الحسن لحويدك
يخلد الشعب المغربي، الذكرى 81 لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال (11 يناير 1944)، وهي ذكرى غالية علينا جميعا، لكونها واحدة من أهم المناسبات الوطنية الخالدة، بٱعتبارها محطة نضالية مفصلية حاسمة، ومنعطفا سياسيا في لحظة تاريخية بارزة ضمن ملحمة النضال الوطني، الذي خاضه الشعب المغربي بقيادة العرش العلوي المجيد في سبيل الحرية.
يحق للمغاربة أن يعتزوا بحدث تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، وما يتضمنه من دلالات و مغازي، لأنه مفخرة للأجيال الصاعدة و اللاحقة، ومن تم التزود واستلهام مبادئ و قيم البعد الوطني لهذه الوثيقة، بما يشحذ العزائم و الهمم لصد مناورات و استفزازات كل من سولت له نفسه التربص والتآمر على الوحدة الترابية و الوطنية للأمة المغربية الضاربة جذورها في أعماق التاريخ.
لذلك، تعتبر وثيقة المطالبة بالاستقلال حدثا عظيما لما شكلته من تحول حاسم في سجل الحركة الوطنية، صيانة للوحدة الترابية والسيادة الوطنية من أجل تحقيق الحرية والاستقلال من قبضة القوات الاستعمارية.
إن المغاربة معروفون و مشهود لهم بتضامنهم المستميت وصمودهم الدائم وتعبئتهم الوطنية الشاملة، في كل وقت وحين، دفاعا عن المكتسبات والثوابت، و تحقيقا لاهداف التنمية المستدامة والشاملة كما هي متواصلة، اليوم، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، الذي ما فتئ مند توليه العرش يسخر كل طاقاته وطنيا ودوليا من أجل تقدم وازدهار وإشعاع المغرب ليواكب تحديات ورهانات العصر.
وفي هذا السياق، واستلهاما لروح هذه الذكرى الوطنية، لابد من تقوية الجبهة الداخلية وتحصينها عبر المضي قدما في الإصلاحات الضرورية، وإحقاق العدالة الاجتماعية، وتفعيل دور نخب القوى الحية و رجالات الفكر و الإعلام، وإشراك المجتمع المدني، الذي ٱعتبره الدستور المغربي قوة ٱقتراحية و شريك ٱستراتيجي في بناء الصرح التنموي المحلي، إشراكه كطاقة فاعلة لمواكبة كسب الرهانات و تجاوز هذه التحديات و تحقيق المكاسب و الانتصارات في شتى مناحي الحياة.
إن مناسبة هذه الذكرى المجيدة الخالدة التي لها رمزيتها التاريخية ومعانيها الجليلة، و التي تعبر عن الارتباط الوثيق والالتحام المتين بين العرش والشعب، من أجل مقاومة الاحتلال حتى تحقق الاستقلال، تقتضي، أكثر من أي وقت مضى، وقفة تأملية حين ٱستحضارها و الحرص الشديد على استلهام مبادئها في إطار من التعبئة الجماعية الشاملة والمواطنة المسؤولة الصالحة لتحصين المكاسب المحققة ومواجهة التحديات المطروحة، وفق استراتيجية محكمة تستشرف المستقبل المشرق لمواجهة رهانات المرحلة القادمة، وفي مقدمتها تحصين مكتسبات قضية الوحدة الترابية و تعزيز سبل تحقيق الانتظارات الاجتماعية.
ففي قضية الصحراء المغربية التي نتطلع هذه السنة لحسمها، إن شاء الله، تعددت المكتسبات التنموية، وتراكمت الانتصارات الدبلوماسية التي حققتها المملكة من أجل الطي النهائي للنزاع الإقليمي المفتعل حول مغربية الصحراء.
و تحقيق هذا الرهان، ٱستلهاما لمضامين الخطاب الملكي السامي التاريخي في افتتاح البرلمان، يتطلب الانتقال في التعامل مع القضية الوطنية الأولى من مرحلة التدبير إلى التغيير، و من رد الفعل إلى اخذ المبادرة بحزم و يقظة واستباقية، وفق خريطة طريق ممنهجة في إطار من التعبئة الوطنية الشاملة.
و لتحقيق هذا الهدف المتوخى و المنشود، ينبغي من الدبلوماسية الرسمية و الموازية، بكل مشاربها، أن تتعبأ بتضافر جهودها الجماعية، من اجل الترافع عن مغربية الصحراء، و التعريف بالمقترح المغربي الجاد و الواقعي و ذي المصداقية للحكم الذاتي، تحت السيادة الوطنية المغربية، بغية تحقيق تسوية نهائية لهذا الخلاف الإقليمي المفتعل الذي وضع اعداء الوحدة الترابية في عزلة دولية، خاصة النظام الجزائري الجائر الذي يعاكس وحدتنا الترابية.
ففي الوقت الذي اعترفت فيه فرنسا إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية وإسبانيا و عدد من الدول الوازنة رسميا بمغربية الصحراء، والإجماع الدولي الذي يعزز مشروعية وعدالة المغرب في صحرائه، عرفت الأقاليم الجنوبية للمملكة، في إطار النموذج التنموي الخاص بها طفرات تنموية هائلة في شتى المجالات وعلى مختلف الأصعدة، فضلا عن إقامة عدد من القنصليات بها في حاضرتي العيون و الداخلة، وهي مواقف دالة على اعتراف هذه الدول بمغربية الصحراء.
وعلى الصعيد الوطني، تتطلب الرهانات الاجتماعية، الانكباب الفعلي المسؤول لتحقيق المشاريع الرامية لمواجهة متطلبات تحديات العيش الكريم لجميع المواطنين، وتحسين أوضاعهم.
غير أن هذا الطموح، يتطلب تحقيق العدالة الاجتماعية التي هي الشرط الأساسي للتنمية الشاملة في إطار الالتقائية بين دور السياسات العمومية في جميع المجالات، خاصة بالنسبة لفئة الشباب التي هي الركيزة الأساسية لكل إقلاع اقتصادي او تنموي.
* رئيس جمعية الوحدة الترابية بجهة الداخلة وادي الذهب