة التي تتكلف بها الوزيرة المنصوري، قائدة حزب الجرار، الذي لم يفوت أعضاء حزبها على رأسهم المهدي بسعيد، الذي حذر باقي مكونات التحالف من المزايدات، بما معناه أن الحزب يمكنه أيضا محاربة الأحزاب الأخرى، وانتقادها، وتهييج الرأي العام عليها.
هذه التلاسنات انتقل مداها من الساحات السياسية العادية والتجمعات الخطابية إلى باحات المؤسسات الدستورية، بعدما أحرج أحد النواب البرلمانيين عن فريق الأصالة والمعاصرة وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، المنتمي لحزب رئيس الحكومة.
زد على ذلك تصريح النائب البرلماني عن حزب الاستقلال عبد الرحيم بوعيدة داخل قبة البرلمان، على أن النواب البرلمانيين من حقهم انتقاد الوزراء، وأن مجرد انتمائهم للأغلبية لا يجعلهم محاميين مكلفين بالدفاع عن كل وزراء التحالف الحكومي.
كل هذه التطورات على الساحة الحزبية المغربية تعيد تشكيل خارطة سياسية جديدة تم تحيينها بسبب الوصول إلى الثلث الأخير من عمر الولاية الحكومية، حيث بدأت الأحزاب السياسية في إجراء عمليات الإحماء الانتخابي والاستعداد للاستحقاقات التشريعية التي يطمح كل حزب إلى تصدر نتائجها، وهو طموح مشروع بكل تأكيد.
لكن ما يبعث على الشك هو توقيت هذه الخرجات التي لا يزال الوقت مبكرا عليها، ما قد يضيع على المجتمع المغربي ثلث ولاية حكومية ستنشغل مكوناتها على تسجيل النقاط الفردية على حساب العمل الحكومي الموجه لخدمة المواطنين، حيث سيعكف كل حزب على خدمة موقفه ومصلحته، عوض التركيز على العمل الجماعي الذي يحقق أهداف البرنامج الحكومي المتعاقد عليه خلال تنصيب الحكومة أمام البرلمان.
لعل الاستحقاقات الكبرى التي تنتظر حكومة 2026 أو حكومة المونديال، كما تمت تسميتها، والفرص التي ستحظى بها والإمكانيات التي سترصد لها، هي التي أسالت لعاب القوى السياسية التي خرجت كلها أغلبية ومعارضة لتعلن عن نفسها فائزة في سباق الانتخابات المقبلة.
هذا التدافع والتسابق الانتخابي من شأنه أن يؤثر على الحياة السياسية بصفة عامة، حيث كشف الستار عن هشاشة بناء الأغلبية الحكومية التي تبرز علنيا أنها مبنية على تقاطع الرؤى ووحدة الأهداف، إلا أنها تخفي نزعة فردانية. ما يوضح أن تحالف الأغلبية لم يكن استراتيجيا بل تحالفا موضوعيا فقط، رهين بوضع سياسي معين وسياق اجتماعي ساهم في نسجه بين المكونات الثلاث، وبحثا عن التوفر على أغلبية عددية مريحة تمكنهم من تمرير مشاريعهم وبرامجهم بدعم تمثيلي مشروع.
إضافة إلى كون هذا التراشق وتبادل التصريحات ومحاولة التنصل من مسؤولية التسيير الحكومي وتصدير الأزمات من شأنه أن يقلل من منسوب الثقة بين المواطنين والمؤسسات الحزبية، وتعميق الهوة بين الفاعل السياسي وباقي مكونات الشباب، ما قد ينعكس على شكل عزوف سياسي من المشاركة السياسية برمتها، تتمظهر في عدم المشاركة في الانتخابات من الأساس.
يمكن القول إن من حق كل حزب سياسي أن يهدف إلى الحصول على أكبر عدد من الناخبين والتربع على قمة الهرم السياسي وقيادة الحكومة، فهذا هو الأصل في تكوين الأحزاب.
إلا أن توقيت هذه الحملات الانتخابية السابقة لأوانها يضيع على الدولة زمنا سياسيا وتشريعيا مهما، وينحرف بمجهودات الفاعلين السياسيين من تحقيق الأهداف المجتمعية الشاملة إلى البحث عن المصلحة الحزبية، والتسابق لنصب الكمائن والدسائس للخصوم المحتملين، حتى وإن كانوا حاليا في صف تحالفي.
كما أن ذلك يغيب دور الأحزاب في التأطير والتكوين السياسي للأفراد، والمساهمة في نشر الوعي والدعوة للمساهمة والانخراط في الحياة السياسية بصفة عامة، ما يوطد علاقة أفراد المجتمع مع مؤسساته السياسية والخروج من الأدوار النمطية للأحزاب التي تختزل في كونها دكاكين سياسية تنشط في المحطات الانتخابية لتعاود الانغلاق على نفسها، والرجوع لسباتها.
* كاتب مغربي