آراءمجتمع
أخر الأخبار

معضلة الجزائر.. ومحاولات التموقع على حساب الجيران!

ما الذي تغير حتى كشر القادة الجزائريون عن أنيابهم لتقويض جهود المغرب في استكمال وحدته الترابية وتحقيق رفاه شعبه وسعيه إلى نشر قيم السلام والأمن في العالم؟

كيف يمكن تقبل مد الأيادي للمساعدة والاندماج وتسوية الخلافات مقابل المزيد من إذكاء الحرائق في غابة مشتعلة؟ لا سيما وأن إشعال النيران ضرورة وليست من الكماليات حتى في ظروف الطقس السيء!

في كل مرة ينتابنا شعور باليأس من تواتر أفعال حكام دولة لا ترى من عمل يجب القيام به بدءا من ساعات الصباح الباكر حتى وقت متأخر من الليل، سوى البحث عن كيفيات وخطط لتعطيل عمل حكام دولة جارة لا ترى في عملية الإلهاء تلك، غير رقصة لديك مذبوح!

منذ عقود تولى حكام الجزائر تنشيط نقاشات مجتمعية لاستنهاض همم مواطنيهم وإخواننا للإنخراط في حرب حتمية مع جار لم يأل جهدا للدفاع عن جيرانه في أحلك الظروف، حينما كان الجزائريون في حاجة ماسة لمن يساهم بكلمة في حقهم من شدة القهر الاستعماري الغاشم لأرضهم، حينها رفض الملك محمد الخامس تسوية المشكلة الحدودية مع المستعمر على حساب إخوانه في جبهة التحرير الوطني، لكيلا ينقسم ظهر الثورة الجزائرية، مساهمة من المغرب في دعم نضالات المقاومة الجزائرية لتحرير الأرض والعرض!

ما الذي تغير حتى كشر القادة الجزائريون عن أنيابهم لتقويض جهود المغرب في استكمال وحدته الترابية وتحقيق رفاه شعبه وسعيه إلى نشر قيم السلام والأمن في العالم؟

ابتدأت الحرب بين المغرب والجزائر في معركة غير متكافئة العدد والعدة، حيث أحجمت المملكة المغربية عن استغلال ضعف جارتها، وقطع الطريق على حكومة فرنسا للانقضاض على ما تبقى من أرض الجزائر، غير وعود الثوار ببناء تفاهمات معقولة مع إخوانهم المغاربة لم تكن صادقة، لأن التعهد للصديق بالوفاء أشرف من التشدق بحيازة أراضي مغتصبة سيتم استرجاعها لا محالة.

ورغم انتهاء الحرب بين الاخوة الاشقاء، إلا أن الرغبة في الانتقام وانتشار الخطابات المشحونة لتهييج الجماهير ضد إخوانهم المغاربة، أصبحت سلوب حياة، لا يتمكن السياسيون من الوصول الى غايتهم إلا بكيل السباب ولإخوانهم المغاربة.

ومن المفارقات أن الشعب الجزائري ما زال منشغلا بطرح السؤال حول الأسباب الحقيقية الكامنة وراء حالة الاستعداء ضد المملكة المغربية رغم ما تبذله من جهود للتكامل والاستقرار والسلم والأمن إقليميا ودوليا، ومحاولة تناسيها أعطاب الماضي والتنكر لتضحيات شعبها وقادته.

إن ما وصلت إليه الجزائر من انحدار الخطاب والممارسة السياسية يجعلنا ندق ناقوس الخطر حول مصير الدولة ومقدرتها وحقوق الناس واوضاعهم وكرامتهم، لأن هرم النظام السياسي لا يفرق بين قواعد اللياقة والتعامل الدبلوماسي والتعاطي مع لصوص سوق شعبي، بل وفي أحايين كثيرة يخلق الحدث ليس بسبب ما تضمنته “خطاباته السياسية”، بقدر ما يلفت النظر لوضاعة مستوى الخطاب السياسي وحجم السباب الموجه تارة للمملكة المغربية وتارة أخرى لأشخاص بعينهم، لا لجرم ارتكبوه سوى إسماع صوتهم بخصوص قضايا تاريخية، شكل المغرب أحد محاورها الرئيسية.

إن هذا التنازل الانهزامي عن الدبلوماسية كمنهج لحل الخلافات وإرساء علاقات تعاون طبيعي بين الدول، ينبأ بكارثة في المستقبل القريب ستصيب في المقام الشعب الجزائري الذي عانى منذ عقود من انتشار مرض سلطة العسكر وبسط نفوذه على كافة مفاصل الدولة، حتى لا تكاد تعثر على مصلحة او إدارة غير مرتبطة بفروع المخابرات العسكرية، غير أن ارتداداتها يمكن أن تصل دول المنطقة لهول ما يمكن أن يقع.

يكرر الرئيس الجزائري إرادة بلاده على فرض احترام تطبيق تقرير المصير على أرض لم تكن قط جزائرية، ولم يكترث نظامه قط لوضع سكانها، بالقدر الذي أسال تموقعها الجغرافي الأطلسي لعاب سابقيه لاقتطاع بقعة أرضية تؤمن له منفذا على العالم لتهريب خيرات بلاده واقتسام الكعكة بين أفراد القيادة دون ان يثير غضب الشعب المقهور!

ولعل مسايرة مسؤولي البوليساريو لقادة المرادية في كل مواقفها بخصوص نزاع الصحراء، دليل على أن مشروع مخيمات تندوف، لا يعدو كونه وسيلة لإحراج المغرب كلما استطاع تجاوز الصعاب وإحراز تقدمات في مجالات السياسة والاقتصاد والاجتماع والمصالحة الوطنية لبناء دولة متقدمة تستند لحكم القانون.

فمن لم يستطع مسؤولو التنظيم تغيير موقفهم الرافض لأي مبادرة سياسية واقعية لإنهاء صراع دام خمسة عقود، تجرع الصحراويين على إثره الكثير من الماسي والويلات بفعل أساليب صقور الرابوني وترويجهم لاستقلال الإقليم الذي لم يعد خيارا مطروحا منذ تقديم المملكة المغربية لمخطط الحكم الذاتي في العام 2007 والقاضي بتمتيع الصحراويين بسلطات واسعة من أجل إدارة شؤونهم بأنفسهم، غير أنهم لم ينبسوا ببنت شفة حينما قدم الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة مذكرة للأمريكيين بمقتضاها يرغب الطرف الجزائري تقسيم إقليم الصحراء بين المغرب والبوليساريو، ليتسنى للعسكر وضع اليد على إقليم الداخلة.

كل هذه الشطحات وغيرها من السلوكات المفضوحة لسياسيين وإعلاميين ومحسوبين على منظمات المجتمع المدني، والتي ترنو في مجملها إظهار المغرب بالطرف الضعيف والمنتهك لحقوق الإنسان على كامل ترابه الوطني بما يشمل الأقاليم الجنوبية الصحراوية، وهو أمر عصي على التصديق لأسباب موضوعية تتلخص في ريادة المملكة المغربية الحقوقية وانفتاحها الواسع في إطار ممارستها الاتفاقية على اليات الأمم المتحدة الدولية لحماية حقوق الإنسان، وفتح المجال أمام كل جهة حقوقية جادة تبحث عن فرصة رصد وتوثيق لما يقع في الإقليم.

هل الطمع في لعب دور إقليمي في شمال إفريقيا يدفع بالضرورة صاحبه الى معاداة جاره رغبة في التموقع؟
الظاهر أن كل مخططات الساسة الجزائريين الحاليين تنبني على العداء للمغرب، كجسر لحشد الإجماع الوطني المبرر لأوجه صرف لثروات البلد، وبذلك يصبح العداء للجيران خيارا لا بد منه لتحقيق “المصالح العليا للوطن”، وفي هذه الحالة، يمكننا الجزم أن أكبر خاسر في المعركة هي مكونات الشعب والقوى الحية الجزائرية.

إن هذه الخرجات والانفعالات المتكررة لساسة الجزائر، تشي بأن الوضع الداخلي خطير، ولذلك يلجؤون الى تخويف الرأي العام بأن حدثا جللا محتمل الوقوع، وبأن الخطر ات من الجوار، وأن من مصلحته تأجيل الحديث عن الديمقراطية وحقوق الانسان وسيادة القانون وفتح صفحة الماضي الأسود والسماح بسمو سياسة الإفلات من العقاب وإدارة الدولة بمنطق المزاد العلني.

إن ما تشهده منعرجات السياسة بالجار الجنوبي، يجسد ترنح الجهات السياسية الحكمة وأذرعها الأمنية والاستخباراتية، في رقصة ديك مذبوح، لا مناص من سقوطه بشكل مدو، متأثرا بجراحه، في الوقت الذي يعتقد لا يرى فيه بشاعة ما يرتكبه من انتهاكات جسيمة سواء في حق مواطنيه أو ضد جيران الجزائر.

فمحاولات إيقاع المغرب في المحذور والانحدار السياسي والتدخل في الشؤون الداخلية لليبيا ومالي واختلاق توترات مع الحكومات الاسبانية والفرنسية بسبب مواقفهما من النزاع حول الصحراء، وسعي الجزائر الى مقايضة موقفهما بدبلوماسية الغاز المقترن بعار قتل الأبرياء وقصف المدنيين واحتجاز الالاف في صحراء اللاحياة، في وقت ظلت تدفئ شتاء باريس لعقود خلت محاباة لقصر الإليزيه ورغبة في صمت الفرنسيين على نهب ثروات الجزائريين التي تنفق على ليال جنيرالات المرادية الماجنة!

ولعل هرولة حكام المرادية الى نهج أساليب القذف والسب والوصم في حق المغاربة عبر شراء الالاف المغردين بوسائل التواصل الاجتماعي التابعة لأذرعها الإعلامية، ومحاولات إلصاق تهم التصهين بدبلوماسية المغرب وإبقاء الدفاع عن القضية الفلسطينية حكرا على الجنيرالات، في حين لم نشهد ترخيصا واحدا لتنظيم مظاهرات مؤيدة لنضالات الشعب الفلسطيني في الدفاع عن أرضه، ولا سيما التنديد بما يقع من مجازر وحشية وإبادات جماعية ضد أهل غزة!

وعلى هذا الأساس، فإن ساسة الجزائر، كلما أحسوا بالانتشاء بالفوز على المغاربة في مرحلة، إلا وتبرموا بعد ذلك بسبب خطأ في التخطيط والتنفيذ، ولعل استدامة الحرب على المغرب بأسلحة فوق وتحت الحزام، لن يفيد في الإضرار بمصالحها، لأن تراكم الخطأ في التقدير حول حجم وتاريخ وقوة المغرب، يجعل المرء يعتقد أن حال قادة المرادية سيء ويكشف عن اللحظات الأخيرة من الاحتضار، الذي تظنه دولة الجزائر إعادة للاعتبار، في الوقت الذي لا يعدو شطحات ما قبل النهاية المؤلمة.

https://anbaaexpress.ma/pcfyy

عبد الوهاب الكاين

رئيس منظمة أفريكا ووتش Africa Watch كاتب صحفي وباحث في حقوق الإنسان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى