للأستاذ الكبير مصطفى أمين كتاباً بعنوان “سنة أولى حب” من عدة أجزاء وكتب من قبله أو في ذات الوقت الأستاذ الدكتور النحرير أنيس منصور عن الحب في كثير من كتبه مثل كتابه “الكبار يضحكون أيضاً” وغيرهم كثير، لكن إذا أسقطت تجربة الكتابة عن ذات الموضوع بصورة عامَّة تُتَهم بالشخصنة أو أن التجربة كانت حقيقية حين لا يدرك القارئ الكريم أن أغلب الكتابات من كبار الكُتَّاب في العالم هي تجارب شخصية في قالب أدبي أو روائي أو قصصي أو محكي في سرد من السرديات.
لا يهم كيف تفهم لكن يهمني أن أكتب وأكتب وأكتب.. هذا ! أسوأ ما في التجارب العاطفية التي هي سلاح ذو حدين إمَّا أن تنجح وإمَّا أن تفشل في خصوصية هذه المقالة لدى شريحة كبيرة من الناس ترتبك كونها – أي العلاقة العاطفية – لا تتفق مع الحالة لا المزاجية فقط لكن بالحالة الاجتماعية أيضاً إذ التصادم كذلك لا يحدث جزافاً والذي يؤدي إلى الفشل بطبيعة الحال.
إنَّما التصادم الحقيقي في أن يكون الطرفان على ميثاق غليظ من الارتباط الشرعي، بمعنى الطرفين يكون كليهما متزوج بأخرى أو بآخر مما يضفي على العلاقة بين المتحابين الجديدين سواراً من المواصلة، وبطبيعة الحال أيضاً إذا أصَرَّا على المواصلة في الاتجاه المعاكس فالنتيجة شبه الحتمية هي ضياع الأسرتين الأوليتين والأبناء حيال ذلك.
هناك قضية معقدة بطرف الموضوع وهي من الأهمية بمكان، قضية قبول الضَرَّة أو الزوجة الثانية خصماً على تراتبية الحياة المستقرة بين الأطراف الأصيلة لا الدخيلة، فهذه إشارة حمراء قلما تتجاوز الحواجز المجتمعية أو العرفية أو حتى الانفتاح الفكري في زمن التطور المعرفي والحريات الحديثة بقبول مسألة التعدد ولنا في المحاكم المدنية عبر عظيمة بلا شك.
يمكن تلخيص القضية في أحد الأمور التالية:
قبول العرف العام بالتعدد الطبيعي.
رفض المجتمع والأسر لهذا التعدد لما لها من أبعاد نفسية سيئة واجتماعية وخلافه.
تهيئة المناخ المناسب المجتمعي لطرح القضية بعدة موازين منها:
الدين والاقتصاد والعرف والفهم الذكي وكسر القيود المفروضة اجتماعياً ونفسياً وفكرياً وخلافه، وكذلك تغيير أو تعديل منظومة القوانين والتشريعات المصاحبة مما يعني تحرك المجتمع أفقياً ورأسياً لمناقشة قضايا الحب بعد الخمسين أو أي عمرٍ تريد بأشكال أخرى.
دعني أقُصُّ عليكم حكايتي الشخصية هذه وقد حدثت معي بالفعل: أنا شخصياً لم أجد في قاموسي العاطفي أن عاكستني أي فتاة أو امرأة سواء كانت متزوجة أم لا حتى شعرت يقيناً متسللاً لأفكاري وشخصيتي أنَّ هناك نقصٌ ما لا يُحتمل في تكويني الشخصي والنفسي والذهني لا البدني لذلك تعزف كل النساء بلا استثناء من أن تعاكسني لأشعر بأنني على الفطرة السليمة.
فذهبت إلى المحامي الدكتور أحمد، أحد أبناء نيالا بالسوق العربي في الخرطوم قبل أكثر من خمسة عشر سنة وأخبرته شكوتي لتقديمها للقضاء (مشكلتي مع السيدات اللاتي لا يبدين لي شعوراً ولا حركة بالقبول – ليه البنات ما بحبوني) فضحك المحامي الذي كان ضابطاً إدارياً بمحلية نيالا آنذاك من الشكوى وقال لي بالحرف الواحد: (فك الشكَّة دي وشيل القلم من جيب القميص، فشكلك رسمي جداً وشخصيتك مهابة والسبب طريقة اللبس ووضع القلم على جيب القميص، ثم جربها فترة ونرى النتيجة).
إذاً ما الحل ؟ الحل في التنفيذ ! ونفذت فكرته بحذافيرها وفكيت الشَكَّة من البنطلون وأنزلت القلم من جيب القميص لكن لم تتغير شخصيتي فيما يبدو وذلك لمدة ثلاثة أشهر أو عليها تزيد والنتيجة صفر كبير، فعدت أدراجي للمحامي بجوار عمارة الذهب بالسوق العربي وأعدت الطلب من جديد وأخبرته بالفشل الذريع نظرياً وعملياً (مافيش ولاااااا بت شاغلتني أو حبتني أو حتى لفت نظرها بالغلط) فقال لي بالحرف الواحد وهو يضحك مجدداً: ” إذاً المشكلة فيك انت وليس في طريقة لبسك أو وضعية القلم ” ولم أرض بهذا الرأي ولا تلك الفرضية فأنا إنسان يا ناس إنساااااان وما زلت أعاني من تلك الإشكالية والحمد لله على كل حال.
في الفترة الأخيرة، طفح على السطح المجتمعي فيما أطلقنا عليه اصطلاحاً بــ”الزوجة الثقافية” واعترض عليَّ من اعترض وهاجمني من هاجمني، قال المتنبي:
وليس يصح في الأفهام شيء * إذا احتاج النهار إلى دليل
باعتبارها ظاهرة اجتماعية لا يمكن التغافل عنها بحال من الأحوال، لكن المشكلة ليست ههنا، المشكلة تطور الزوجة الثقافية إلى زوجة شرعية حقيقية مما عاد بنا إلى أول المقال (الحب بعد الخمسين) أو إن شئت: (الحب في زمن الكوليرا) فصارت تلقائياً قضية مجتمعية من جديد في دورة من دورات الزمن الجميل.
هذه الصورة المحكية جزئية من حركة الإنسان في حياته الكلية لأنَّها أشد غوراً واضطراباً في الواقع فتتضارب آناً وتتفق أحياناً أخرى وتفشل في الغالب الأعم ويجب النظر إليها بثلاث طرق:
• الوضع الاجتماعي ويصاحبه العرف والتقليد والعادة.
• القانون وتطور التشريعات والقوانين المنظمة لحركة المجتمع المعني ومنها الدين بطبيعة الحال.
• الوضع الاقتصادي بعامة أي شكل الدولة ونظامها الاقتصادي وفي التخصيص الظرف المادي بين الطرفين الجديدين والقديمين كذلك، وهو الأهم من البنود المطروحة وهي شائكة ومعقدة للحد البعيد.
في خطاب متخيل مكنون بعثت به إليها حيث تريد أن تكون مني وأكون منها:
الزوجة الثقافية – الزوجة البديلة – الزوجة الشرعية
كوني النجمة وتلك التي أتمنى.
أشكرك صادقاً على الساعات التي قضيتها معك وكنت فيها أشد حماساً منك حين كنت انت أكثر حرارة مني، وكنت أسرع انفعالاً منك حين كنت انت أصدق استجابة مني وكنا أعمق صدقاً حين كنا وكنا ولم نكن ومضى الوقت سريعاً بلا بداية وبلا نهاية، قال المجذوب:
قولي احبك اسمعيني لفظها يا حبذا لفظ الغرام مقولا
دعيني أعتذر عن شأوي تجاهك قاصراً لا قاصداً فهي تركيبة ذهنية لشخصية معقدة إلَّا قليلاً لأنَّ المكان لا يسع ولا يسمح بأن نفعل ما نريد إلَّا بالقصور حين علم الله خفيات كل مكتتم، قال صاحبنا زهير:
أكني بغير اسمها وقد علم الله خفيات كل مكتتم الزوجة الحبيبة.
أنا هناك فيك، منك وبك وإليك بلا منتهى أيها الإنسان العزيز.
ماذا في غد، في رحم الغيب المجيد، أنا لا أدري، لكننا نعرف ما تحمله قلوبنا تجاه نفسينا بيد أننا لا نتكلم، قال الشافعي:
دعي الأيام تفعل ما تشاء وطب نفساً إذا حكم القضاء، ولا تجزع لحادثة الليالي فما لحوادث الدنيا بقاء، وكن رجلا على الأهوال جلدا وشيمتك السماحة والوفاء.. اللحظات الجميلة قلما تطول بينما القبيحة دائماً ما تطول.
هذا ! أنا اخترت العنوان (الحب بعد الخمسين) لرمزيته وأهميته في الطرح العام الإنساني، ورحم الله أستاذنا القدير مصطفى أمين وغارسيا ماركيز وأنيس منصور وبدر الدين العتَّاق وآخرين، وتحياتي للمحامي الجميل الذي لم ألتقيه منذ ذلكم الوقت فالقضية ما زالت مطروحة للقضاء الاجتماعي العادل إن وجد وبالتحديد الزوجة الأولى.