طه رياضي
في ضوء الأحداث الأخيرة المتعلقة بصفقة تحلية مياه البحر في الدار البيضاء، والتي فازت بها شركة تابعة لرئيس الحكومة، تبرز قضية استغلال السلطة وتضارب المصالح كأحد التحديات الكبرى التي تواجه النظام الديمقراطي في المغرب.
هذه الواقعة تثير تساؤلات جوهرية حول مدى احترام المؤسسات والدستور، وحول مصداقية الالتزام بالمبادئ الديمقراطية.
منذ توليه منصب رئيس الحكومة، كان من المتوقع أن يكرس المسؤول الأول في الدولة جهوده لخدمة الشعب ومصالحه العامة، بعيداً عن الشبهات.
غير أن هذه الواقعة تكشف عن استغلال المنصب العام لتحقيق مكاسب شخصية ضخمة، مما يثير الشكوك حول نزاهة الإجراءات وشفافية العملية، خاصة في ظل غياب منافسة عادلة واستغلال النفوذ.
في البلدان التي تحترم مؤسساتها ودساتيرها، كان من المفترض أن تواجه هذه الواقعة إجراءات صارمة، بما في ذلك سحب الثقة عن رئيس الحكومة وفتح تحقيق شفاف في القضية.
استغلال السلطة لتحقيق مكاسب شخصية ليس فقط خرقاً دستورياً، بل هو طعنة في ظهر الديمقراطية التي تنادي بالمساواة والعدالة.
مثل هذه الحالات تقوض الثقة العامة في المؤسسات وتشجع ثقافة الفساد واللامبالاة بالقوانين.
ينص الفصل 33 من الدستور المغربي على ما يلي: “على السلطات العمومية اتخاذ التدابير الملائمة لتحقيق توسيع وتعميم مشاركة الشباب في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية للبلاد.
وتيسير ولوج الشباب للثقافة والعلم والتكنولوجيا والفن والرياضة والأنشطة الترفيهية، مع توفير الظروف المواتية لتفتق طاقاتهم الخلاقة والإبداعية في كل هذه المجالات”.
الموقف يتطلب وقفة صارمة من قبل القوى السياسية والمجتمع المدني، للضغط من أجل تحقيق شفاف ومستقل يجب التحقيق في هذه الصفقة للكشف عن أي تجاوزات محتملة وإعلان النتائج بشفافية.
تفعيل الآليات الدستورية: في حالة إثبات وجود تجاوزات، يجب تطبيق الدستور بحزم، بما في ذلك سحب الثقة من رئيس الحكومة.
إصلاحات قانونية: ضرورة مراجعة القوانين لضمان منع حالات التنافي وتضارب المصالح، مع فرض عقوبات صارمة على المخالفين.
تعزيز الرقابة الشعبية والإعلامية: تكثيف دور الإعلام والمجتمع المدني في كشف حالات الفساد والضغط لتحقيق العدالة.
ما حدث في صفقة تحلية مياه الدار البيضاء ليس مجرد خرق دستوري، بل هو مؤشر على أزمة أخلاقية وسياسية أعمق. استمرار التغاضي عن مثل هذه الحالات يهدد بإفراغ الديمقراطية من مضمونها، ويؤسس لثقافة الإفلات من العقاب.
إذا أردنا بناء دولة تحترم مؤسساتها وتعمل لصالح جميع مواطنيها، فيجب أن تكون مثل هذه القضايا نقطة انطلاق لإصلاحات جذرية، وإلا فإن الثقة في النظام ستبقى على المحك.