آراءتمازيغت
أخر الأخبار

هل الهوية المغربية أمازيغية ؟

بين حقيقة السوسيولوجيا وأوهام الإيديولوجيا

موضوع الهوية المغربية إشكالي مُعقّد، و لا يمكن حله بجرة قلم (رصاص) إيديولوجية عابرة (ما يسجل بقلم الرصاص قابل للمحو، و هذه إحالة رمزية على الخطاب الإيديولوجي غير الثابت/القابل للمحو) ! لذلك، يجب ألا نتركها عرضة للتزييف على يد الأفواه التافهة، لأنه ليست هناك أقلام تكتب بل أفواه تهرطق !!

المقاربة السوسيو-إبستملوجية، وحدها، يمكن أن تقارب هذه تلإشكالية المعقدة، و ذلك لأنها مقاربة موضوعية تركز على دراسة التكوين و البنية بشكل يقترب من المنطق الفيزيائي، و هذا ما تم ترسيخه مع رائد الوضعية “كونت A.comte حينما نظّر للسوسيولوجيا كفيزياء للمجتمع.

وضمن هذا السياق، يمكن استحضار مقاربتي عبد الكبير الخطيبي و بول باسكون اللذان استطاعا، عبر تكاملهما العلمي، من ممارسة التحليل الملموس للواقع المغربي الملموس.

من منظور أنثربولوجي انشغل الخطيبي بجينيالوجية الثقافة المغاربية، و المغربية ضمنها، في كتابه Maghreb pluriel المنشور سنة 1983.

و من منظور سوسيولوجي انشغل بول باسكون بأركيولوجية المجتمع المغربي، و ذلك في عدة دراسات أبرز ها:

La nature composite de la société marocaine) Lamalif, no17, décembre,1967) من خلال هاتين المقاربتين العلميتين، تمكن الدرس السوسيو-ابستملوجي المغربي من تجاوز أطروحتين متعارضتين:

الأطروحة التقليدانية: التي كان يتبناها بعض الإيديولوجيين من القوميين المغاربة الذين أخلوا بالتوازن الذي كان سائدا مع الحركة الوطنية، و ذلك من خلال تهميشهم للمكون الأمازيغي في الثقافة المغربية بدعوى أن الثقافة المغربية عربية خالصة، و هذا ما لم يقل به علال الفاسي و لا المختار السوسي و لا عبد الله كنون الذين امتلكوا وعيا وطنيا جامعا لا يميز بين مكونات الهوية الوطنية.

 الأطروحة الكولونيالية: التي ولدت من رحم الدرس السوسيو-تاريخي الكولونيالي، و التي جاء مشروع الظهير البربري ليتوجها و يفرضها كأمر واقع. هذه الأطروحة قسمت الهوية الوطنية المغربية إلى قارتين منفصلتين عن بعضهما، في أفق تقسيم المجتمع المغربي و بعده تقسيم الدولة المغربية.

في أطروحة مونتاني المؤسسة للظهير البربري
les berbères et Le Makhzen dans le sud du Maroc نجد فصلا حاسما ببن الأوليغارشيات القبلية (البربرية) و بين المخزن (العربي)، و العلاقة بينهما تقوم على الصراع، الأوليغارشيات القبلية تمثل البربر (دون إشارة إلى الإسلام) الذين يحتكمون إلى العرف، و المخزن يمثل العرب المسلمين الذين يحتكمون إلى الشريعة، ليستنتج مونتاني (السوسيولوجي ضابط الاستخبارات الفرنسية) و معه السوسيولوجيون الكولونياليون و مشرعو الظهير البربري، أن المغرب ليس دولة واحدة موحدة، بل دولتان منفصلتان و متصارعتان: جمهورية/أوليغارشية البربر، و مملكة العرب/المخزن.

و الدليل القاطع على كون هذه الأطروحة الكولونيالية المتهافتة، هي التي أسست للظهير البربري، في نسخته الثانية 1930، هو تزامن صدور الظهير البربري مع نشر الأطروحة.

و بالإضافة لذلك، ينقل المؤرخون عن ليوطي أنه فكر في تفكيك السلطة المركزية للمخزن إلى سلطتين، فاستدعى لهذه المهمة البعثة السوسيولوجية الشهيرة (بعثة ميشو بلير)، و كان ضمنها ضابط الاستخبارات R.Montagne الذي كلفه ليوطي بالجواب على سؤال: هل هناك سلطة مركزية واحدة/المخزن في المغرب أم سلطات متعددة ؟

فجاء الجواب على شكل كتاب مونتاني الشهير الذي تم ترسيمه على يد سلطات الحماية من خلال الفصل بين العرب و البربر، تشريعيا أولا، في أفق تعميم هذا الفصل سياسيا و اجتماعيا.

هذه الأطروحة الكولونيالية المتهافتة، دحضها سوسيولوجي فرنسي علمي نزيه هو جاك بيرك، قبل أن تسقطها الحركة الوطنية بالضربة القاضية عبر إسقاط مشروع الظهير البربري. ففي أطروحته عن قبائل سكساوة في الأطلس الكبير.. J.Berque, structures sociales du haute Atlas.

خلص الباحث السوسيولوجي إلى كون هذه القبائل البربرية ترتبط بالسلطة المركزية/المخزن ماديا عبر تأدية الضرائب و الخضوع لسلطة الدولة، و روحيا عبر الدعاء للسلطان فوق المنابر.

الواضح، إذن، أن الخطاب الإيديولوجي العرقي الذي يروج لوهم النقاء الجيني و السيوسيو-ثقافي للمغاربة في علاقة بأصل أمازيغي موهوم لا تثبته الدراسات العلمية، سواء الجينية منها أو الأركيولوجية أو الأنثربو-سوسيو-تاريخية، هذا الخطاب العرقي ليس سوى إعادة تدوير Recyclage للأطروحة الكولونيالية، و الدليل على ذلك هو كونه وليد المرحلة الاستعمارية، و خصوصا مرحلة 1914- 1930 تاريخ صدور نسختي الظهير البربري الذي رسم أطروحة السوسيولوجيا الكولونيالية المتهافتة علميا.

https://anbaaexpress.ma/9zvyt

إدريس جنداري

باحث أكاديمي و كاتب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى