رشيد عوين: من الجزائر
قبل أشهر، تلقت منظمة شعاع مقرها بريطانيا العديد من الشكاوى من طرف عشرات العائلات السورية بخصوص احتجاز أبنائهم وأقاربهم في سجون الجزائر، بسبب سعيهم للهجرة نحو أوروبا.
وبعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، تلقت شعاع المنظمة الحقوقية، اتصالات عديدة من عائلات المحتجزين السوريين متسائلة عن مصير أبنائهم. فيهم من حكم عليهم بالسجن أربع سنوات كقضية الأخوين محمود جمعة الجاسم وفضل جمعة الجاسم، والأخوين سليم إبراهيم وجمعة إبراهيم.
وكذلك الأخوين مهند قباني ومحمد قباني المسجونين منذ شهر مارس 2024، المحكوم عليهم مع ثمانية سوريين آخرين بسنة سجن نافذ وغرامة مالية قدرها 100 ألف دينار جزائري. وفيهم من مازال رهن السجن الاحتياطي قيد التحقيق.
المهاجرون السوريون الموجودون في السجون الجزائرية أغلبهم في سجن “مسرغين” وسجن “قديل” بولاية وهران، متابعين بتهم الدخول إلى التراب الوطني والإقامة فيه بطريقة غير شرعية، جنحة محاولة مغادرة الإقليم الوطني بطريقة غير شرعية، جنحة عدم الإبلاغ عن جريمة تهريب المهاجرين، وجناية تهريب المهاجرين من خلال تدبير الخروج من التراب الوطني لعدة أشخاص، من بينهم قصر، المرتكبة من طرف أكثر من شخص وفي إطار جماعة إجرامية منظمة.
فمنذ أن فرضت الجزائر التأشيرة على السوريين في شهر مارس 2015، أدت إلى تغيير جذري في مشهد الهجرة. فقبل هذا التحول في سياسة فرض التأشيرة، كان اللاجئون السوريون قادرين على السفر دون عناء من بيروت إلى الجزائر.
ولكن مع فرض هذه القيود الصارمة، اضطر السوريون الساعون إلى اللجوء إلى سلوك طرق مغامرة ومتقطعة عبر غرب وشرق أفريقيا للوصول إلى تونس والجزائر. كانت هذه المسارات محفوفة بالمخاطر، طويلة ومكلفة، وكثيرًا ما تركت المهاجرين محاصرين في حلقة مفرغة من الديون المنهكة التي لا تدين بها الأسرة والأصدقاء فحسب، بل وأيضًا التجار عديمو الضمير.
وتضمنت الشكاوى التي وصلت إلى منظمة شعاع من طرف عشرات العائلات السورية ظروف سجن أبنائهم وأقاربهم، والتهم الجنائية التي وُجهت لهم، واحتجاز العديد منهم في السجون الإدارية. كما تلقت العديد من الشكاوى والشهادات لمهاجرين سوريين تم ترحيلهم، ولم يحصلوا على المساعدة الإنسانية، وتعرضوا للمعاملة القاسية والمهينة.
وأجرت منظمة شعاع مقابلات مع بعضهم، ومع أقارب محتجزين سوريين في السجون الجزائرية، وتمكنت من توثيق شهادات تسلط الضوء على الوضع المزري من المخاطر والتحديات القانونية التي لا يزال المهاجرون السوريون يواجهونها.
في يوم 25 ماي 2024، بمنطقة الدبداب بالجزائر المتاخمة للحدود الليبية، اعتقل حرس الحدود 37 مهاجرًا سوريًا من بينهم امرأة وطفل وشخص مسن. وعند اعتقالهم، تمت مصادرة جميع ممتلكاتهم من أموال وسجائر وهواتف، ثم نقلهم إلى عين أميناس على متن مركبة شحن عسكرية. ثم عُرضوا على قاضي محكمة عين أميناس يوم 27 ماي 2024، الذي حكم عليهم بغرامة مالية قدرها 30 ألف دينار جزائري غير نافذة بتهمة الدخول إلى التراب الوطني بطريقة غير شرعية.
بعدها لم يتم إطلاق سراحهم ولم تتم عملية ترحيلهم، حيث مكثوا خمسة أيام في مركز للدرك الوطني في ظروف جد صعبة، مما أجبرهم على النوم في الهواء الطلق على الأرض العارية.
وفي وقت لاحق، يوم 31 ماي 2024، تم نقلهم إلى مركز الأمن الوطني بمدينة إليزي، حيث وضعوهم في ملعب كرة يد أُعيد استخدامه كسجن إداري، وتقاسموا المكان مع معتقلين من جنسيات أخرى محشورين، بما فيهم امرأة عمرها 55 عامًا وطفل قاصر عمره 12 عامًا. وعلى الرغم من أنهم سعوا إلى اللجوء، فقد رُفضت طلباتهم. كانت الظروف التي تحملوها مروعة، من سوء التغذية، وجود صراصير في الطعام، وأكل مطبوخ قبل يومين، مما أدى إلى فقدان ما يصل إلى 20 كيلوغرامًا من الوزن.
بالإضافة إلى الإساءة اللفظية المستمرة، وتخللت محنتهم تهديدات بالترحيل، حيث كان الحراس يسخرون منهم بالقول: “الأسد يريد أرواحكم”.
بعد قضاء 90 يومًا من الاحتجاز، وبالضبط في آخر شهر أوت 2024، تم نقلهم في رحلة شاقة، محصورين في حافلات خانقة ذات نوافذ مغلقة ومحجوبة وبدون تكييف. ظلوا في حيرة من أمرهم بشأن وجهتهم. وعندما سألوا عن مصيرهم، يجيبهم أعوان الأمن بأنهم يُنقلون من أجل تسوية وضعيتهم دون ذكر الوجهة المحددة.
وبعد رحلة استمرت 50 ساعة، تم إنزالهم في سجن إداري خاص باللاجئين في منطقة سيدي الهواري بولاية وهران، حيث واجهوا معاملة قاسية ومهينة مصحوبة بانتهاكات عنيفة. كان من بين الضحايا إسماعيل الصفصاف وملهم العايدي، الذين عاشوا مع 45 شخصًا آخرين تحت ظروف لا إنسانية. كانوا محشورين في مساحة ضيقة جدًا لا تستوعب أعدادهم، مما زاد من معاناتهم.
بعد 20 يومًا من السجن الإداري، وفي يوم 19 سبتمبر 2024، تم نقل 71 مهاجرًا سوريًا بينهم اثنان فوق الستين عامًا من العمر، وطفل قاصر عمره 12 عامًا، في رحلة شاقة. كانوا محصورين في حافلات خانقة ذات نوافذ مغلقة ومحجوبة وبدون تكييف. استمرت الرحلة 50 ساعة بين قوات الأمن نحو مدينة الدبداب الحدودية.
عند وصولهم يوم 22 سبتمبر 2024، تم إنزالهم من الحافلات ووضعهم في سيارات رباعية الدفع، وتم نقلهم إلى منطقة الحدود بين مدينة الدبداب الجزائرية وغدامس الليبية. أُجبروا على السير عشرات الكيلومترات في الصحراء، وسط درجات حرارة مرتفعة، ليتم تخليتهم في الصحراء الحارقة. تعرضوا للعطش، مما زاد من تعقيد معاناتهم. وفي حالة اليأس التي انتابتهم، لجأ بعضهم إلى شرب بولهم للبقاء على قيد الحياة، قبل الوصول إلى مدينة غدامس الليبية حيث تم تقديم المساعدة لهم.
وعلى الرغم من كون الجزائر طرفًا في اتفاقية اللاجئين، فقد حرمت المهاجرين السوريين من الحصول على اللجوء والمساعدة الإنسانية. ولم تعتمد أي إطار قانوني يعترف بعملية طلب اللجوء أو وضع اللاجئين. وعلى الرغم من كونها طرفًا في اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، فقد قامت السلطات الجزائرية بإبعاد المهاجرين السوريين قسرًا إلى الحدود الخطرة بين الجزائر والنيجر وليبيا، حيث واجهوا الكثير من المخاطر التي أودت بحياة بعضهم.
في انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، استمرت السلطات الجزائرية في سياساتها العدائية تجاه المهاجرين السوريين، خاصةً ما يتعرض له المحتجزون السوريون في السجون الجزائرية. ورغم التوصيات العديدة التي تلقتها الجزائر خلال الدورة الثالثة من الاستعراض الدوري الشامل، والتي حثتها على احترام حقوق المهاجرين، إلا أنها لم تُظهر التزامًا بتطبيق تلك التوصيات.
* مدير منظمة شعاع لحقوق الإنسان