مع استمرار الحرب في لبنان وتوسّعها نحو مناطق في العمق اللبناني والسوري، يركز الجيش الإسرائيلي على قطع الإمدادات عن حزب الله، مع توجه نحو عزل الجغرافيا السورية وتحجيم دورها في معادلة الصراع وتحييدها، سواء من خلال قطع خطوط التواصل أو منع تفعيل جبهة الجولان، التي تسعى فصائل موالية لإيران لاختراقها عبر إرسال مسيّرات تستهدف الداخل الإسرائيلي.
هذا التكتيك الإسرائيلي، إلى جانب تزايد وتيرة العمليات، قد يدفعان إلى توسيع دائرة الاستهداف لتشمل جبهات أخرى تصنفها إسرائيل كتهديدات مباشرة. وقد يمتد هذا التوسع ليشمل الجغرافيا العراقية، خاصةً بعد انضمام فصائل المقاومة العراقية إلى المواجهة من خلال تبني هجمات صاروخية وإرسال مسيّرات تستهدف إسرائيل.
هذا الوضع المعقّد والمتشابك قد يؤدي إلى تصعيد المواجهات في المنطقة وخلق مرحلة من الردود غير المحسوبة.
ضمن هذا المشهد المتوسع للحرب والاستهدافات، تدخل المنطقة في دائرة مواجهة أوسع ومرحلة من الردود غير المحسوبة. توسع نطاق الصراع يعني أيضاً أن الأردن بات أمام مشهد أكثر تعقيداً، حيث تتزايد المخاطر وتفرضها الجغرافيا المتداخلة على الأردن، خصوصاً مع دخول المنطقة في مرحلة من “لا مركزية” العمل المسلح، والتي تعتمد بشكل أكبر على القرار الفردي لمقاتلي هذه التنظيمات والميليشيات، التي ستضطر لتبني هذا النهج كخيار للاستمرار والبقاء.
ورغم أن هذه المرحلة قد تكون مؤقتة، فإنها بلا شك قد تشكل تحديات أمنية كبيرة في المستقبل القريب. التحدي الأمني الذي يواجه أجواء الأردن ومحاولات اختراق حدوده الجوية قد يتزامن مع تهديدات على الحدود البرية، بل وحتى الساحة الداخلية.
بالنسبة للأردن، فإن انتقال المواجهة إلى الفصائل العراقية يعني أنه أصبح محاطاً بجبهات مفتوحة من الشمال والشرق. ويُضاف إلى ذلك التحدي الأكبر المرتبط بالحدود مع إسرائيل، حيث التصعيد الإسرائيلي يعتبر هذه الحدود “خطرة”، مما يستدعي التعامل معها بطرق جديدة ونوعية، تشمل إعادة رسم الخطط الأمنية وإنشاء فرق عسكرية متخصصة للسيطرة على الحدود.
هذه التحديات تضع الأردن أمام موجة تهديدات قادمة من عدة اتجاهات، مما يجعله هدفًا محتملاً لهجمات متعددة الأطراف. وبالتالي، قد يجد الأردن نفسه مضطراً إلى التعامل مع تهديدات عابرة للحدود، لا سيما مع تصاعد الهجمات بالطائرات المسيّرة، وخطر الاستهدافات المنظمة أو العشوائية على مناطق حيوية واستراتيجية، بما في ذلك منشآت الطاقة والبنية التحتية الرئيسية.
التحدي الأمني الذي تواجهه الأجواء الأردنية ومحاولات اختراق الحدود الجوية قد يتزامن أيضاً مع تهديدات على الحدود البرية، بل وحتى الساحة الداخلية.
الحدود الأردنية، التي لطالما واجهت تحديات تهريب المخدرات والأسلحة، قد تصبح عرضةً لموجات استهداف مباشرة، خاصةً وأن نقل الأزمة اليوم إلى الجغرافيا الأردنية قد يتوافق مع مصالح عدة أطراف، بما في ذلك أطراف متضادة. وهذا يعني أن ضبط الحدود الأردنية وحماية الداخل الأردني هما العنوان الأبرز لهذه المرحلة.
في الوقت ذاته، فإن استمرار الأزمات على الحدود وتعطيلها يستدعي التفكير بطرق موازية للبحث عن فرص تعاون، بما يحوّل الحدود إلى عوامل للتنمية عوضاً عن التهديد، ما يجعل من الضروري التركيز على تفعيل الحدود الجنوبية مع المملكة العربية السعودية وتعزيز التعاون معها على عدة مستويات. فتح هذه الحدود أمام فرص التعاون قد يوفر متنفساً لتعويض الضغوط على الحدود الأخرى، ويخلق منافذ جديدة للتكامل والتنمية.
يبقى استقرار الأردن الأولوية القصوى، ومواجهة التهديدات لضمان عدم انتقال حالة عدم الاستقرار إلى الداخل الأردني يتطلب استراتيجية أمنية شاملة، مدعومة برؤية سياسية قادرة على توضيح حجم الأخطار المحيطة وقابليتها للانتقال السريع، في منطقة باتت أزماتها أشبه برمال متحركة قابلة للتوسع والانتقال من مكان إلى آخر.
تعليق واحد