بقراءة سريعة للمشهد السياسي السوداني الراهن، “المأزق التاريخي وآفاق المستقبل” نحو الخروج من الأزمة السياسية في السودان ودلالات فشل مؤتمر “تقدُّم” بلندن قبل يومين نموذجاً لإدمان الفشل النخبوي من الطبقة السياسية السودانية الحاكمة قديماً وحديثاً، أقترح لحل الأزمة الراهنة بكل تواضع وجهد المقل الآتي:
أولاً: الطريق الثالث المأزق التاريخي وآفاق المستقبل
1 / تكوين جسم سياسي شعبي وطني يجمع ما بين الحد الأدنى لمطالب القوات المسلحة في رؤيته المستقبلية للبلاد وما بين الحد الأدنى للتوافق السياسي من الكتل السياسية الراهنة وفق مطالب الشعب (الحد الأدنى للقواسم المشتركة) دون إقصاء أو تهميش أو تقليل من أي دور إيجابي لأي كيان حزبي أو حركي.
2 / تطوير وتعميق فكرة المشروع السياسي لقوى الثورة ولجان المقاومة والشباب في تأطير كمالية الرؤية المستقبلية للسودان.
3 / تفعيل دور المنظمات الحقوقية في عملية التنمية المستدامة والعدالة الانتقالية.
4 / التوافق الوطني حول الثوابت الوطنية والمتغيرات السياسية المحلية بعد فصلهما عن بعض وفقاً لحركة المتغيرات السياسية الدولية بما يتماشى مع العقل السوداني.
5 / أن تكون قيادة المرحلة القادمة من المفكرين والمثقفين والمهنيين وصُنَّاع القرار وصولاً إلى الإنتخابات العامة.
6 / الحكم الفدرالي وتقسيم السودان إلى ستة أقاليم ذات حكم ذاتي وفقاً للخارطة الديموغرافية.
7 / التعاون الدولي في قضية الإعمار لما دمرته الحرب ارتباطاً مع قضية التعويضات وجبر الضرر للمتأثرين بالحرب وفق آلية يتفق عليها من المختصين القانونيين والمتضررين.
8 / بإعلان الجسم السياسي “الطريق الثالث” والاتفاق على المبادئ والسمات العامة يعلن انتهاء الحرب دون شروط مسبقة.
9 / إعادة برنامج الدمج والتسريح بالنسبة للحركات المسلحة وفقاً لشروط اتفاقية جوبا 2020.
10 / تشكيل حكومة انتقالية لتسيير الدولاب الحكومي لمدة لا تزيد عن سنة واحدة فقط يعلن بعدها الانخراط في عملية الإنتخابات العامة.
ثانياً: المأزق التاريخي وجذور المشكلة
يمكن تلخيصها في الآتي:
1 / واضح للعيان قضية الإشكال بين الهامش والمركز في قضايا معروفة منها البناء والتنمية المستدامة للأقاليم الأقل نمواً.
2 / تعدد الجيوش والمليشيات وفق القبلية والاثنية بدون أي خارطة سياسية أو برنامج وطني سواء للخارطة الديموغرافية أو لعامة الشعب ويجب إعمال قانون الدمج والتسريح في الملف الأمني عبر اتفاق جوبا بأسرع وقت ممكن.
3 / المظالم التاريخية والغبن الإجتماعي يحل عبر التنمية المستدامة وإقامة دولة المشاريع ودولة المواطنة بالتضامن المحلي والإقليمي والدولي للنهوض بالدولة والشعب من مرحلة التغابن لمرحلة التعاون.
4 / عدم اتفاق الحركات المسلحة على الحد الأدنى من تكوين أجسامها السياسية منفردة أو بالتضامن مع بقية الأحزاب السياسية في المشهد السياسي السوداني منعاً لتكرار التشظي الحركي مستقبلاً في ذات المناطق أو غيرها.
5 / على القوات المسلحة السودانية إعادة النظر في قانون الانتساب إلى الكلية الحربية ومنع تسلل الأدلجة الفكرية والسياسية لمنظومة القوات المسلحة.
6 / عدم المحاكمة العادلة والناجزة للمتسببين في الحرب سواء بالوكالة أو بالمباشرة وكل من تثبت إدانته أدَّى لما يحدث اليوم وأمس وغداً ويجب تقديمهم للقضاء السوداني المستقل وأن تكون المحاكمات معلنة على الفضائيات وفقاً للقانون داخل البلاد لا خارجها بما يدلل على حيادية القضاء المستقل وإعادة هيبة الدولة وسيادة القانون.
7 / التخاذل والتكاسل والتقاعد والتسويف من المجتمع الدولي والحكومة الحالية عن الاستعداد الجاد لعملية العودة الطوعية وإعادة النازحين والمهجَّرين قسرياً، يجب توفيق أوضاعهم وتهيئة البيئة السكنية من خدمات أساسية لاستقبالهم مع جبر الضرر والمعاوضة المناسبين.
8 / تفاقم وتراكم وتزايد عدم معالجة قضايا النزوح واللجوء والعالقين والمفقودين والجرحى والشهداء إدارياً وفنيَّاً ومالياً وعدم إعادتهم لديارهم أحد الإشكالات الأساسية، فيجب حلها عبر الطرق المعروفة انفراداً أو تضامناً مع المجتمع الدولي مع التعويضات والاستحقاقات المناسبة وجبر الضرر بالتعاون مع المنظمات الدولية والحقوقية والمختصين.
9 / التذاكي والتحذلق والالتفاف السياسي السالب القميء على الشعب الثوري المناضل حول عدم تشكيل برلمان مؤقت بالاتفاق مع الجهات المعنية لسن القوانين والتشريعات وتحقيق العدالة الانتقالية أدَّى عن قصد لما يسمى بمشروع “الاتفاق الإطاري” ويجب وضعه من أولويات تفاقم الإشكالات المقصودة في حد ذاتها منها الحرب العبثية الآن.
10 / عدم إعادة النظر في قضية التوزيع العادل للسلطة والثروة أحد أهم مسببات الآزمة القديمة المتجددة وحلها يكون وفق التوزيع الجغرافي والإحصاء السكاني الممنهج بخطط ممرحلة تمنع تدوير تكوين مليشيات جديدة وتعمل على تأهيل البنى التحتية في كل مكان.
ثالثاً: آفاق جديدة مستقبلية
ويمكن تلخيصها في الآتي:
1 / إزاحة كل الشخصيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحركية من المشهد السياسي فوراً عبر الآليات المعروفة.
2 / إزاحة كل الأحزاب السياسية والقوى المدنية القديمة المهترئة حال تكوين الطريق الثالث الجديد من المشهد السياسي في السودان.
3 / العفو والتنازل عن المظالم والغبائن أقرب الطرق لإحلال السلام ووقف الحرب لتبدأ صفحة جديدة من تاريخ السودان الجديد “فمن عفا وأصلح فأجره على الله”
4 / على المجتمع الدولي إعفاء السودان من الديون وأن يعمل على الإسناد من أجل التعافي الاقتصادي والاجتماعي.
5 / إعادة النظر في المناهج التعليمية لكل المراحل الدراسية والجامعية وفوق الجامعية وفق خطة بعيدة المدى أساسها الفكر والعدالة والمواطنة والحقوق والواجبات والحرية والسلام.
6 / الحريات العامة وحقوق الإنسان في القانون المدني والجنائي مراجعات واضافات وحذوفات وتعديلات.
7 / قانون الصحافة والإعلام والمطبوعات والمصنفات الأدبية والفنية، ضبط وإعادة النظر في القوانين والتشريعات واللوائح المنظمة للعمل.
8 / قانون الخدمة المدنية والخدمة العسكرية والنظام العام والجنائي لسنة 1991 وكل القوانين والتشريعات ذات الصلة مراجعتها للجهات المختصة لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة حيال التعديلات الدستورية والحذف والإضافة والتغيير وفقاً للمتغيرات الحياتية والمطالب الشعبية ومواكبة العالمية بما لا يتعارض مع الدستور.
9 / حسم الخلاف حول الهوية الوطنية والحريات والتنظيمات السياسية والثوابت الوطنية والعلاقات الدولية مع مراعاة المتغيرات السياسية داخلياً وخارجياً والنزاعات القبلية والحدودية ومناطق التماس (راجع الدستور السوداني المؤقت لسنة 2005).
10 / معالجة الاقتصاد الوطني بزيادة الناتج المحلي الإجمالي من كل المنتجات الزراعية والصناعية والحيوانية والصادرات والواردات ومدخلات الإنتاج وزيادة الاستثمار ورفع قيمة العملة الوطنية ومعالجة التضخم والعطالة وعموم منظومة الاقتصاد الوطني تماشياً مع حركة الإقتصاد العالمي.
رابعاً: هذه الوجوه لا رغبة فيها البتَّة
ويمكن تلخيصها في الآتي:
1 / القيادات العسكرية والأمنية والمنظمة العسكرية الحالية عموماً ومعالجتها وفقاً لرغبة الشعب والجسم السياسي الجديد.
2 / قيادات الإخوان المسلمين والتيارات الإسلامية بمختلف مستوياتها ومسمياتها ومعالجتها بإعادة النظر في مفهوم الشريعة الإسلامية والفقه الديني بإعمال الفكر الإنساني والقيم الأخلاقية الإنسانية المثلى والقانون الدولي ومراجعة وتصويب كتب التراث الإسلامي تماشياً مع مفهوم التجديد والبعث الحضاري وإعادة صياغة مفهوم الدولة الدينية الجهادية ومنع الإرهاب الفكري والنفسي والتفريق بين علاقة الدين مع الدولة وخلافه.
3 / قيادات الحركات المسلحة جملة وتفصيلاً ومعالجتها عبر الانتخابات العامة ومطالبتها من الشعب والمناطق التي تتحدث باسمها بالبرنامج الوطني والخطط المستقبلية التي من أجلها رفعت السلاح سلباً أو إيجاباً.
4 / قيادات الأحزاب السياسية العجوزة المعروفة جملة وتفصيلاً ومعالجتها عبر مطالبتها بتطبيق وتحقيق الديمقراطية في نفسها وتقديمهم للمحاسبة والمحاكمة من قبل جماهيرهم فهم أحد أهم مسببات التخلف والحروب لرؤيتهم القاصرة تجاه الشعب وتجاه منتسبيهم “النخبة السودانية وإدمان الفشل”.
5 / قيادات الواجهات السياسية ما بعد الثورة وبالتحديد أجسام قحت وتقدم والمهنيين والكذَّابين ومعالجتها عبر انخراطهم في الجسم السياسي الطريق الثالث برؤية متفق عليها أو عزلهم عن العمل السياسي بعد محاسبة كل من تثبت إدانته على جناية الحرب والسحل والاغتصاب والتشريد والقتل وسفك دماء الأبرياء تحقيقاً للعدالة الانتقالية وقيم الشعب وشعارات الثورة المناهضة للظلم والديكتاتورية والشمولية.
6 / قيادات لجان المقاومة والثورية الفوضجية ومعالجتهم عبر الانخراط والتذويب داخل الطريق الثالث بتبني آراءهم المشروعة والمقبولة والمؤسسة على الفكر الحر والمطالب المستحقة.
7 / قيادات المعارضة السياسية أيَّاً كانت للطريق الثالث بمختلف مسمياتها ومستوياتها عبر تذويبهم بتبني برامجهم الوطنية – إن وجدت – وأفكارهم الديمقراطية في الجسم السياسي الجديد.
8 / المنتفعون والمتملقون والمفسدون وسماسرة السياسة وتجار الحروب وعملاء الجهات الخارجية وزبانية النظام البائد وأضرابهم وأشباههم وردعهم بتنفيذ القانون فوراً ومحاكمتهم محاكمة عادلة وناجزة اقتصاصاً وإعادة ما نهبوه من قوت الشعب ومعذبي الأرض وآكلي أموال الناس بالباطل وقاتلي الأبرياء تحقيقاً للقانون وإرساء لدعائم العدالة وقطع الطريق لكل من تسول له نفسه بتكرار النهب والإفساد وإشعال الفتن بذات التجربة بعديد الطرق.
9 / إعادة الفارين من السجون والمهربين عبر الحدود مع دول الجوار وكل من أسهم في خلق ما يسمى بـ 9 طويلة عبر الطرق القانونية المتعارف عليها ومحاكمتهم عدلاً ونفاذاً.
10 / قيادات الجماعات الإسلامية والحركة الإسلامية بتفعيل قانون العقوبات ومكافحة الإرهاب وسلامة النظام العام وتقويض الدستور.
خامساً: شروط ومتطلبات تكوين الجسم السياسي الجديد
وهو الطريق الثالث الذي نأمل أن يكون مخرجاً للبلاد والعباد من مأزقهما الراهن في كل المجالات الحياتية ويمكن تلخيصها على النحو التالي:
1 / أن يكون حاملاً الضمير الحي الوطني الغيور على الدولة وممتلكاتها ومكاسبها القديمة والجديدة.
2 / أن يكون حاملاً الضمير الإنساني الذي يراعي القيم الأخلاقية والمثل العليا وحسن المعاملة والسلوك.
3 / أن يكون حاملاً للخبرات في مجال تخصصه بعيداً عن التعصب الذاتي أو الجهوي أو المحسوبية أو المخاصصة أو خلافه وقادراً على تحمل المسؤولية الشخصية والوطنية.
4 / أن لا يكون محسوباً على أي جهة سياسية أو تنظيمية أو حزبية أو حركية أو عسكرية أو ما أشبه داخلية أو خارجية.
5 / أن يكون له خطط وبرامج فاعلة ومؤثرة وناجزة وسريعة تخدم مصالح الشعب وتلبي طموحاتهم في أسرع وقت ممكن.
6 / أن لا يتقاضى على وظيفته أي مخصصات أو امتيازات مالية أو عينية أو الاثنين معاً خلاف راتبه الشهري الأساس يكفيه حد الكفاف فقط.
7 / أن يكون متجرداً ومتفانياً لخدمة الوطن والشعب محافظاً على النسيج الاجتماعي والعرف القويم ومؤسسات الدولة ومنافعها جالباً للمصالح مانعاً للمضار.
8 / أن يكون قادراً على الوفاء بالالتزامات والعهود والمواثيق جملة وتفصيلاً داخلية وخارجية وأداء الواجبات وارجاع الحقوق والحريات الأساسية لأهلها دون مماطلة أو تسويف أو استغلال للقانون والوضع الدستوري.
9 / أن لا يحمل أي ايدلوجية تنظيمية أو منهجية أو فكرية أو دعوية أو حركية أو دعاوي انفصالية ويتم إبعاد كل من يخالف ذلك وفقاً للقانون بعد محاسبته ومعاقبته على كل ما اقترفه في حق الوطن والمواطن.
10 / أن يكون منضبطا أخلاقياً وسلوكياً وعملياً ملتزماً بالقانون وخدمة الشعب ومنفعة الدولة.
راجع كتبي الآتية:
– نظام الحكم في السودان
– السودان الجديد
– الفكرة الإنسانية العالمية