آراءسياسة
أخر الأخبار

الأردن.. ومهمة إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية

الأردن، بعد عام ونصف من الحرب التي تخوضها إسرائيل في المنطقة، يجد نفسه عملياً أمام نتائج الجبهات المفتوحة..

الجميع انشغل في الحديث عن مشروع “ريفيرا الشرق الأوسط” أو “دبي البحر المتوسط”، وهو مشروع يقترب في صورته من مشاريع التطوير العقاري الساعية لجذب المستثمرين.

صحيح أن من أطلق صيغة المشروع هو الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وليس أي شخص أو رئيس أميركي آخر، المعروف بإصراره على آرائه وسعيه الدائم لفرضها على الجميع. لكن هذا المشروع، الذي لم تتضح معالمه وتفاصيله بعد، لا يتعدى كونه مناقشات لتصور يسقط التعقيدات السياسية والأمنية وحتى اللوجستية. وقد تنتهي نتائجه إلى عدم جدوى التنفيذ إذا لم تُقدَّم حلول حقيقية بدلاً من مجرد شعارات تسويقية.

بعض المعلومات تؤكد أن الرئيس الأميركي جمع معظم الشركات الأميركية الكبرى، التي يعتبرها اليوم ذراعه التنفيذية لترجمة تصوراته.

من شركات الصناعات الدفاعية والطاقة الكبرى إلى التطوير العقاري وشركات الترفيه والفندقة، جميعها دُعيت مؤخراً لتقييم المشروع. وهذا يعني في النهاية أن الحلول المطروحة ذات طابع اقتصادي وليست سياسية.

في حال لم تتحقق الشروط التي تجعل من المشروع ناجحاً، أو تعاظمت المخاطر من احتمالية فشله، سيُنسى تدريجياً، خصوصاً مع ظهور معالم الرفض العربي والإقليمي والدولي.

ومع ذلك، فإن طرح مشروع صعب التنفيذ بهذه الصورة المبسطة قد يهدف فعلاً إلى تهيئة الأرضية لمسألة مختلفة في المرحلة الأولى، وهي دفع عملية التهجير والتفريغ الديموغرافي إلى الجانب العملي، حتى لو كان ضمن أعداد محدودة في البداية.

الأردن، بعد عام ونصف من الحرب التي تخوضها إسرائيل في المنطقة، يجد نفسه عملياً أمام نتائج الجبهات المفتوحة، لا سيما ملف التهجير من غزة والضفة الغربية، والوضع الأمني غير المستقر القادم من سورية، إضافة إلى خطر تداعيات أي تحرك إسرائيلي تجاه العراق وحتى إيران وفي النهاية مستقبل العلاقة الإجبارية وشكلها مع الجانب الإسرائيلي.

الضغط على الأردن بهذه الأوراق أمر متوقع وطبيعي، وتعاظمه قد يكون أكثر احتمالاً. لذلك، يحتاج الأردن اليوم إلى تبني سياسة تتمتع بلياقة سياسية عالية تتعامل بحرفية مع الضغوط، وتستوعب ضمن أطر السياسة الواقعية كيفية إدارة هذه التحديات، خصوصاً تلك القادمة من الولايات المتحدة التي تمر بمرحلة غير مسبوقة وتحتاج إلى تعامل حساس.

مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار أن قوة الأردن الحقيقية تكمن في تحالفاته، والتي يجب الحفاظ عليها وتعزيز أهميته في أعين جميع الأطراف سياسيًا وأمنيًا، وليس فقط جغرافيًا.

الموقف العربي الموحد الرافض لطروحات ترامب بشأن غزة وسكانها قد يشكّل إحدى الأوراق المهمة في المرحلة المقبلة.

لكن في الوقت ذاته، لا بد من تقديم بدائل عملية لإيجاد حلول تدريجية مع تعظيم الفائدة الاقتصادية ضمن الرؤى الجديدة. وهذا يجعل التعويل على الدور السعودي تحديداً بالغ الأهمية، ليس فقط بسبب المرجعية التاريخية لمبادرة السلام العربية، بل أيضًا بسبب النظرة الطموحة التي تتبناها إدارة ترامب تجاه السعودية سياسيًا واقتصاديًا.

لقاء الملك عبدالله الثاني بالرئيس ترامب، مباشرة بعد لقائه مع نتنياهو وقبل لقاء الرئيس المصري، يمثل فرصة مهمة للطرفين الأردني والمصري لبناء “رواية منطقة” حلول الرئيس ترامب المطروحة حالياً والتي يمكن تقديمها في المرحلة المقبلة.

قد لا تكون مساحة المناورة كبيرة نظرًا لتوقيت اللقاء الذي يأتي في بداية عهد ترامب وسعيه للظهور بصورة صانع الحلول. لكن بلا شك، هي فرصة لا يمكن تفويتها، ويجب النجاح فيها ولو جزئيًا.

https://anbaaexpress.ma/mu9y4

عامر السبايلة

خبير استراتيجي من الأردن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى