آراءمنوعات
أخر الأخبار

الكلمات الأخيرة قبل الموت !

أذكر من زوجتي ليلى رحمها الله أنها كانت تتمنى أمرا واحدا في عالم الآخرة أن تكحل عينيها بمعرفة أسرار التاريخ وأن تكون الآخرة عامرة بالكتب!

(لقد تعلمت من الفيلسوف (ليبنتس Leibnitz) الكثير وبقي الكثير ما لم أعرفه، ومع الموت سوف يكشف الغطاء عن عيني لفهم العديد من الحقائق التي غابت عني ولم يتمكن ليبنتس من شرحها لي).

هكذا يروى عن الأميرة (صوفيا شارلوتنبورج) في لحظاتها الأخيرة قبل أن تغمض عينيها للرقاد الأبدي. يقول القرآن فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد؟

هذه اللحظات الفريدة من فم عظماء وأنبياء وحكماء وفلاسفة مثيرة جدا، دفعت عالم اللغات (الفلولوجيا) من هامبورج في ألمانيا (كورنيليوس هارتس Cornelius Hartz) لوضع كتاب يتتبع هذه الكلمات الأخيرة والمثيرة من حياة الرجال المهمين وهم يغادرون مسرح الدنيا إلى الموت والاندثار. يتتبعها ليتأكد من صحة ما قالوه وهم على فراش الموت بعد أن راج استعمالها على ألسنة العوام.

ظهر هذا الكتاب النادر والمثير من دار نشر (فيليب فون تسابرن Verlag Philip von Zabern)  بـ 160 صفحة وسعر 20 يورو. وأشارت إليه كالعادة مجلة در شبيجل الألمانية في عددها (13\ 2012م).

هذا العالم الفلولوجي حركته عبارات هامة من أفواه الرجال العظماء فحاول تتبعها ليصل إلى نتيجة صادمة تنشرها مجلة در شبيجل تحت عنوان مقالة (وداع كاذب (Falsher Abschied) (صفحة 117).

ذكر الرجل في كتابه أقوال عشرات الناس المشهورين من المحدثين والقدامى؛ العالم (أرخميدس) والشاعر (جوته) والموسيقي (بيتهوفن) ونبي الشيوعية (كارل ماركس) و(أديناور) محقق المعجزة الألمانية بعد الحرب الكونية، وصاحبة الملابس الأشهر (كوكو شانيل) والممثلة الألمانية المشهورة التي مثلت أيام النازيين ثم انتقلت لأمريكا (مارلين ديتريش) والفكاهي (جروشو ماركس) وكلا من الكاتبين المشهورين (برتولت بريشت) و (توماس مان) والفيلسوف الشاعر الألماني (هاينه) والروسيين الروائيين (تشيخوف) و(تولستوي) وصولا إلى قيصر الإمبراطورية الرومانية المقدسة جوزيف الثاني. وفيلسوف التنوير (ايمانويل كانط).

وأنا أضيف من عندي لحظات وميضات من حياة روائع من الرجال والقواد والمفكرين.

أذكر بأسف نهاية عمرو بن العاص حين اعترف وبكى في لحظات موته الأخيرة أنه قادم على الله ولا يعرف مصيره؟

لقد كنت ثلاثا: في الجاهلية ولو مت لكنت في النار كافرا ثم أسلمت ولو مت لكنت في الجنة مع الصديقين. ثم انتهينا إلى أمر (الصراع السياسي ومعركة صفين) لا نعرف أين ننتهي؟

أذكر جيدا كتاب نشرته صحفية من مصر عن لحظات إعدام المجرمين وشنقهم وتعلمت منها كلمة الشناق (العشماوي) وماذا قالوا في لحظات وداعهم الأخيرة.

كان كتابا مثيرا لهذه اللحظات الأخيرة وظهرت فيها شخصيات كل إنسان على حقيقته بين من جُرَّ على وجهه إلى المشنقة، ومن استقبلها وهو ضاحك، وبين من قال: ما أجمل الحياة لقد أخطأت.

أذكر من زوجتي ليلى رحمها الله أنها كانت تتمنى أمرا واحدا في عالم الآخرة أن تكحل عينيها بمعرفة أسرار التاريخ وأن تكون الآخرة عامرة بالكتب!

متعة هذا الكتاب أنه ينقلك من برزخ الدنيا إلى الآخرة ولحظة وداع الحياة إلى الفناء الأبدي. كيف رأوا الدنيا؟ كيف نظروا إلى العالم الذي يتملص من أيديهم كل لحظة وتنطفئ لمعته؟ كما قال الشاعر أبو العتاهية:

ليس تمض من لحظة بي إلا نقصتني بمرها في جزوا.

هل من ندم؟ هل من توبة؟ هل من فرح باستقبال عالم جديد والتخلص من هذا العالم المليء بالحزن والألم والقلق؟

إنها تجربة جميلة تستحق أن يشتغل عليها الإنسان ويخرج لها كتابا موعظة للغافلين وتحقيقا لروايات المتكلمين والمدلسين.

يقول كورنيليوس إن النسبة الوسطية لصحة الأقوال لا تزيد عن 10% بالمائة ويستخدم جملة تذكر بالشعر الألماني هي (Trug und Lug bis zum letzten Atemzug).

ترجمتها كلها كذب وتدليس حتى النفس الأخير !

في الكتاب الجديد الذي نشر للعالم الفلولوجي (كورنيليوس هارتس) لم يصح ما نقل عن أرخميدس حينما فاجأه الجنود الرومان بعد اقتحام قلعة صقلية في الحرب الدائرة فصاح بالجندي لا تعبث بدوائري؟ كان غارقا في عالم الرياضيات وهو الذي أحرق ودمر سفن الرومان بطرق رياضية ورافعات بل وبلورات حارقة بأشعة الشمس.

فليس غريبا إذن أن يطعنه الجندي الروماني بخنجر الموت. كذلك لم يصح ما نقل عن كارل ماركس أكثر من 70 % من قوله: ماذا أقول قبل الموت إنهم الحمقى الذين لم يقولوا شيئا كل حياتهم حتى يتحدثوا بالحكمة في لحظات موتهم؟

هذا يذكرني بقصة هامة من تاريخنا عن لحظات موت نبي الرحمة ص حين قال لمن حوله هاتوا لي كتابا أكتب لكم كي لا تضلوا بعدي! تقول الرواية وهي موجودة في صحيح البخاري أن عمر ر قال يكفينا كتاب الله. وعند هذه الرواية يجمح الخيال الشيعي ويقولوا لقد كان في طريقه لتولية الخلافة من بعده لعلي؛ فهذه هي أحد نقاط الخلاف الشيعي السني التاريخي.

نحن طبعا لا نعرف ماذا كان سيكتب على فرض وقوعه. لكن الأكيد أنه كان تحت تأثير الحمى صلى الله عليه وسلم كما نعرف. تلك الحمى التي بقيت تضرب جسده الشريف حتى فارق الحياة.

ما يهمني من هذه الرواية أن لحظات الوفاة الأخيرة والكلمات الأخيرة قد تشكل مفصلا في تشكيل العقائد بل ومصائر الشعوب؛ فمثلا جنكيزخان الفاتح الأعظم سقط من الحصان وأصيب بالحمى وشعر بدنو الأجل وكان له ثأر مع قبائل التنجوت فأوصى في لحظات موته الأخيرة بالقضاء المبرم على قبائل التنجوت. القضاء عليهم ذبحا لكل كائن حي حتى القطط والكلاب وقد نفذ أتباع جنكيزخان الوصية بحذافيرها فلم يبق مخبر من قبائل التنجوت.

في مثل مشابه حاول هتلر في لحظات وداعه الأخيرة وهو يرى تهاوي الرايخ الثالث أن يدمر كل ألمانيا لأنها في نظره لا تستحق البقاء تحت مسمى الداروينية الجديدة البقاء في صراع الوجود فأوصى وزير التخطيط (شبير) أن يهدم كل البنية التحتية لألمانيا حتى لا يبق شيء اسمه الشعب الألماني. سمع شبير التعليمات بدقة وإصغاء ثم انتظر أياما قليلة حتى علم أن الفورر (Fuehrer) الزعيم قد انتحر مضاعفا بالسيانيد والرصاص مع عشيقته ايفا براون.

في مثل هذا الوضع النفسي راهن وزير الدعاية النازي (جوبلز) على نفس الخطة الهتلرية أن الحياة لا تستحق أن تعاش بعد الفورر وبالتالي حكم بالإعدام على نفسه وعائلته فانتحر هو وزوجته وسمموا أولادهم الستة وأوصى بحرقه بعد الموت فبقي جثة مشوهة.

في مثل هذه الأجواء الانتحارية لا يستبعد الآن في سوريا أن يحدث شيء شبيه بهذا في لحظة من لحظات اليأس ذلك أن النظام البعثي يمشي في خطة انتحارية إلى الهاوية وسيأخذ معه كما قالت الصحافة الإسرائيلية مع بداية الأحداث الكثير من أرواح الشعب السوري إلى الهاوية المحتومة. فهل سنكون شهود نهاية البراميلي؟

https://anbaaexpress.ma/c4acz

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى