آراءمجتمع
أخر الأخبار

من غزة.. حزين أنا

وأنا حزين، حين أرى تقاسيم القهر على وجوه الرجال، وحين أرى الدمع يترقرق في عيون النساء، وحين لا أرى فرحة الأطفال

 الدكتور فائز أبو شمالة

ولست حزيناً لأسباب شخصية، مشكلتي أنني أعيش في قلوب الناس من حولي ومن حولي تبصر عيني الحزن في عيون الناس، فأغرق في بحر همومهم فلا الصباح يحمل لهم البشائر، ولا المساء يأتي لهم بالأمن حزين أنا حين أرى الجوع يمشي على قدمين في شوارع غزة، يطوف على خيام النازحين بالقهر والحرمان.

لقد تجولت اليوم في شوارع خان يونس، وطفت على الأسواق، أسأل عن أسعار أقل القليل الذي ظل في الأسواق من حاجات الناس الضرورية، الأسعار يشيب لها شعر الأطفال، وتربك حسابات النسوة، وتترك ولي الأمر باكياً أو شاكياً أو لائماً وغاضباً، ثم حزيناً.

وأنا حزين، حين أرى تقاسيم القهر على وجوه الرجال، وحين أرى الدمع يترقرق في عيون النساء، وحين لا أرى فرحة الأطفال، وقد حملوا على ظهر طفولتهم غياب الأمهات واغتراب الآباء، سواء كانوا من الشهداء أو كان من الأحياء.

حزين أنا، وكيف لمثلي أن يفرح، وقد انغمست حياتي منذ عشرات السنين مع حياة الناس، أتوجع لأوجاعهم، وابكي لدموعهم، ويرفرف قلبي لمآسيهم، وأنا أراهم كحمام بري وقع في الشرك، ولا يجد طريقاً للخلاص من يد العصابات الصهيونية، وهي تفتك بهذا، وتصطاد تلك، وتذبح ذاك، وتغتال آخر، والناس في شبك المكان الذي لا يسمح لهم بالفناء، ولا يعطيهم الفرصة للحياة.

حزين أنا، حين أعرف أن كل حروب الأرض تجري ضد الجيوش، وضد مواقع الجيش، وضد الجنود، وضد مقرات القوات المعادية، إلا الحرب على غزة، فالعدو الصهيوني يشن الحرب ضد الأطفال والنساء والشيوخ، وضد البيوت، وضد الماء والكهرباء والدواء، وضد الشجر، وضد الشوارع، وضد الحياة، وضد المدنيين الذين يفتشون عن مكان آمن، فإن وجدوه، راحوا يفتشون عن شربة ماء، فإن توفرت، بدأوا البحث عن لقمة الخبز، وما بين بحث وبحث، ترتقي الأم شهيدة، ويفتش الأب عن الدواء لطفل تقطعت أطرافه، ولشعب تسح دماؤه بين الخيام.

حزين أنا على أمة لا إله إلا الله، أراقبهم يهرولون إلى الصلاة في كل البلاد الإسلامية، بعد سماعهم آذان الفجر، ليغرقوا بعد ذلك في عتمة الصمت وعدم المبالاة لما يجري في غزة، أراقبهم وهم حريصون على ألا تفوتهم صلاة المغرب، وقد فاتهم ما يجري من حرب إبادة على أرض فلسطين، أراقبهم وهم يمارسون العبادات السهلة من صلاة وصيام وشهادة أن لا إله إلا الله، ونسوا بقية العبادات التي تحرضهم على الجهاد.

لقد اهتموا بسيرة نبيهم في قضايا حياتيه هامشية، ونسوا سيرة نبيهم في القضايا الجوهرية، نسوا أن نبيهم محمد كان ثائراً ضد الظلم والعبودية والشرك بالوحدانية، نسوا أن نبيهم محمد عزيز النفس يأبى الضيم، شجاعٌ يحتقر الجبناء، واثق مما يفعل، ويحرض على البقاء بكرامة وكبرياء.

أنا حزين لأنني في غزة الحزينة، غزة التي تذرف دمعتين:
دمعة على أحوالها البائسة تحت التجويع والترويع، واستنشاق البقاء من بين شقوق الغيم، ومن خلف الدمار.

ودمعة على أحوال أمة عربية وإسلامية، هي أكثر بؤساً في معيشتها من غزة، أمة تجهل نفسها، ممزقة ككرة قدم مهترئة، يركلها الغزاة بأقدامهم ساخرين، أمة محكومة لسلطان يلهث خلف سلطة ذابلة، ويطمع بالتمرغ فوق تراب المذلة.

https://anbaaexpress.ma/uvx2t

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى