لقد أعادت وفاة جيمي كارتر يوم أمس الأحد في منزله في بلينز بولاية جورجيا عن عمر يناهز مائة عام إلى الأذهان حلقات دبلوماسية حاسمة خلال ولايته، مثل تلك المتعلقة بوضع سبتة ومليلية (المحتلتين) حسب تقرير إسباني صادر اليوم الاثنين 30 دجنبر 2024.
ولعب الرئيس الأميركي السابق، الحائز على جائزة نوبل للسلام عام 2002، دوراً رئيسياً في السياق الدولي، بما في ذلك القضايا الحساسة مثل مستقبل المدن المتمعتة بالحكم الذاتي التابعة للتاج الإسباني.
في عام 1979، وخلال فترة من النشاط الدبلوماسي المكثف، أرسل كارتر السيناتور إد موسكي إلى أوروبا لمعالجة التحديات الجيوسياسية الرئيسية.
وقد عقد أحد أهم اللقاءات في قصر زارزويلا مع الملك خوان كارلوس الأول، الذي أثار إمكانية التنازل عن مليلية للمغرب وإقامة محمية دولية في سبتة، على غرار النموذج الذي كانت عليه طنجة بين عامي 1923 و1956.
حول نقل مليلية للمغرب وإقامة محمية دولية في سبتة
وبحسب برقية من السفارة الأميركية في مدريد، رفعت عنها السرية في عام 2014، أعرب الملك عن اعتقاده بأن نقل مليلية، التي كان يسكنها آنذاك 10 آلاف إسباني، يمكن أن يتم دون تعقيدات كبيرة، رغم أنه توقع احتجاجا وجيزاً من جانب السلطات الإسبانية خاصة الجيش.
ولكنه يعتقد أن سبتة، التي يسكنها 60 ألف إسباني، تتطلب نهجا مختلفا، مقترحا منحها وضعا دوليا كحل لتجنب الصراعات مع المغرب والخوف من تكرار “المسيرة الخضراء”.
وحافظ كارتر، الذي واجه تحديات مثل أزمة الرهائن في إيران ومعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل خلال فترة رئاسته، على علاقة ثقة مع إسبانيا، وهي دولة كانت تمر آنذاك بمرحلة انتقالية ديمقراطية بعد حقبة فرانكو.
يوضح هذا الحوار بين كارتر وخوان كارلوس الأول تأثير الرئيس السابق على السياسة العالمية وقدرته على التوسط في القضايا ذات الحساسية الجيوسياسية العالية.
العلاقات بين إسبانيا والمغرب.. توترات تاريخية وإستراتيجية
وتسلط المحادثة، التي وصفت بأنها “صريحة ومنفتحة”، الضوء على تعقيد العلاقات بين إسبانيا والمغرب، والتي تتسم بالتوترات التاريخية والاستراتيجية.
ورغم أن هذه المقترحات لم تتحقق على أرض الواقع، فإنها تسلط الضوء على التحديات المتمثلة في الحفاظ على الاستقرار في شمال أفريقيا وفي نقاط رئيسية مثل مضيق جبل طارق.
إن إرث كارتر، إلى جانب إنجازاته في مجال حقوق الإنسان والدبلوماسية، يشمل دوره في هذه الحوارات التي تعكس أهمية المدينتين المتمتعتين بالحكم الذاتي سبتة ومليلية.
إن وفاته لا تمثل نهاية عصر فحسب، بل إنها تدعونا أيضاً إلى التأمل في تأثيره على الصراعات التي لا تزال تتردد أصداؤها حتى يومنا هذا وفق ذات التقرير.
عندما رفض كارتر تزويد المغرب بالسلاح
للإشارة، فإن كتاب “مذكرات البيت الأبيض”، للرئيس الأمريكي الأسبق، جيمي كارتر، كشفت أن “المغرب كان ممنوعا من استعمال الأسلحة الأمريكية، خارج الحدود المعترف بها من طرف أمريكا.
بمعنى أنه كان ممنوع عليه استعمالها في الصحراء المغربية، في الوقت الذي كان في أمس الحاجة لها، وهو يواجه أعداء الوحدة الوطنية”..
وكشفت بعض الوثائق التي رفعت عنها السرية، والتي تقول إحداها إنه في أواخر السبعينات أرسل الملك الحسن الثاني عددا من الدبلوماسيين المغاربة إلى واشنطن، من أجل إقناع الرئيس الأمريكي جيمي كارتر ببيع طائرات ومروحيات “كوبرا” إلى القوات المسلحة الملكية المغربية، ورغم الجهود والمحاولات المغربية لإقناع الطرف الأمريكي بالصفقة، إلا أن جيمي كارتر رفض الطلب المغربي.
وتضيف الوثائق نفسها التي كشفت عنها وزارة الخارجية الأمريكية، أن تاريخ العلاقات الدبلوماسية بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية لم يكن على ما يرام دائما، وخاصة خلال الفترة الممتدة بين سنتي 1977 و1981، وعلى الرغم من الرفض الأمريكي، فقد حاول دبلوماسيون مغاربة في مناسبات عدة إقناع صناع القرار في البيت الأبيض بالعدول عن قرارهم، مقدمين العديد من الحجج، كمواجهة توسع الاتحاد السوفياتي في شمال إفريقيا، والمساعدة في الحفاظ على السلم في شمال إفريقيا.
وهكذا تناوب كل من أحمد بوستة، وزير الخارجية المغربي وقتها، وعلي بن جلون، السفير المغربي لدى واشنطن، على محاولة إقناع الأمريكيين بإبرام الصفقة مع المغرب.
كما سمح لوزير الخارجية المغربي بلقاء “والتر مونديل” نائب الرئيس الأمريكي، لمدة 30 دقيقة، لكنه فشل في إقناعه.
وخلال لقاءاتهم مع المسؤولين المغاربة، أصر الأمريكيون على التزامهم باحترام اتفاق التعاون العسكري المبرم مع المملكة في سنة 1960 بشكل صارم، وهو الاتفاق الذي لا يسري على منطقة الصحراء المغربية.
يؤكد الحسن الثاني، أنه قام بزيارة رسمية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، قبل انطلاق مفاوضات كامب ديفيد بأيام قليلة.
وبعد تناول العشاء بالبيت الأبيض مع كارتر، تطرقا إلى القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي يقول الملك: “قال لي الرئيس كارتر، وكنت مقتنعا أنه سيفي بوعده لو سلمتموني غدا اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بالقرارين 242 و383، فإنني لن أترككم تغادرون الولايات المتحدة، قبل أن أستقبل عند مدخل البيت الأبيض القادة الفلسطينيين، غير أنه كان يتعين الانتظار بضع سنين لكي يعترف الفلسطينيون بالقرارين”.