أكتب الآن مع مطلع عام 2025 م وقد انقضى أجل النظام الأسدي الطائفي المافيوزي البغيض آية للمتوسمين وبشرى للكوريين العبيد المساكين في جمهورية الخوف والبطالة والجوع. انقضى أجل سوريا القديمة والدور على صديقنا الحلوف بتعبير المغاربة وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون؟
جمهوريات بنفس قافية الحروف ولكن اللعنة واحدة. وحديثنا اليوم عن أحد الجيوب الستالينية المفزعة هي كوريا الشمالية. وهو يقول لكم ماذا يفعل النظام السياسي فهو بمثابة الدماغ فإن صلح الدماغ صلح الجسد. وكما جاء في الحديث ألا أن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله. وعندما خُسفت الأرض بصدام المصدوم كان حزن (كيم يونج II Kim Jong) زعيم كوريا الشمالية كبيرا فقد اختفى لمدة خمسين يوماً عن الأنظار، ثم ظهر على الناس ليقول: إذا كانت أمريكا تظن أننا سوف نتخلى عن أسلحتنا فخطؤها كبير.
وعادة الاختفاء هذه يقلد فيها آلهة الإنكا، أو بتعبير الفيلسوف البليهي (هالة الغموض وسحر الغياب). وفي علم النفس التحليلي يقول (سكينر B.F.Skinner) في كتابه (ما خلف الحرية والكرامة Beyond Freedom and Dignity) الذي ترجمته سلسلة عالم المعرفة إلى (تكنولوجيا السلوك الإنساني)أن هناك (علاقة عكسية بين مقدار التقدير ووضوح الأسباب). وأن مقدار ثنائنا على شخص يدير جهازا معقدا هي من غموض العملية أمامنا فإذا عرفنا سرها تبخرت هالة الشخص.
ويشرح (روبرت غرين) في كتابه (شطرنج القوة) أن علم الدجل يقوم على خمس درجات: ابق الأمر غامضا ـ ركز على البصري والحسي أكثر من الفكري ـ اقتبس طقوس الدين ـ موه مصادر دخلك ـ وأما الخطوة الخامسة فأقم حركية (نحن) ضد (هم). وهو ما اعتمده الطاغية: دمروا الإمبريالية الأمريكية.
وتحت هذا القانون فقد اختفى الرجل مع حداد والده ليس ثلاثة أيام بل ثلاث سنوات، ثم خرج على الناس فقال: إن القائد واحد، والتاريخ رحم ينجب العباقرة مرة واحدة، ثم قام بحركة مسرحية فاستغنى عن رئاسة البلد، وقال هناك قائد واحد (أبدي)، واتخذ لنفسه اسماً متواضعاً (القائد المحبوب).
أما العصابة من حوله فقد سمته الرمز والأمل، والمخلص، وهدية السماء إلى الشعب الكوري، والمهندس الأعظم في كل الأزمنة، والمخرج السينمائي الذي لن يلحقه فنان، والموسيقى الموهوب الأمهر بين كل نوابغ الموسيقى، وأن عنده ملك لا ينبغي لأحد من بعده.
وقريبا من (بيونج يانج) العاصمة أقيم متحف فيه 200 غرفة بأشد إضاءة ممكنة لبلد يحتاج لشمعة، وداخل المتحف صور تعظيم الأب القائد والابن الأمل بـ 49808 قطعة مهداة من 170 دولة مثل بارودة صيد من بوتين، وشماغ من ياسر عرفات، وحقيبة من جلد تمساح من كاسترو، أو دب اصطاده تشاوسسكو بنفسه وحفظه محنطا فأهداه للرفاق، وأما خارج العاصمة حيث يرتفع تمثال الأب بأعلى من ناطحة سحاب فلا شيء يعمل، والشيء الوحيد المتماسك هو الجيش والمخابرات، والشيء الوحيد الذي يصدرونه هو تقنية الصواريخ، وهم قاموا بتبادل فني مع باكستان فأعطوهم الصواريخ، وأخذوا منهم تقنية الوصول للقنبلة النووية، كل ذلك على يد (روبن هود) العصر النووي العالم الباكستاني (عبد القادر خان) الذي زاد مشاكل العالم مشكلة، وأدخل الشرق الأقصى رحلة سباق تسلح.
وقصة الطاغية في كوريا الذي يلوح حاليا بالدمية النووية ترجع إلى عهد ستالين، فقد نصب الشيوعيون والده (كيم سونج الثاني Kim II Sung) على كوريا الشمالية عام 1948 م الذي حكم مثل جنكيزخان وبول بوت لمدة 46 سنة حتى نفق عام 1994م، ثم جعل الحكم الثوري ملكيا، كما هو الحال مع الثوريين العرب الذين جاءوا حفاة عراة فتركوا لأولادهم العروش الملكية بعباءة جمهورية فضفاضة.
وكيم يونج يحب النساء السويديات حصرا بسيقان طويلة، وتحت تصرفه سيارة مرسيدس بقيمة عشرين مليون دولار مما يذكر بعدي وقصي، وينطلق في شوارع (بيونج يانج PJOENGJANG) مع مسدس يتسلى به في إصابات أنوار أعمدة الكهرباء، وأكثر ولعه بأفلام الرعب وجيمس بوند، وعنده وهو الاشتراكي 20 ألف فيلم غربي، وحينما أعجبته الممثلة (شوي اون هوي Choi Un Heu) عام 1978م خطفها من هونج كونج ثم ألحق بها المخرج (شين سانج أوك Shin Sang Ok) حتى تمكن الاثنان من الفرار لاحقاً من جمهورية الجوع.
و(القائد المحبوب) قتل عام 1974م زوجة رئيس كوريا الجنوبية (بارك شونج هي Park Chung Hee) ـ كما في قصة قتل الحريري في لبنان ـ وأكملها بقتل حفنة من الوزراء (الكوريين الجنوبيين) كانوا مجتمعين في رانجون عاصمة بورما عام 1983م، وثلثَّها بقتل 115 بريء على ظهر طائرة كورية جنوبية، كما في قصص قتل جنبلاط ومعوض وحسن خالد والرائع سليم اللوزي رئيس تحرير مجلة الحوادث، الذي جاء إلى جنازة أمه في بيروت فلحق بها بعد أن كسرت المخابرات السورية أصابعه التي بها يكتب، وهو مصير كاد أن يلحقني حينما ذهبت لجنازة والدتي في الأردن ومن نجاني كان جواز سفري الكندي. فلا أمان في غابة العروبة لقط أو طير.
والمشكلة عند (القائد المحبوب) في طوله 160 سنتمتر، ولذا فهو ينوع أشكال روافع الحذاء بأكثر من أحذية النساء بدون فائدة، ويستعين عن قصر القامة بلبس بدلة طويلة؟
ويحكم البلد مثل مافيات المخدرات فيتاجر بكل شيء بما فيها تزوير الدولار فليس من مهنة قذرة ولو كانت قاذورة.
ويبدو أن الطغاة العرب ليسوا النموذج المتفرد في العالم فهناك ما يعزيهم ويغريهم من بقايا جيوب ستالينية في بورما وكوريا الشمالية وكوبا كي يعلنوا البيعة الأبدية لأنفسهم أو تكرارها مثل حبات المسبحة في ثلاث وثلاثين انتخابا، حتى يضطر الشباب أن يصرخوا في المظاهرات كفى، ويلبسون قمصانا كتب عليها “لا لإعادة الانتخاب.. لا لوراثة الحكم”.
بعد أن استعد حسب الله السادس عشر للانتخاب الخامس وهو ليس الوحيد في غابة العروبة. حتى خسف الله به الأرض ولكنه بعث من جديد مثل طير الفينيق فالعسكر فيها روح أوزيس وازيريس الفرعونية.
ثم حدث الحدث الجلل فاحتشدت كل طاقة كوريا الشمالية من أجل حدث جلل وكان يومها الاحتفال بمولد كيم يونج الثالث بعد الستين (63)، وجاءت التعليمات خاصة للنساء أن لا يزيد طول شعر الواحدة منهن عن 7 سبعة سنتمتر.
وقبل هذا في مطلع فبراير عام 2005م أعلن القائد المحبوب أن كوريا الشمالية أصبحت دولة عظمى فقد امتلكت السلاح النووي؟ وهو صنم لا يضر. أو بتعبير (فؤاد زكريا) في كتابه (خطاب إلى العقل العربي) إنها أسلحة ميتة مميتة ليست للاستخدام ولكن لماذا ينتجوها؟
والدول المعروفة حتى اليوم والتي تملك السلاح النووي هي ثمانية وتملك ما تدمر الكرة الأرضية وتفني البشر عدة مرات، وإفناء البشر مرة واحدة كافي، فـ (أمريكا) عندها من المخزون النووي (10656) رأساً نووياً، محمول على 116 نوع من القاذفات من عمق الأرض (السيلو) أو من بطن الحوت (الغواصات) مقابل (روسيا 10000) و(الصين 402) و(فرنسا 348) وإسرائيل (أكثر من 200 رأسا) ومن أجيال ثلاثة وما أدراك ما الأجيال الثلاثة؟ وبريطانيا العظمى (185) وباكستان (30 ـ 50) والهند (30 ـ 40).
والآن تنضم كوريا الشمالية إلى نادي الأشرار النووي ببضع قنابل قابلة للزيادة، بعد أن أعلنت انسحابها من اتفاقيات الحد من انتشار الأسلحة النووية، وضحكت على أمريكا وأوربا والعالم، وحصدت مليارات الدولارات وهي تهيئ في الخفاء ليوم الفصل العظيم.
ثم لوحت بصاروخ (رودونج ـ واحد Rodong I) طار فوق رؤوس اليابانيين يئز أزا، وعدواتهم مع اليابانيين قديمة وشديدة، وكيم سونج الوالد قاد حرب التحرير في الحرب العالمية الثانية ضد اليابانيين تحت تدريب وأموال وتوجيه ستالين، حيث ولد هناك (كيم يونج) في معسكر روسي للتدريب في منطقة نائية في (شاباروفسك Chabarowsk) ثم فقد والدته عام 1949م ليصبح تحت وصية زوجة والده (آي Ae)، وكلمة آي هي الوجع في اللغة العربية وكذلك كانت هي له عدوا وحزنا، فقد حاولت أن تدفع بابنها لتسلم العرش بعد موت سونج الثاني، ولكن (كيم يونج) استطاع عام 1974م بشراسة ودهاء أن ينتزع العرش لنفسه، ثم يتولى قيادة المخابرات، ومن حكم المخابرات في عالم المافيات الاشتراكي حكم البلد، كما هو الحال في جمهوريات الخوف والبطالة عند العربان.
وقبل ذلك بسنتين عام 1972 قام بحذف تعريف كلمة (الحكم الوراثي) في القاموس الكوري الذي نص على أنه “نظام رجعي نهاب” وهكذا كسب القاموس كلمة وخسر الواقع حقيقة.
وغلطة أمريكا مع بقايا الطغاة في العالم أنها بدأت في الحلقة الضعيفة من السلسلة حيث ألقت القبض على صدام مثل الجرذ في مجرور تحت أرضي، وتلوح أنها تريد التخلص من إيران وربي أعلم بما يدور في الخفاء فهو يعلم السر وأخفى.
والأهم كما يقول الكاتب الأمريكي (بوب وود وارد Bob Woodward) في كتابه المعنون (خطة الهجوم Plan of Attack) أن التخلص من أخطر الديكتاتوريين في كوريا الشمالية كان يجب أن يتصدر القائمة، وأمريكا تعلم علم اليقين رحلته في الوصول إلى السلاح النووي، من خلال عملاء ألمان (كما ذكر ذلك التقرير التفصيلي في مجلة الشبيجل الألمانية ـ عدد 7 2005م ) (جوتهارد ليرش Gotthard Lerch) والأخوة تينر وجيرهارد فيسر وجايجز بالإضافة إلى رئيس مؤسسة تراديفين المدعو ماير) الذين حاولوا توصيل تقنية فصل غازات اليورانيوم على ظهر الباخرة (BBC China) إلى القذافي مع طنين من اليورانيوم ولكن الأخير تحت الخوف من أمريكا فتح بلده وحافظ على عرشه (مؤقتاً)، وسلم البضاعة لأمريكا فرست في مفاعل (أواك ريدج) النووي الأمريكي كما في قصة غواصة هتلر 234، فقد أرسل هتلر في أبريل 1945م بعد أن تيقن من الهزيمة واستعد للانتحار غواصة محملة بآخر وأهم تقنيات الحرب مع أول طيارة نفاثة قابلة للتركيب، مع أكثر من 500 كغ من اليورانيوم الجاهز للاستعمال فأصبح من غنائم الحرب للأمريكيين واستعمل اليورانيوم لضرب اليابان بدلا من نجدتها؟
والديكتاتور الكوري القصير كما هو الحال مع ملالي إيران يظنون أن السلاح النووي يقي الدول الاستبدادية من السقوط ولو عمرت على الظلم وأشلاء المعذبين.
ولكن انهيار الدول يأتي من الداخل، وعندما انهارت دولة أشور لم ينقصها عتاد أو تقنية. والاتحاد السوفيتي انهار بدون هجوم خارجي، وهو يملك أسلحة تدمير الكون مرات، وبأقوى من كوريا القزم بعشرة آلاف مرة.
ومشكلة الطغاة في كل مكان هي واحدة فقد سئل القذافي قبل أن يقذف بشواظ من نار عن معنى الديموقراطية فقال إنها كلمة أصلها عربي (ديموكراسي) أي الديمومة على الكراسي. والمسخوط الآن في محكمة العدالة الالهية فلا ينتصران.