هي البديل الثاني لمصطلح السكرتيرة زوجة المدير العام كما جرت العادة أن تعرف فكما للمدير العام زوجة كاملة الدسم بدون رباط شرعي تقوم مقامه، وتحل محله وتنوب عنه في كل المحافل والاجتماعات وتباريه حيثما ذهب وتجاريه في كل صغيرة وكبيرة.
فكذلك للسيد المثقف العام أو قل للمثقف النوعي زوجة ثقافية – وليست زوجة مثقفة – من ذات الطراز لها نفس الصلاحيات والمميزات لا تقل عن صاحبتها تلك بحال من الأحوال، وهذه المصطلحات التي أطلقتها أنا الآن – شعبان البرهان – بناءً على رغبتها هي في ذلك الاصطلاح حكر خاص مختوم بالشمع الأحمر للمثقف النوعي وتلك التي عمداً لا أسميها، قال الشاعر زهير بن أبي سُلْمى:
أُكني بغير اسمها وقد علم * الله خفيات كل مكتتم
وحتى لا يتبناها من يدعيها بدون وجه حق وإرجاع لحقوق الملكية الفكرية لصاحبها الذي هو أنا العبد لله شعبان البرهان بعد إذنها طبعاً فلا بد من إذن مكتوب من صاحب براءة الاختراع أولاً وأخيراً وقد نلته.
حقيقة الأمر أنا متابع للأعمال الثقافية والفنية والسياسية وحركة النشاط المجتمعي في أغلب نشاطاته منذ الصغر بشكل ادماني – بعيد عنك – ما عدا الرياضية بعامة وكرة القدم على وجه الخصوص، فأنا أكره كرة القدم جداً منذ الصغر وأجهل الناس بها جملة وتفصيلاً ولا أعرف عنها مثقال ذرة من فهم بدون مغالاة، لكني خبير ببقية النشاطات الثقافية راغب فيها حد الثمالة وأجد حياتي بينها ونفسي التي بين جنبي فيها حد النخاع..
فلاحظت طيلة الخمس وثلاثين سنة الماضية لسيدات مرافقات لكبار الشخصيات التي كانت تتحدث إلينا في المجالس العامة والخاصة ولجهلي التام وبراءتي الفطرية بهن كنت اظنهن زوجاتهن أو إحدى الأقرباء حتى اتضحت لي الرؤية بعد لأي إبَّان وجودي هنا في القاهرة بصورة لم يسبق لها مثيل كم أنا مغفل وعبيط إذ هي زوجة المثقف الهمام وأنا لا أدري.
المشكلة ليست هنا إذ أصبحت في أغلب الظن عرفاً اجتماعياً لا غبار عليه ولا تثريب وكل من لم تكن له أو لم يكن لها زوج أو زوجة ثقافية اتهم بأنه غير مرغوب فيه وغير متحضر مهما عليت ثقافته وعلمه إلا من رحم ربي زول ما دسييس وأنه ضعيف العلاقات الاجتماعية الخاصة ولا يهتم بالبروتكول الاجتماعي المزيف؛ وفي رأيي الشخصي هذا ليس بعيب إنما العيب أن لا تكون لك أكثر من زوجة ثقافية واحدة للاستعانة بهن في عديد المناسبات “نظام عالمي ثقافي جديد”.
هذا؛ الإشكال الحقيقي هو أن لا تعرف زوجتك المخلصة الوفية الشرعية هؤلاء الزوجات فتلك مصيبة بلا شك ومعرفتها خير لك من جهلها كي لا تتفاجأ يوماً ما بأنَّ هناك شريكات لها في حياتها الزوجية الحقيقية الطبيعية وهي لا تعلم فتكن مصيبة؛ نفسها القضية مع السكرتيرة الزوجة الثانية للمدير العام.
مرة كنت في ندوة قبل ثلاث سنوات هنا بمصر وحضر شاعر سوداني كبير بل شاعرين سودانيين كبيرين جداً وأول ما مددت يدي للتحية لهذين الشاعرين وجدت إلزاماً علي بأن أحيي من بجانبهما من مثقفات ياور بذات المستوى – كنت مغفل شديد – وفعلاً من الإيحاء لي من قبل الشاعرين – فلان الفلاني وفلان الفرتكاني – بإلقاء التحية صافحتهن بكل لطافة وكانت بجانبي صديقتي..
وفعلا صافحتهن وما هو إلا قليل حتى شعرت بأن لا علاقة للشابة تلك وتلك بالشاعر لا هذا ولا ذاك وكانت تنظر إليه بإثارة غريزية / عفنة خالص لا تخلو من ريحة الخيانة فتأمل / شديدة كلما همَّ أن يقوم من مجلسه لغرض ما فكأنما هي القابضة على جمر القضية..
وأنسى ما أنسى تلك الفتاة السمراء التي صاحبت شاعرنا الشهير الوجيه ذاك حتى محطة مترو محمد نجيب بوسط البلد وهما يمسكان بيدي بعضهما في شعور رومانسي فظيييع؛ وسواء استنكرت هذا الصنيع أم لم تستنكره فأنت في الحالتين مغفل فهذا برستيج اجتماعي ضرووووري يا مثقف فافهم.
أنا شخصياً لم أتبن هذه الزوجة الثقافية ولكنها هي التي تبنَّتني في عديد المحافل الدولية علماً بأنها ناشطة ثقافية وفنية صحافية عجيبة لكن لا كبير علاقة لها بالأدب وشعر السُليْك بن السُلُكَة والسُلُكَة أمه كما تعلم وعبد بني الحساس الذي هو من أشعر الناس اقتيد فقتل لأنه تشبب بابنه عمه، والوأواء الدمشقي وشعره قليل واسمه غريب ولا خطب أكثم بن صيفي ولا قُس بن ساعدة الإيادي ولا سوق حنو أحد أسواق العرب قديماً مثله مثل سوق ذي المجاز وعكاظ وخلافه؛ قال قطري بن الفجاءة:
ستذكر أيامي نمير وعامر * وكعب على علاتها وكلاب
لكن كلاب بني كلب لا تعرفها وأنا أعرف أغلب كلاب بني كلب إذ هي قبيلة عربية اندرست وكلاب هذا الحي أحياء ورغم هذا تعرفها المجالس بمعرفة المجالس لي فأخذتْ نصف شهرتها من العبد لله والنصف الآخر منه أيضاً.
بعض هذه الزيجات الثقافية الشكلية قد تنجح بزواج حقيقي شرعي كما حدث مع الصحافية الشهيرة في زمن الإنقاذ مع مالك الصحيفة الأشهر؛ وأكثرها ينتهي بنهاية مراسم الحفل والصور التذكارية والأمثلة كثيرة؛ لكن دعني أحكي لكم عن زوجتي الثقافية هذه.
قلت لها ونحن ذاهبان إلى ندوة مهمة جداً بمدينة المهندسين إحدى أجمل المدن القاهرية الساحرة أنه سوف يتم تعييني في وظيفة حكومية رسمية مرموقة جداً وغالباً هذه آخر اللقاءات الحميمية التي تجمعنا.
دار هذا الحديث ونحن واقفان انتظاراً للأتوبيس وليتني لم أفعل؛ ولم أقل لا صرفاً ولا عدلاً؛ فما كان منها إلا أن تصرفت بحركة عفوية جداً فتشعبطت فيَّ في الشارع المصري العام وضمتني بالأحضان الدفيقة ومسكت في البتاع وقالت:
_ حلَّفتك بالذي جعل الأرض منفى أن توظفني معك ” انت مش عارف إني زوجتك الثقافية”.
_ أيوة عارف؛ لكنك جيتي من السودان الأسبوع الفات تهريب وقلتي كرهتيه وكرهتي حميدتي سبب الأذى فكيف ترجعي تاني؟.
_ معاك بمش أي مكان في الدنيا بس المهم أكون معاك؛ ما بعرف تسوقني بس معاك تهريب تصدير تعقد علي أي شي المهم أكون معاك.
لاحظ وما زالت متشعبطة وممسكة في البتاع.
_ كدي فكيني شوية؛ عيب الكلام ده نحن في الشارع العام الناس تقول علينا شنو؟.
_ يقولوا البقولوه ما يهمني.
_ طيب انت عاوزة تكوني معاي حباً فيني ولا رغبة في الوظيفة.
_ الاتنين.
_ كضاااااابة انت ما بتحبيني انت بتحبي المظهر العام والبرستيج وانت باردة عاطفياً وغير رومانسية حتتاً بتتاً تذكري لامن قلت ليك اكتبي عني أي حاجة في الحب وانت رفضتي.
_ أرجوك ما تفهمني غلط؛ كنت مشغولة بس ما أكتر
_ طيب خلاص نخلي الموضوع ده لبعدين انا بتصل بمجلس السيادة وأرجع ليك.
في هذه اللحظة الفارقة والفارغة جداً جاء الأتوبيس يمشي الدألا وركبنا في الجو ذات أجنحة وهاك يا حب وهاك يا كضب، قال الشاعر القديم يحكي عن لسان الضب في كتاب “الكامل في اللغة والأدب” لأبي العباس المبرد؛ فقال الضب الكبير للضب الصغير:
أهدموا بيتك لا أبالكا
تمشي الدألا حوالكا
والدألا ضرب من السير بطيئ وهذا البيت من شوهد النحو كما تعلم أخي القارئ الكريم.
هذا! الإشكال ليس ههنا الإشكال الأكبر في الزوجة الثقافية الثانية التي تغير حد الموت من الأولى – ضرَّات بمعني الكلمة – فما على المثقف الحصيف إلا أن لا يجمعهن معاً في مكان واحد فهذه مصيبة بلا شك وجريمة لا تغتفر بحق الرومانسية الزائفة والزوجة الحقيقية التي تنتظرك بالعشاء حتى آخر الليل وقديماً قيل: النسيبة مصيبة معلقة في السما بسبيبة إذا انقطعت السبيبة وقعت المصيبة.
لا أظن أننا ذهبنا لتلك الندوة فقد شغلتنا شواغل.
فما رأيك يا صاح.