آراءسياسة

نهاية أمريكا.. ونهاية الديكتاتوريات العربية

فلم يمر على أمريكا وقت كما هو حالياً تقاتل في كل جبهات الأرض بنفس الوقت وتضع نفقات للتسلح والحروب يتجاوز مجموع العشر دول

في عام 1976 م خرج المؤرخ الفرنسي (ايمانويل تود Emmanuel Todd) على الناس بكتاب مثير يحمل عنوان (ما قبل السقوط) يتنبأ فيه بسقوط الاتحاد السوفيتي. وهو الآن يفاجئنا بكتاب جديد يحمل (نعوة القوة العالمية الأمريكية)؟ وهو أمر حاصل بغض النظر عن مصير طغاة العالم العربي.

وفي المقابلة التي أجرتها معه مجلة در شبيجل الألمانية قال إن أمريكا تعاني من كل (الأعراض الوصفية) التي تسم مرض انحدار القوى العظمى. فأمريكا يحصل فيها تحلل داخلي ولا ينتخب معظم الناس وتحكمها تدريجياً قوة أولغاريكية عسكرية.

والذي يرى ظواهر الأمور فإن أمريكا تشبه جوليفر في جزيرة الأقزام (ليلي بوت) فهي العملاق الاقتصادي الأعظم في العالم ومقابل 4.5% من سكان العالم فهي تنتج 31% من الاقتصاد العالمي. والإنتاج السنوي لها يبلغ 10455.6 مليار دولار. وهي تضم 290 مليون نسمة في أرض تتمتع بكل المناخات في خمسين ولاية من المحيط إلى المحيط.

ومنها ينال جوائز نوبل أكبر عدد من العلماء. وهي تملك أعظم ترسانة أسلحة لم يحلم بها زيوس رئيس آلهة الأولمب أيام أثينا. ولكن معادلة التاريخ اليوم غير أيام تيمورلنك ونيرون.

وفي التحليل الذي نشره (ايريش فولات Erich Follath) و (جيرهارد شبورل Gerhard Spoerl) في مجلة الشبيجل الألمانية 12ـ 2003م فأن العجز الاقتصادي في أمريكا سيرتفع في السنوات العشر القادمة من 500 مليار حالياً إلى 1.8 تريليون دولار وهو ما يذكر بصيحة الفزع التي أطلقها قبل عدة سنوات كل من (هاري فيجي Harry E.Figgie) و(جيرالد سوانسون Geral.Swanson) في كتابهما (الإفلاس الأمريكي The Coming Collapse of America and how to Stope it?) حيث تنبأ منذ عام 1995 أن العجز الأمريكي في طريقه إلى أن يأخذ مخطط (عصا الهوكي) بمقدار 13 تريليون دولار بعجز يفوق طاقة أي أمة.

هل نحن شهود تراجع أعظم إمبراطورية عرفها الجنس البشري حتى الآن لتصبح دولة من الدرجة الثانية كما يتنبأ لها بذلك المؤرخ الأمريكي باول كينيدي؟ بأن كل القوى العظمى في القرون الخمسة الفارطة أصيبت بنفس المرض ودلفت إلى القبر بنفس العلة وهي ظاهرة (فرط التمدد الاستعماري Expansion).

فلم يمر على أمريكا وقت كما هو حالياً تقاتل في كل جبهات الأرض بنفس الوقت وتضع نفقات للتسلح والحروب يتجاوز مجموع العشر دول التالية لها في النفقات (وهي أرقام تزداد مع الأيام) فهي تدفع 329.1 مليار دولار لآلة الحرب مقابل روسيا 65 مليارا والصين 47 واليابان 40.3 وبريطانيا 35.4 وفرنسا 33.6 وأقلهم ألمانيا وهي تنفق 27.5 مليار دولار.

وهو ما يذكر بنموذج (دولة آشور) التي ماتت (مختنقة في الدرع) على حد تعبير (توينبي) فاحدى الكوارث العارمة التي أودت بأقوى دولة في غرب آسيا كانت حماقة الروح الحربية.وانتبه المؤرخ البريطاني (توينبي) إلى هذا التحول في مصير الأقلية (المبدعة) التي تبني الحضارة حينما تندفع الأكثرية خلفها بآلية (المحاكاة) لتنقلب بعد حين إلى أقلية مسيطرة تسوق الناس بالإكراه و(الكرباج).

ويكشف (شينتارو أيشيهارا) في كتابه (اليابان تقول لأمريكا: لا) عن سر هام في موضع التفوق العسكري أن (الهاي تيك) أي التكنولوجية العالية لم تعد تنتج في أمريكا وأن دقة تصويب الصواريخ الذكية تحتاج إلى ميكروشيبس يصنع في اليابان.

ويقول (روبرت غرين) في كتابه (قوانين القوة) تحت القانون 47 أن أخطر ما يواجه الإنسان «الغطرسة والثقة المفرطة وبالذهاب إلى أبعد مما ينبغي فيخلق أعداءً أكثر من الذين يمكن دحرهم» فلا تدع النجاح يدير رأسك. فهذا الضبط للنفس شبه إلهي.

ولم يقتل الإمبراطوريات شيء مثل شهية التوسع.ومما يرويه لنا التاريخ قصة قورش العظيم الذي فقد حكمته في آخر عمره فدمر تدميرا. فقد سطع نجمه عام 599 قبل الميلاد ثم مد نظره إلى قبائل (الماسا جيتاي) الهمجية عند بحر قزوين وهناك أرسلت له (توميريس) ملكة الماسا جيتاي رسالة تقول فيها «يا ملك الميديين أنصحك بالتخلي عن المشروع وليس عندي خزائن ولكنك بالطبع سترفض نصيحتي لأن آخر شيء تتمناه أن تعيش بسلام» ولكن قورش ضحك من قولها ودبر لهم مكيدة وقع فيها (سبارغا بيزيس) ابن الملكة في الأسر.

فأرسلت له الملكة تستعطفه أن يعيد لها ابنها وتعطيه ثلث المملكة ويرجع وإلا “فإنني اقسم بإله الشمس أن أعطيك دماً أكثر مما تستطيع شربه”. فرفض. ولما أن شعر ابن الملكة أنه لن يطلق سراحه لم يطق الإذلال فقتل نفسه.

وعندما علمت الملكة بموت ابنها علتها الأحزان وقاتلت قورش بيأس فهزمته وقتل قورش في المعركة فلما وجدت جثته قطعت رأسه ثم دسته في زق جلدي للشراب مملوء بالدم صائحة «انظر كيف انفذ تهديدي فلديك ما يشبعك من الدم».

ومن الغريب أن خطوط التماس كما يراها (توينبي) بين البرابرة والحضارات تميل لكفة البرابرة.والتاريخ يقص علينا من نبأ الأولين وأن أمريكا لن تكون بدعاً من الأمم فقد هلكت قبلها أمم وانقرضت حضارات.

إن قانون موت الحضارات وانهيار القوى العظمى ينص عليه القانون الثاني للديناميكا الحرارية الذي صيغ لأول مرة عام 1829م على يد الفرنسي (سادي كارنو Sadi Carno) وهي تدعى في العمل الهندسي بالتآكل وفي البيولوجيا الشيخوخة وفي الكيمياء التحلل وفي علم الاجتماع الفساد وهي في التاريخ الانحطاط.

ونهاية أمريكا تعني نهاية الديكتاتوريات العربية فهي التي ساعدت في الانقلاب البعثي عام 1963م وأمريكا هي التي أمدته بالتكنولوجيا والخبرة العسكرية في أعلى المستويات في الحرب مع إيران بما فيها رش الكيمياوي على الذباب البشري في حلبجة والفاو. وهي التي خدعته عام 1990م عن طريق (ابريل جلاسبي) السفيرة في بغداد أن أمريكا ستكون على الحياد مع التهام الكويت فكانت قصته مثل الجرذ الذي بلع الجبنة المسمومة.

قد تحتل أمريكا الشرق الأوسط كله وتلتهم الأوبيك وتحتل أكثر من العراق وتسيطر على النفط وتتحكم في سعر البترول وتعيد رسم خريطة المنطقة كل ذلك وارد وأكثر منه ولكن سيحصل مع أمريكا ما هو معروف في علم الأمراض بتشكيل المضادات في الدم وتبدأ المقاومة وفي النهاية سترحل أمريكا وتبقى الدولة الصهيونية في فلسطين لوحدها مطوقة بحزمة من دول تطلب رأسها ويكرر التاريخ دورته كما في قصة صلاح الدين الصليبيين. وتلك الأيام نداولها بين الناس. فيجب أن لا نحزن ونستبشر بقانون التاريخ الذي يمشي دوما باتجاه ما هو خير وأبقى.

عندما حصلت المواجهة بين المسيح وروما كان سؤال الحاكم الروماني ما هو الحق؟ كان جواب عيسى عليه السلام «مملكتي ليست من هذا العالم» وهي كلمة لا تحتاج لصقل أو شرح أو تعليق فلا يوجد حل وسط بين كائن يستخدم شعوره الواعي وبين شعور واع يخضع له الكائن.

يقول شبنجلر: «وهذا هو المعنى النهائي لتلك اللحظة التي جعلت المسيح وبيلاطس يقفان وجها لوجه. ففي العالم الواحد تسبب العالم التاريخي الروماني بخاتمة للجليلي. وفي العالم الآخر كان محكوما على روما بالدمار والهلاك» وهذه كانت إرادة الله.

https://anbaaexpress.ma/k0bq2

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى