آراءسياسة
أخر الأخبار

سوريا.. أمل وسط الأنقاض

يواجه السوريون تحديات هائلة تتعلق بإعادة بناء دولة مدمرة، وإرساء دعائم الاستقرار، وتحقيق المصالحة الوطنية في مجتمع منقسم بشدة..

نور الهدى العويطي

شهدت سوريا خلال العقد الأخير واحدة من أعقد الأزمات الإنسانية والسياسية خلال هذا العصر، حيث انطلقت الاحتجاجات الشعبية السلمية في عام 2011 بمطالب تتعلق بالحرية والكرامة، في سياق موجة الربيع العربي التي اجتاحت المنطقة.

كانت هذه الاحتجاجات تعبيرًا عن تطلعات الشعب السوري لإنهاء عقود من القمع والاستبداد وتحقيق العدالة الاجتماعية. ومع ذلك، واجه النظام السوري هذه المطالب بالعنف والقمع الدموي، ما أدى إلى تصاعد الأوضاع وتحولها إلى نزاع مسلح مدمر شمل أطرافًا محلية ودولية.

هذا النزاع، الذي إستمر لسنوات طويلة، أسفر عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، من قتل وتعذيب واعتقالات تعسفية إلى استخدام الأسلحة المحرمة دوليًا وتهجير الملايين من المدنيين.

فقد أصبح أكثر من نصف سكان سوريا نازحين أو لاجئين، يعيشون في ظروف إنسانية قاسية، فيما دُمرت البنية التحتية للبلاد بالكامل تقريبًا.

ورغم المعاناة الهائلة التي تكبدها الشعب السوري، مثّل سقوط النظام الحاكم، بعد سنوات من الكفاح والتضحيات، حدثًا فارقًا يُعد انتصارًا رمزيًا لإرادة الشعوب الساعية إلى الحرية.

إلا أن هذا الانتصار ألقى بظلاله على مرحلة ما بعد النزاع، حيث يواجه السوريون تحديات هائلة تتعلق بإعادة بناء دولة مدمرة، وإرساء دعائم الاستقرار، وتحقيق المصالحة الوطنية في مجتمع منقسم بشدة.

تبرز العدالة الانتقالية في هذا السياق كعامل رئيسي لضمان محاسبة المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات وتعويض الضحايا، باعتبارها خطوة أساسية لتحقيق السلام واستعادة الثقة بين مختلف مكونات المجتمع السوري. إلى جانب ذلك، تواجه عملية إعادة الإعمار تحديات معقدة تتعلق بتوفير الموارد، وتعزيز مؤسسات الدولة، وإعادة بناء النسيج الاجتماعي الذي تمزق بفعل سنوات الصراع.

في هذا الإطار، أظهرت الأزمة السورية مدى عجز المجتمع الدولي عن الاستجابة الفعالة للأزمات الإنسانية الكبرى، حيث اكتفى بإصدار الإدانات دون اتخاذ خطوات عملية لوقف النزاع أو حماية المدنيين.

ومع ذلك، لعبت منظمات حقوق الإنسان دورًا محوريًا في توثيق الانتهاكات وتسليط الضوء على الجرائم، ما ساهم في تشكيل أساس للعدالة المستقبلية.

إن إعادة بناء سوريا لا تقتصر على إعادة إعمار المباني والبنية التحتية فقط، بل تشمل أيضًا بناء مجتمع جديد يقوم على سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان، ويعزز قيم الديمقراطية والتعددية.

من هذا المنطلق، تمثل الأزمة السورية درسًا قاسيًا للمجتمع الدولي، إذ تُظهر أن الاستبداد مهما طال أمده لا يمكن أن يقهر إرادة الشعوب.

كما تدعو هذه الأزمة إلى تعزيز الجهود الدولية لمنع تكرار مثل هذه المآسي وضمان حماية حقوق الإنسان في أي منطقة تشهد صراعات مماثلة.

إن تحقيق السلام والاستقرار في سوريا يمثل أملًا كبيرًا للسوريين وللعالم بأسره، حيث يمكن أن يكون نموذجًا لما يمكن أن يُنجز من خلال التعاون الدولي والمحلي لإعادة بناء مستقبل أكثر عدلًا وإنسانية.

* باحثة في سلك الدكتوراه تخصص القانون الدولي

https://anbaaexpress.ma/e3fey

تعليق واحد

  1. المقال يحمل رسالة أمل في قدرة الشعب السوري على تجاوز محنته وبناء مستقبل أفضل، ويُظهر تقديرا عميقا لمفهوم العدالة والحرية.

    أشكركِ، نور الهدى العويطي، على هذا المقال القيم الذي يعكس تفكيرا ناضجا ورؤية شاملة للأزمة السورية وتداعياتها، وعلى دعوة التغيير البناء والإنساني التي تبنينها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى