هشام فرجي
يعد التعدد في الزواج أحد التشريعات الإسلامية التي جاءت بمقاصد سامية لإيجاد حلول متوازنة للإشكالات الاجتماعية.
قراءة معمقة لهذا الموضوع تتطلب فهمًا لجذوره التشريعية، تأثيره الاجتماعي، إشكالياته تطبيقه في ظل الظروف الراهنة.
يهدف هذا المقال إلى استعراض النصوص الشرعية، استقراء الإحصائيات السكانية، وتقديم تحليل شامل لواقع التعدد في المغرب كأنموذج.
1. الأسس الشرعية للتعدد
النصوص الشرعية: يرتكز التعدد على نصوص قرآنية وسنن نبوية تُبرز أهدافه:
الآية المؤسسة: يقول الله تعالى: “فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً…” (النساء: 3).
تُشير الآية إلى مشروعية التعدد مع اشتراط العدل، وهو شرط أساسي لضمان التوازن الأسري.
السنة النبوية: مارس النبي محمد صلى الله عليه وسلم التعدد في الزواج، مع الالتزام التام بالعدل، ليكون نموذجًا عمليًا للتشريع.
مقاصد التعدد في الشريعة:
• تحقيق العدل الاجتماعي: يعالج التفاوت بين الجنسين في بعض الظروف.
• رعاية الأرامل والمطلقات: يقدم لهن الدعم النفسي والاجتماعي.
• تعزيز التكافل الأسري: يُسهم في تقوية الروابط الأسرية الممتدة.
2. قراءة إحصائية: تعداد المغرب 2024
• الفوارق العددية بين الجنسين: تشير الإحصائيات إلى أن عدد النساء يفوق الرجال بنسبة تتراوح بين 4% و7% في الفئة العمرية 30-50 عامًا، ما يؤدي إلى تقليص فرص الزواج المتاحة للنساء.
• ارتفاع نسبة الأرامل والمطلقات: تشكل النساء الأرامل والمطلقات نحو 35% من النساء في الفئات العمرية فوق 40 عامًا، ما يعزز الحاجة لحلول اجتماعية مستدامة كالتعدد.
• تأخر سن الزواج: أظهرت الإحصاءات ارتفاع نسبة النساء غير المتزوجات فوق سن 30 عامًا إلى حوالي 18%، مما يُبرز ضرورة إعادة التفكير في الإشكالات الثقافية والاجتماعية التي تُعيق الزواج.
3. التعدد كحل اجتماعي: بين النظرية والتطبيق
• الجوانب الإيجابية للتعدد:
• دعم الاستقرار الاجتماعي: يُوفر للنساء غير المتزوجات فرصة لحياة أسرية مستقرة.
• موازنة الفجوة العددية: يحد من النتائج المترتبة عن ارتفاع نسبة النساء مقارنة بالرجال.
• تعزيز التكافل الأسري: يدعم الأرامل والمطلقات اقتصاديًا واجتماعيًا.
• الإشكاليات الثقافية والاجتماعية:
• رفض مجتمعي بسبب تغير القيم الاجتماعية.
• إساءة فهم بعض الرجال للتعدد واستغلاله بشكل غير عادل.
• ضعف التوعية بشروط التعدد وأهدافه.
4. نتائج امتناع المجتمع عن التعدد: إشكالات صحية واجتماعية:
• تعدد العلاقات غير الشرعية: يؤدي غياب الإطار الشرعي إلى انتشار العلاقات غير الرسمية، ما يُضعف الأسرة ويزيد القضايا الأخلاقية السلبية استفحالا.
• الأمراض المنقولة جنسيًا: يُسهم تعدد العلاقات غير الشرعية في زيادة انتشار الأمراض، مما يشكل تهديدًا للصحة العامة.
• العزلة والضغوط النفسية: تواجه النساء غير المتزوجات أو الأرامل والمطلقات ضغوطًا اجتماعية كبيرة نتيجة نقص الحلول الشرعية.
دور التعدد في مواجهة الظواهر السلبية:
يحد التعدد، عبر إطاره الشرعي، من انتشار الظواهر السلبية كالعلاقات غير الشرعية، ويُعزز القيم الاجتماعية السليمة.
5. الإطار القانوني والتنظيمي في المغرب )قبل التعديد المرتقب لمدونة الأسرة(
مدونة الأسرة: تفرض إثبات القدرة على الإنفاق والعدل قبل الإذن بالتعدد.
الإجراءات القضائية: تُشترط موافقة الزوجة الأولى لضمان حماية الحقوق الزوجية.
التعدد في ضوء الشريعة الإسلامية يُمثل آلية تشريعية تحقق التوازن الاجتماعي والإنساني. ومع ذلك، فإن التطبيق السليم لهذا التشريع يتطلب وعيًا مجتمعيًا ودعمًا قانونيًا يواكب التحولات الثقافية المعاصرة. هذه القراءة تسعى لتسليط الضوء على الأبعاد المتعددة للتعدد، مع إبراز دوره كحل اجتماعي فعّال إذا طُبق بما يحقق العدالة والمصلحة العامة.
* كاتب مغربي