آراءالشرق الأوسطمجتمع
أخر الأخبار

حصري.. حوار مع الكاتب الفلسطيني محمود عساف عن كم موتا يريدنا ووصايا من الحرب الكونية على غزة

محمود عساف.. مهما كانت النوايا من وراء الطوفان (غير المحسوب) وعدالة القضية الفلسطينية وحقنا في تقرير مصيرنا ومقاومة الاحتلال إلا أني أرى أنه كان ذريعة لتنفيذ مخططات لطالما فشلت في رسم شرق أوسط جديد..

ضيف هذا الحوار الحصري على أنباء إكسبريس، سيكون من قطاع غزة، وهو من أبرز الأدباء الفلسطينيين الذين تركوا بصمة واضحة في مجالي الفكر والأدب ويحظى بسمعة بحثية عربية وإقليمية رفيعة حيث بدأ انتاجه العلمي يظهر من العام 2005م،

ومنذ ذلك الحين حتى 2021، نشر ما يزيد عن (80) بحثاً محكما في المجلات العربية، وأشرف وناقش أكثر من (30) رسالة ماجستير ودكتوراه، وأنتج (16) مؤلفاً تربوياً وأدبياً محكماً، وشارك في أكثر من (40) مؤتمراً علمياً، واعتمد كخبير تربوي في العديد من الإذاعات والفضائيات المحلية والعربية الخ..

وعضو اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين، وعضو اتحاد الجامعات الدولي، وعضو الاتحاد الدولي للغة العربية.

كما حصل على عدة جوائز أبرزها جائزة الأمانة العامة لمجلس الوزراء في غزة للعام 2020 والتي تمنح لأفضل معلم، وجائزة الدورة الإقليمية العربية في مجال القانون الدولي الإنساني التي تنظمها اللجنة الدولية للصليب الأحمر وجامعة الدول العربية للعام 2019، ومنحة اللجنة الدولية للصليب الأحمر للأبحاث 2020، ومنحة وزارة التعليم للبحث العلمي 2014م.

ضيفنا هو الأديب الدكتور محمود عساف والذي كتب كتابه “كم موتا يريدنا” ووصايا من الحرب الكونية على غزة، وهذا العمل رأى النور في عز العدوان الإسرائيلي على غزة منذ السابع من أكتوبر 2023 والذي كتبه تحت القصف والحصار والجوع وألم النزوح.

كم موتا يريدنا يروى حكايات الذين لم يغادروا في هذه للحرب يروي يروي احاسيس الشوق للذكريات ويصف مشاعر الهوان وفي ذات الوقت يؤكد على فكرة أننا أبناء الطهر المهمش في هذا الزمان

ويعالج الكتاب مشاعر الناس بأدق تفاصيل حياتهم من نزوح وقصف وفقد وبأسلوب أدبي راقي يدخل الوجدان.

شارك الكتاب في معرض عمان هذا العام ونفدت الكمية قبل انتهاء المعرض.

سيتحدث لنا د. محمود عساف عن سياق ظهور هذا العمل والظروف المصاحبة له، وكذلك المنطلقات الإبستيمولوجية في معالجة مشاعر الناس وتفاصيل حياتهم منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة.

إضافة الى رمزية الخيمة والنكبة في 1948 و 2023 وغيرها من المحاور.

وإليكم نص الحوار 

كتاب كم موتا يريدنا جاء في سياق بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر، كيف استطعت ان تؤلف هذا العمل الابداعي في ظل هذه الظروف؟

جاء هذا العمل كنتيجة طبيعية لقريحة الكتابة التي لم تفارقنا ولعل الظروف – رغم قساوتها – كانت مادة دسمة للتعبير والكتابة التي تحاكي الواقع أو الملح الذي يرش على الجرح.

قدرتي على الكتابة هنا جاءت من غزارة المواقف المؤلمة التي نمر بها يومياً، ومن الرعب الذي لم يغادرنا لحظة، ومن تعدد الأزمات اليومية بدءاً من النزوح، مروراً بالفقد، انتهاءاً بالوجع القابع فينا.

قد يبدو إنتاج هذا العمل بالنسبة للكثيرين إنجازاً، لكنه بالنسبة لي كان صورة من صور الصمود ومقاومة كل مظاهر الإبادة، وكنت أعتبر أن اليوم الذي لا أكتب فيه حزناً جديداً أو موتا جديدا، هو اليوم الذي ينقص من عمري..

لكن تجدر الإشارة إلى أن كتابة هذا العمل لم تكن سخية، وانما هي نزع روح متشبثة بالجسد..

 ماهي المحددات السردية التي إعتمدتها في إخراج هذا العمل الأدبي المتميّز؟

تنوعت المحددات السردية التي اعتمدتها في إخراج هذا العمل، لكن جميعها وقع تحت الانعكاس الوجداني والمكنون الداخلي للشعور الناجم عن الإحساس بالفقد والانكسار والحزن.

ففي بعض النصوص كان المحدد السردي محصور في الحزن الناجم عن الذكريات والأسف على ما كان، وفي بعضها كان الشعور بالخذلان الناجم عن عجز الأخوة في مناصرتنا، وفي بعضها كان التصوير البلاغي للحالة التي وصلنا إليها والتي لن يكون من السهل على أي كاتب لم يعيشها أن يصفها بهذه الصورة الحية، وفي بعضها كان محدده الصمود لا لشيء سوى انعدام الخيارات، فحجم الأسى الذي أنتجته الحرب ينهش الروح مهما كان التظاهر بالقوة واضحاً..

ماهي المنطلقات الإبستيمولوجية التي إنطلقت منها في معالجتك لمشاعر الناس وتفاصيل حياتهم منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة؟

انطلقت معالجتي لمشاعر الناس وتفاصيل حياتهم منذ بداية الحرب من مستوى التباين بين ما كانوا عليه وما أصبحوا عليه، من حجم القهر الذي طال ذواتهم بفقدان ذويهم، والتحولات التي طالت أجسادهم نتيجة الجوع، ومن حجم اشتياقهم لذواتهم القديمة، كونهم المشتاقين لبيوتهم المهدومة وشوارعهم المهجورة وأحلامهم المبتورة.

انطلقت من مستوى الهشاشة وقلة التحمل، وسرعة البكاء وكيف يموتون بشكل متجزئ، ويشيخون بسرعة مذهلة.

انطلقت من شعورهم بالضياع، واندثار الأمل، فلا أجوبة للأسئلة التي تقلقهم، ولا كلمات مفتوحة للتأويل.. وكأن لسان حالهم يقول: كيف استطاع أؤلئك المجرمون حجز مقاعد الردى لنا إلى الأبد؟

كتبت في احدى فقرات روايتك كذابون منافقون لايحبون الشهداء والثكالى (…) وتابعت في فقرة أخرى، غزة كانت منذ خلقت وحيدة حتى في حزنها، وحيدة تمارس الحياة كأرعن في سباق عمى  الحواجز (…) هل هذه العبارات هي إنعكاس وجداني حقيقي  لأغلب أهل غزة؟

فعلاً، هي إنعكاس حقيقي ووجداني لأغلب سكان غزة وأهلها ناجم عن حجم الصدمة من ضعف التضامن العملي (الفعلي) لغزة، ليس في هذه الحرب فقط ولكن على مدار السبعين عاماً الماضية، لكن تجدر الإشارة إلى أن هذه العبارات هي صورة من صورة اللوم غير المباشر على الأنظمة السياسية التي لا تفسح المجال للجماهير لنصرة غزة بما تستحق، كما أن الكلمات (كذابون، منافقون، لا يحبون الشهداء) ما هي إلا تعبير عن فئة ملت من أحوالنا، ومن عجزها عن مواجهة آلة الحرب التي يدعمها الباطل العالمي..

ماذا تعني الحرب الكونية في غزة؟ وهل كان الطوفان بداية النهاية لرسم شرق اوسط جديد وفوضى عالمية تولدت من إزداوجية المعايير؟

الحرب الكونية جاءت للتعبير عن عجز المخيلة العربية عن تخيل حجم الدمار الذي لحق بنا،وكأن الكون بأسره يحاربنا، فقد كان عاماً كاملاً توزع فيه الأكفان بالمجان، والعزف المنفرد والجماعي والثنائي على أحزاننا يأخذ سنفونيات جديدة ، في ظل صمت لقيط عند الموتى بلا موت.

مهما كانت النوايا من وراء الطوفان (غير المحسوب) وعدالة القضية الفلسطينية، وحقنا في تقرير مصيرنا ومقاومة الاحتلال، إلا أني أرى أنه كان ذريعة لتنفيذ مخططات لطالما فشلت في رسم شرق أوسط جديد، وخلق واقع سحب الجهود السابقة لاستحضار الحق الفلسطيني إلى الوراء..

تطرقت كذلك في كتابك عن رمزية الخيمة والتي باتت اليوم حلما للعديد من الأسر المشردة في قطاع غزة رغم صعوبة العيش فيها.. كيف أضحت الخيمة رمزا للنكبة الحالية في غزة؟ وماهو الفرق بينها وبين نكبة 1948؟

للخيمة والتي يطلق عليها بعض العامة من شدة الويل الذي يرافقهم في سكناها ب (الخيبة)، رمزية سلبية عندهم رغم أنها ساوت بينهم نتيجة للنزوح.

ورغم أن الأغلب جعل منها مكاناً للستر فقط فلا هي تقي من حر الصيف ولا من برد الشتاء، ورسمت مشهداً للتشرد لا يمكن أن يتخيله مجنون.

فهمي دليل على أنه لا بيوت لنا، وأننا لن نعود إلى الجدران، وإلى أنه لا شيء نخسره بعد أن وصلنا لها، وأننا غير قابلين إلا للشهادة.

وقد أضحت رمزاً للنكبة الحالية رغم أنها كانت رمزاً للنكبة عام 1948، لكن الفرق أنه في تلك الفترة لم يكن الناس قد وصلوا إلى هذا المستوى من المدنية والحضارة يجعلهم يشعرون بكل هذا الفقد عند الانتقال إليها، ففي عام 1948، قد يكون بعض الناس انتقل من الخيمة إلى الخيمة، ومن الطهي على النار والحطب إلى ذاته، لكن في 2023 الأمر يختلف إلى حد الشعور بانتهاء الحياة والبدء من جديد – في حالة النجاة من الموت.

مامعنى غابات الصمت في كم موتا يريدنا؟

غابات الصمت تعبير عن كثافة السكوت الذي ينتاب الأنظمة العربية وهي ترى جرائم الاحتلال وإبادتنا الجماعية صوتا وصورة، دون تحريك ساكن أو اتخاذ إجراءات تحرج هذا المحتل وتعري إجرامه..

 كلمة أخيرة 

رغم الوجع والألم والفقد والشعور بالضياع، إلا أنني مقتنع حد الاستسلام أن كل ما يحدث فينا ومعنا لحكمة يعلمها الله، فالحرب كاشفة ترد فيها بعض الحقوق، وتؤدب فيها بعض النفوس.

فلم أتوقع يوماً أقل مما فعله الاحتلال فينا كونه عدو مركب (سياسياً ، عقائدياً)، لكن ما لم أتوقعه البتة أن تكشف هذه الحرب كل هذا السوء فينا، وأن يتخلى الناس عن بعضهم بكل هذه السهولة وكأنها القيامة.

لم أتوقع يوماً أن أكره الخيمة إلى هذا الحد، وأن تصبح ذاكرتي قوية جداً إلى هذا الحد، ولئيمة بهذا الشكل الجنوني، لم أتوقع أن أتذكر كل المواقف المؤلمة والذكريات الجميلة بأدق التفاصيل، لتنهال علىّ المآسي دفعة واحدة، وكأنها سقف المنزل المهدوم.

لم أتوقع أن افتقد نفسي القديمة بنفس الطريقة التي أفتقد بها صديقاً عزيزاً، وبنفس الوجع الذي أفتقد به سماع صوت أمي الشهيدة، لم أتوقع أن يستهان بمكانتي بنفس الزخم الذي يدفن فيه الشهداء..

أصبح كل ما أريد وأتمنى هو العودة إلى الشخص الذي كنته من قبل.

صورة من غزة للكاتب الفلسطيني د. محمود عساف
https://anbaaexpress.ma/x0399

عبد الحي كريط

باحث وكاتب مغربي، مهتم بالشأن الإسباني، مدير نشر أنباء إكسبريس

‫2 تعليقات

  1. حال غزة مؤلم ووصف الكاتب صادق؛ وخذلان اهل غزة جاء من القريب قبل البعيد ؛ كم موتا يريدنا؛ قلبي معكم ؛اتمنى قراءة كتابك دكتور عساف وأسئلة المحاور كانت موفقة تحياتي لكما

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى