آراءسياسة
أخر الأخبار

بوليفيا الصراع بين رفاق الأمس.. بين طموح إستمرار اليسار و مخاطر الانقسام

مشيج القرقري

تعيش بوليفيا على وقع صراع سياسي عميق بين الرئيس السابق إيفو موراليس Evo Morales، زعيم حزب الحركة نحو الاشتراكية (Movimiento al socialismo MAS)، والرئيس الحالي لويس أرسي Luis Arce الذي تولى السلطة في عام 2020 بدعم من نفس الحزب.

هذا الصراع يعكس التوترات الداخلية التي تهدد استقرار الحزب الحاكم، مما يعيد تشكيل الساحة السياسية في البلاد ويطرح تحديات أمام المستقبل.

تاريخياً، كان موراليس رمزاً للنضال من أجل العدالة الاجتماعية والاقتصادية، حيث تمكن من تنفيذ سياسات تأميم واسعة النطاق وتحقيق مكاسب كبيرة للطبقات الفقيرة والسكان الأصليين، مما أكسبه قاعدة شعبية واسعة بين الفلاحين والعمال.

أمضى موراليس في الحكم 14 عاماً (2006-2019) حتى اضطر للاستقالة وسط احتجاجات حاشدة بعد اتهامات بالتزوير في الانتخابات الرئاسية لعام 2019 بعدها جاءت حكومة انتقالية برئاسة اليمينية جانين آنييز، التي واجهت انتقادات شديدة بسبب قمعها لأنصار موراليس.

في عام 2020، عاد حزب MAS إلى السلطة بفوز لويس أرسي في الانتخابات الرئاسية، والذي يعد اقتصادياً بارزاً ساهم في تشكيل سياسات الاقتصاد الناجحة في عهد موراليس، لكن مع مرور الوقت، بدأت الخلافات تظهر بين أرسي وموراليس، حيث اتهم الأخير الحكومة الحالية بالتخلي عن مبادئ الحزب وتهميش الدعم الشعبي الذي ساهم في إيصال MAS إلى الحكم.

وصلت هذه التوترات ذروتها مع اتهام موراليس لأرسي بالسماح باستخدام العنف ضد أنصاره والتغاضي عن محاولة اغتياله، في خطوة وصفها بأنها تصفية حسابات سياسية تهدف إلى منعه من العودة إلى السلطة.

في رسالة مفتوحة وجهها موراليس إلى الرئيس أرسي، كتب:

“أكتب لك هذه الرسالة في لحظة حاسمة لوطننا، قبل أربع سنوات، عندما كنت تستعد لتولي الرئاسة، لم يكن أحد يتخيل أن الأشهر الأخيرة من حكومتك ستكون مظلمة ومؤسفة إلى هذا الحد.. هل تخيلت أنك ستسمح بنفس التدخلات الأمنية والعسكرية التي سمحت بها جانين آنييز؟ أم أن تلطخ يديك بدماء الهنود والفقراء والفلاحين الذين وعدت بالدفاع عنهم؟”.

تدور المواجهة الآن حول تفسير الدستور البوليفي وإمكانية ترشح موراليس في الانتخابات العامة المقررة لعام 2025، يدافع أنصار موراليس عن حقه في الترشح باعتباره رغبة شعبية، بينما ترى الحكومة والمعارضة أن عودته للرئاسة قد تؤدي إلى تعزيز السلطة الفردية على حساب الديمقراطية.

وفي هذا السياق، تلعب المحكمة العليا للانتخابات دوراً حاسماً، حيث يُتوقع أن تحدد موقفها من أهلية موراليس للترشح، وهو ما يثير اتهامات بـ”lawfare”، أو استغلال النظام القضائي لتحقيق أهداف سياسية.

وواصل موراليس انتقاده لأرسي بقوله: “إذا أصدرت أمر التدخل الأمني والعسكري، فستكون أنت المسؤول عن تقسيم وإيذاء بوليفيا بشكل لا رجعة فيه. سيظل اسمك في التاريخ بجانب اسم آنييز، كأحد الرؤساء الذين أفقروا الشعب وأضعفوا الدولة ووجهوا أسلحتهم ضد شعبهم”.

الانقسام داخل MAS يفتح الباب أمام احتمالات عودة اليمين التقليدي إلى الساحة السياسية بقوة، مستفيداً من الصراعات الداخلية بين جناحي الحزب.

ومع ذلك، يمتلك حزب MAS آلة انتخابية ضخمة قد تكون حاسمة في الحفاظ على مكانته السياسية إذا استطاع تجاوز الخلافات الداخلية وتوحيد صفوفه.

كتب موراليس في رسالته أيضًا: “لقد حاولت كثيرًا أن تنسب لنفسك نجاح نموذج الاقتصاد التعددي، وعندما أتيحت لك الفرصة لقيادته، لم تعرف ماذا تفعل.. تحدثت عن كرامة الشعب، ولكن في حكومتك اليوم، يبدو أن الهنود لا يساوون أكثر من الرصاصة التي تقتلهم”.

دولياً، أبدى عدد من رؤساء دول أمريكا اللاتينية قلقهم من تصاعد العنف ضد موراليس ودعوا إلى التهدئة والحوار، يعكس هذا التدخل مدى أهمية بوليفيا في السياق الإقليمي واهتمام الدول المجاورة باستقرارها.

في النهاية، فإن الانتخابات القادمة في أغسطس 2025 ستكون اختباراً فاصلاً لمسار بوليفيا السياسي.

يبقى السؤال: هل سيتمكن حزب MAS من تجاوز أزمته الداخلية واستعادة قوته، أم سيعود اليمين إلى السلطة مستغلاً الانقسامات داخل الحزب؟.

* عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، عضو لجنة الاخلاقيات بالأممية الاشتراكية، مسؤول العلاقات الخارجية مع دول أمريكا الاثينية وأفريقيا

https://anbaaexpress.ma/ycbxv

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى