بدر شاشا
في عصرنا الحالي، باتت وسائل التواصل الاجتماعي جزءاً لا يتجزأ من حياة المجتمعات، لكنها وللأسف تحولت من أداة للتواصل والتعلم إلى ساحة لتفشي الفساد والانحلال الأخلاقي. في المشهد المغربي اليوم، نرى تصاعداً غير مسبوق في نشر المحتويات الفاحشة والسطحية، سواء كان ذلك من خلال مقاطع الفيديو التي تستعرض حياة خاصة غير ملائمة للنشر أو من خلال مشاهد غير لائقة، تُظهر تدهور القيم المجتمعية وتفتت النسيج الأخلاقي للأسرة.
أصبحنا نرى أشخاصاً يعرضون حياتهم اليومية بشكل مبتذل، يتباهون بالماديات، وينشرون تفاصيل خاصة على مرأى الجميع. فمن هذا الذي يصور شخصاً مريضاً في المستشفى، وكأن المرضى باتوا مادة للتسلية؟ ومن ذلك الذي يشارك لحظة وفاة إنسان وكأنها حدث يجب أن يُعرض للعامة؟ وما الذي دفع العديد من النساء لنشر مقاطعهن وهن يرقصن أو يُعطين نصائح حول الزواج أو يتشاجرن مع آخرين أمام ملايين المشاهدين؟ هل أصبحت هذه هي الطريقة السائدة لطلب المساعدة أو الحصول على التأييد؟
الأسوأ من ذلك، أن المجتمع نفسه أصبح متورطاً في هذه الظاهرة، حيث نجد الكثيرين من المتابعين يتفاعلون مع هذه المحتويات بشكل مفرط، مما يعزز من انتشارها. هل غابت القيم التي تربينا عليها؟ أين ذهب الإحساس بالخصوصية والكرامة؟ أين احترام خصوصية الأسرة وقدسية العلاقة بين أفرادها؟
في ظل هذا المشهد المأساوي، نعود للسؤال الأهم: أين هي التربية؟ لماذا بات الأب والأم عاجزين عن السيطرة على سلوك أبنائهم؟ لماذا تذهب الفتاة إلى المدرسة أو الجامعة ولا يكترث والداها بما تقوم به أو بمن تصاحب؟
بل الأسوأ، كيف تغيب الرقابة الأسرية تماماً، لنجد أن بعض الآباء والأمهات ليس لديهم فكرة عن ما يحدث في حياة أبنائهم؟
إن الأزمة التي نعيشها ليست مجرد أزمة محتوى على وسائل التواصل الاجتماعي، بل هي أزمة تربوية وأخلاقية عميقة. غياب القيم في المنزل، وترك الأبناء يواجهون العالم الافتراضي دون أي توجيه أو رقابة، أدى إلى ما نراه اليوم من انحلال. فكم من فتاة تُرسل إلى الجامعة دون اهتمام الأهل بما تتعرض له من ضغوطات وتأثيرات خارجية؟ وكم من شاب يقضي وقته أمام الشاشات يتابع التفاهات بدلاً من الانخراط في التعليم أو العمل؟
إن المشكلة الأكبر تكمن في أن هذا الانحدار الأخلاقي يعزز فكرة أن أي شخص يمكنه أن يصبح مشهوراً فقط من خلال نشر محتويات مبتذلة أو القيام بأفعال شاذة. فبدلاً من أن يكون المجتمع منصة لتقدير العمل الجاد والقيم النبيلة، أصبح ساحة للتفاخر بالفراغ والابتذال. لقد فقدنا بوصلتنا الأخلاقية.
إذا أردنا أن نعيد بناء مجتمعنا، علينا أن نبدأ من البيت يجب على الآباء والأمهات تحمل مسؤولية تربية أبنائهم بشكل صحيح، وتوجيههم نحو الأخلاق الحميدة والقيم النبيلة. كما يجب على المجتمع أن يتوقف عن دعم هذه الظواهر المشينة، وأن يعيد الاعتبار للعلم والعمل والاجتهاد كقيم أساسية.
لا يمكننا أن نغير هذا المسار إلا إذا عدنا إلى جذورنا الأخلاقية والتربوية، وحاربنا هذه الظواهر التي تفتت مجتمعنا وتنحدر به إلى القاع.