الشرق الأوسطسياسةعاجل
أخر الأخبار

تحليل: التطوّرات العسكرية شمال سوريا.. الملاحظات ومواقف العواصم

تقديم

على أثر تطوّر العملية العسكرية التي شنّتها قوات المعارضة في شمال غرب حلب واقتربت من أحياء المدينة نفسها، فإن العواصم المعنيّة تراقب الحدث وسط تساؤل المراقبين بشأن حدود العملية وأهدافها ومقاصدها الجيوسياسية، إضافة إلى استشراف تطوّر مواقف دمشق وموسكو وأنقرة وطهران ودمشق.

نرصد هنا مجموعة المعطيّات والاستنتاجات والملاحظات:

– منذ بدء الهجوم الواسع المفاجئ، في 27 نوفمبر 2024، من قبل فصائل المعارضة في شمال غرب سوريا باتجاه مدينة حلب، تمّ ربط توقيت العملية بسريان وقف إطلاق النار في لبنان، على الرغم من تأكيد أوساط المعارضة بأن المواجهات لم تتوقف مع النظام منذ عام 2011، ولا علاقة للهجوم بأي توقيت مرتبط بحروب إسرائيل في المنطقة.

– تؤكد هذه الأوساط أن التحذيرات التي وجهها رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، إلى الرئيس السوري، بشّار الأسد، لها أجندة إسرائيلية، وأن النظام السوري استفاد من قرار إسرائيلي لا لبس فيه بعدم المسّ بوجودية النظام، وأنه لو كانت المعارضة على علاقة مع إسرائيل لتمكنّت من إسقاط النظام في الشهور الأولى للصراع.

– تلفت مصادر عسكرية مراقبة إلى تطوّر القوة العسكرية لقوات المعارضة، سواء من خلال التدريب والتنظيم والتخطيط، أم من خلال الأسلحة واستخدام تكنولوجيا المسيّرات، ما وفّر للهجوم أسبابا للتقدم الواسع والسريع وصل إلى السيطرة على أغلب ريف حلب الغربي.

– في 29 نوفمبر 2024، قال الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف: “نطالب السلطات السورية بإعادة فرض النظام بصورة عاجلة في هذه المنطقة”، معتبرا أن الهجوم المتواصل “اعتداء على سيادة سوريا”. رأى مراقبون في روسيا أن تصريح بيسكوف “حذر” ولم يتطرق إلى دور تركيا، ما يعني أن موسكو تحضّر للتفاهم مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. لكن المصادر الروسية استغربت عدم تحذير المخابرات التركية لموسكو بوجود تصعيد من هذا المستوى. وأبدت هذه المصادر تفاؤلا باستمرار جهود الوساطة الروسية بين أنقرة ودمشق للعودة إلى تفاهمات اتفاقية أضنة الموقعة بين سوريا وتركيا عام 1998.

– تمثّل مشاركة فصائل المعارضة على تنوّع مشاربها، بما في ذلك هيئة تحرير الشام (النصرة سابقا) المصنفة إرهابية، انتقالا إلى مرحلة جديدة من الوحدة والتنسيق تنهي مرحلة من المنافسة والتقاتل الداخلي. ويشتبه أن ذلك الجهد التوحيدي جرى برعاية تركيا وضغوط منها.

– لوحظ تمسّك تركيا بمستوى رسمي منخفض في التعبير وردّ الفعل، وإظهار الأمر بصفته شأنا سوريا خالصاً. كما أن المعلقين المحايدين ما زالوا يستخدمون تعبير “الاعتقاد” بانخراط تركيا ووقوفها وراء الهجوم وإمكاناته وتوقيته، من باب التحليل وليس من باب اليقين.

– تروّج أوساط النظام السوري لنظرية وجود مؤامرة دولية تشارك بها فرنسا وأوكرانيا، كما وجود ما يسمونه الجماعات الإرهابية من الإيغور والشيشان، إضافة إلى جماعات داعش والقاعدة في تفسير هوية هذا الهجوم ومقاصده، وتتهم تركيا برعايته بسبب رفض دمشق التعاطي مع مقاربة أنقرة للتطبيع مع سوريا من دون الانسحاب من سوريا او القبول ببرمجة ذلك.

– في 29 نوفمبر، وصف عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني “إعادة تنشيط الجماعات الإرهابية في سوريا بأنها جزء من مخطط أمريكي-صهيوني جاء بعد الهزائم التي مني بها الكيان الصهيوني أمام المقاومة في لبنان وفلسطين”.

– يتخوّف مراقبون من صراع طائفي سنيّ-شيعي بسبب معارك تستهدف ميليشيات شيعية وباكستانية ولبنانية وعراقية وغيرها تقاتل بإمرة إيرانية في منطقة العمليات، لا سيما أن المعارك اقتربت من بلدتي، نبل والزهراء، في ريف حلب الشمالي، وهي بلدتين شيعيتين.

– يرى خبراء أن موقف الولايات المتحدة بقي مراقبا ويستبعد أن يكون لها ردّ فعل معارض طالما أن للهجوم سقوفا وحدودا لا تمسّا مصالح واشنطن وقواتها في شرق سوريا. ويعتقد هؤلاء أن الأمريكيين لن يعارضوا تطوّرا عسكريا داخل سوريا يضعف النفوذ الإيراني هناك بما يتماشى مع المشهد الجديد لنفوذها في لبنان.

– يُعتقد أن العملية تهدف إلى العودة إلى خطوط التماس التي قسّمت النفوذ بين إيران وروسيا وتركيا والنظام السوري من خلال اتفاقية خفض التصعيد الموقّعة عام 2019.

– كانت قوات دمشق والميليشيات التابعة لإيران مدعومة بالطيران الروسي قد قضمت على مراحل المناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة المدعومة من قبل تركيا.

وتؤكد مصادر أن المعارك ما زالت تجري داخل المنطقة الرابعة لمناطق النفوذ التي تمّ الاتفاق عليها في أستانا، والتي استولى عليها النظام والميليشيات التابعة لإيران في اختراق لهذا الاتفاق.

– لا تستبعد تقديرات أن لا تذهب تركيا إلى تثبيت نفوذها على مدينة حلب تحسبا لمشاريع تقاسم نفوذ جديد من ضمن تحوّلات قد تطرأ على الوضع السوري. ولطالما تعتبر حلب تاريخيا جزءا من النفوذ التركي منذ الدولة العثمانية.

– يجب الأخذ بالاعتبار أن توقيت العملية العسكرية وما سينتج عنها هدفه أيضا السعيّ لفرض أمر واقع تركي جديد في سوريا يستبق استلام دونالد ترامب سدّة الرئاسة في البيت الأبيض.

كما يجب التذكير أن ترامب في ولايته السابقة كان أبدى تفهّما للهواجس التركية وأصدر قراره الشهير بسحب القوات الأميركية من سوريا في ديسمبر 2018 إثر مكالمة هاتفية كان أجراها مع الرئيس التركي.

– تتوقّع مصادر أميركية مراقبة أن تنظيم داعش سينتعش في شرق سوريا بسبب هذا التدهور العسكري، ما قد يدفع إلى توسيع تواجد التحالف الدولي (القوات الأميركية أساسا) داخل سوريا، لمنع عودة التنظيم من استئناف نشاطه في سوريا والعراق.

خلاصة

يُعتقد أن تركيا تقف وراء تحرّك كل فصائل المعارضة عسكريا في شمال غرب سوريا لاستعادة مناطق كانت خسرتها وأقرتها لها اتفاقية خفض التصعيد داخل آلية أستانا عام 2019، وأن تركيا لجأت إلى الخيار العسكري، بالوكالة، بعد فشل سعيًها، بوساطة روسيا، لتطبيع العلاقات مع النظام.

تعتقد هذه التقديرات أن تركيا تستغل تغير موازين القوى في المنطقة واقتراب دونالد ترامب من موعد بدء ولايته الجديدة لفرض أمر واقع شمال سوريا تأخذه واشنطن وموسكو وطهران ودمشق بعين الاعتبار.

رغم موقف روسيا المنتقد لانتهاك سيادة سوريا، فإنه بقيّ حذرا متجنبا الصدام مع تركيا تحضيرا لتفاهمات لاحقة معها. غير أن الموقف الروسي قذ يتطوّر إذا ما اخترقت العملية العسكرية خطوطا حمر تهدد مصالح موسكو.

يعتقد مراقبون أن الهجوم قد لا يزعج روسيا والولايات المتحدة إذا كان محدودا ولا يمسّ نفوذهما وتواجدهما في سوريا، ويعمل على إضعاف نفود إيران في هذا البلد.

تخشى بعض المراجع الأمنية الدولية من أن الفوضى التي تسببها المعارك في حلب وريفها قد تؤدي إلى إنعاش تنظيم داعش، ما سيستدعي تدعيم قوات التحالف (الأميركية خصوصا) لمكافحة التنظيم ومنع من توسّعه في سوريا والعراق.

مركز تقدم للسياسات

https://anbaaexpress.ma/isvy1

محمد قواص

صحافي وكاتب سياسي لبناني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى