أفريقيادوليسياسة

من الرباط إلى باريس.. العلاقات المغربية الفرنسية في ضوء الاعتراف بمغربية الصحراء

منذ عودته المشهودة تاريخيا عام 2017 إلى شغل مقعده في الاتحاد الإفريقي راكم المغرب انتصارات متوالية بجهود دبلوماسية متواترة بشكل سريع وفعال وهادئ، ساهم من خلالها في إقناع المنتظم الدولي بأهمية خطة الحكم الذاتي كخيار وحيد لحل هذا النزاع المفتعل.

توجت هذه الجهود خلال الفترات المتتالية الماضية بإعلان دول دائمة العضوية في مجلس الأمن: الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا، وذات مكانة في المنتظم الدولي، اعترافها بمغربية الصحراء بعد التحول الذي عرفته الدبلوماسية المغربية، وترسيخها لعقيدة ثابتة وصلبة، تنطلق من كون الصحراء هي المنظار الذي يرى به المغرب العالم، ومع اعتبار مقترح الحكم الذاتي واقعيا تحت السيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية.

ويشكل الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء نقطة تحول في العلاقات بين البلدين، بعد سنوات من التزام فرنسا المنطقة الرمادية واللعب على حبل التوازن في علاقتها بالمغرب والجزائر، الأمر الذي رفضه المغرب، إيمانا بعدالة قضيته ومشروعيتها.

من المؤكد أن عوامل عدة ساهمت في تبني فرنسا لهذا الموقف، فمن جهة هناك تراجع فرنسي في بعض المواقع الإفريقية على إثر الانقلابات التي هزت مواقع نفوذها العسكري والسياسي والاقتصادي، خصوصا مع دخول مؤثرين دوليين جدد مثل الصين، روسيا، الولايات المتحدة للساحة الإفريقية، إلى جانب ذلك لعبت المكانة التي يحضى بها المغرب داخل القارة عاملا أخر تسعى من خلاله فرنسا الاستفادة من علاقات الصداقة التي تجمع المغرب مع عدد من دول الإفريقية لتجنب المزيد من الارتدادات على مصالحها الاقتصادية في هذه البلدان.

وهكذا ستشكل سنة 2024 بداية جديدة للعلاقات المغربية الفرنسية، ومن المؤكد أن يكون قوامها الوضوح والشراكة المبنية على الثقة، لعل أهمية هذا التقارب بعد الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء، يظهر جليا في ردة فعل الجزائر من تنديدها بموقف فرنسا من قضية الصحراء لتأكد الجزائر بذلك أنها طرف رئيسي في هذا النزاع الإقليمي المفتعل.

وهذا ما أشار إليه المؤرخ الفرنسي برنارد لوغان بالقول أن الخطاب الرسمي الجزائري يخفى أهدافًا إقليمية مرتبطة بالصراع على القيادة الإقليمية ومن خلال دعمها لجبهة البوليساريو، كانت الجزائر تحاول في الواقع فتح منفذ إلى المحيط الأطلسي، ومنع المغرب من أن يصبح مرة أخرى القوة المحيطية والصحراوية التي كان عليها قبل الاستعمار.

وفي نفس السياق أكد الأستاذ محمد سالم عبد الفتاح وهو رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، أن الجزائر طرف رئيس معني بهذا النزاع لم يعد خفي على أي ملاحظ، خاصة وأن ورقة الجبهة الانفصالية باعتبارها أداة وظيفية يتم توظيفها من طرف النظام الجزائري في الحرب بالوكالة ضد السيادة المغربية، باتت محروقة وتم تجاوزها، سيما بعد فشل مناورتها الأمنية في السنوات الأخيرة، الشيء الذي يدفع بالجزائر للخروج بوجهها المكشوف كطرف رئيسي معني بهذا النزاع المفتعل.

والملاحظ أن الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء أدى إلى توثر العلاقات الثنائية بين الجزائر وفرنسا، وتجلى ذلك في تنديد سلطات الجزائرية بهذا الموقف الفرنسي وصل إلى حد سحب سفيرها في باريس، في حين لم تتعامل الجزائر مع الولايات المتحدة الأمريكية بنفس الأسلوب والجرأة بعد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء.

ويفسر الأستاذ محمد سالم عبد الفتاح ذلك بحكم العلاقات الاقتصادية والتجارية التي تجمع الجزائر بفرنسا والتي يمكن أن تضحي بها رغم انعكاساتها السلبية على الاقتصاد الجزائري، على أساس التفريط في تلك الشركات التي تعود بالنفع على كلا الجانبين قد يؤدي إلى تراجع فرنسا عن مواقفها الداعمة للمغرب، في حين أن العلاقات الجزائرية الأمريكية لا ترقى إلى نفس المستوى من التعاون التجاري والاقتصادي كما لا توجد أي أوراق ضغط حقيقية في يد الجزائر قد تستعمل ضد الولايات المتحدة، على عكس من ذلك تتوجس الجزائر من إمكانية الاصطدام مع الولايات الأمريكية بحكم دورها الحيوي والأمني في المنطقة.

ويجمع المراقبون أن قرار الرئيس الفرنسي بتوجيه البوصلة نحو المغرب ما هو إلا فهم وإدراك لضرورة الانخراط في علاقة بناءة ومتينة تحكمها المصالح المشتركة والمنافع الاقتصادية، بدل الرهان على علاقة مع النظام الجزائري الذي يشكل حاجز أمام الحلول الواقعية في المنطقة.

عموما ساهمت التطورات الميدانية في تكريس واقع السيادة المغربية على الصحراء وهو ما بات يؤثر في مواقف القوى الدولية ويسرع من حسم معركة الاعتراف الدولي لصالح المغرب، على اعتبار أهمية هذا المعطى كعنصر مكمل لتكريس أي واقع سيادي وسياسي في أي حيز ترابي أو إقليمي، ينضاف إلى بقية العناصر الأساسية، الساكنة، الإقليم، السلطة، وهي عناصر محسومة كلها لصالح المملكة، وبالتالي إمكانية حسم الاعتراف الدولي وطي النزاع على مستوى الأمم المتحدة الأمر الذي يفتح الباب أمام تنزيل الحلول المقترحة من طرف المملكة.

https://anbaaexpress.ma/0p955

محسن المساوي

باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى