في طبعة أنيقة، صدر عن دار بوليكلوط الباريسية، “Polyglotte ” كتاب جديد للشاعر و الكاتب المغربي رشيد المومني، يحمل عنوان “رهاب الحوار الحضاري”.
ينطلق الكتاب من رؤية نقدية، تتصدى للصورة المثالية التي تواظب على تكريسها المقولات التنويرية و التحديثية المتداولة في الإعلام الدولي حول مفهوم التواصل الحضاري و آليات اشتغاله.
وكما هو معروف فإن هذه الصورة المثالية تبدو من حيث الظاهر مستمدة من روح المدونات الحقوقية، التي تستند عليها المنظمات الدولية في ترسيخها للقيم الإنسانية، باعتبارها المرجع الأساسي في وضع حد للتوترات المؤثرة سلبا على العلاقات الطبيعية القائمة بين شعوب الأرض، دونما استثناء.
لكننا و بمجرد وضع الصورة ذاتها على محك الاختبار الواقعي، فإننا سنتأكد للتو بأنها تضمر كل الشرور و المكائد التي لم تخطر أبدا تداعياتها المأساوية على بال الشرائح المطمئنة إلى سذاجة قلوبها، المفعمة بطيبة البراءة و أوهامها.
و لعل المحك الفعلي الذي تتجسد فيه مأساوية الصورة المثالية للمفهوم، هو واقع الانتهاكات الهمجية التي تمارسها الأنظمة المتسلطة جهارا في حق الشعوب، عبر إمعانها في التكييف التحريفي للمدونات الحقوقية.
بما ينسجم مع نزوعاتها الإقصائية و العنصرية، التي كثيرا ما تأخذ شكل إبادات عمياء، تتماهى مع أحلك أزمنة القتل المحفورة في ذاكرة التاريخ، و التي ما زالت تلقي بضراوة وحشيتها على كاهل البشرية.
و لنا في العربدة الدموية الممارسة من قبل العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني أنكى مثال على النوايا المبيتة للمفهوم، حيث لا تلبث مقولاته المسكوكة، أن تتجرد من حلتها الوردية و الفردوسية، كاشفة بذلك عن نوايا مركزيات الإعلام الغربي، التي لا تتوقف منابره المتواطئة عن الأمر بضرورة الامتثال إلى إجبارية الحوار و التواصل.
علما بأن المراد بفعل التواصل في هذا السياق هو القتل الذي تدور رحاه الجهنمية تحت نيران القصف المنهمرة من الجهات السبع، على أشلاء الأطفال و النساء.
والملاحظ أن الرؤية النقدية التي اعتمدها الكتاب في تفنيده لمغالطات الصورة المثالية المتداولة للمفهوم، هي منهجية التفكيك الهادئ و التأملي التي عودنا عليها الشاعر رشيد المومني في تناوله لآلية اشتغال تلك التفاصيل المسكوت عنها و اللآمفكر فيها، والتي تساهم بشكل أو بآخر في استحداث غير قليل من الأعطاب البنيوية بأبعادها العرقية و الدينية و الثقافية، المؤثرة سلبا في إمكانية إنتاج خطابات ذوات، حضارية قابلة للتفاعل الإيجابي، البناء والمتكامل.
بموازاة ذلك، ستظل “حالة الرهاب” حاضرة بقوة في خلفية كل حوار ممكن بين الذات والآخر، دون أن تعلن بالضرورة عن هذا الحضور، و هو ما ينذر في كل لحظة باحتمال حدوث تلك الصدامات اللآمتوقعة، التي تتحين فرصتها الملائمة لتفجير لتعميم خراب إبادتها، حيث سيتبين و بالملموس أن من يمتلك القدرة على القتل، هو وحده فقط من يمتلك الحق في القول، في القرار، وفي الفعل.
تعليق واحد