لا تزال روسيا تلتزم الصمت حيال ما تضمنه التقرير الذي نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية في 24 من الشهر الجاري، وقالت فيه إن موسكو قدمت بيانات لجماعة “أنصار الله” اليمنية لمساعدتها في مهاجمة سفن غربية في البحر الأحمر.
وزعم التقرير أن روسيا قدمت للجماعة هذه البيانات لإبقاء الولايات المتحدة متورطة في المنطقة وصرف الموارد والانتباه بعيدا عن الحرب “الطاحنة” التي تشنها في أوكرانيا، مضيفا أن الحوثيين بدؤوا في مهاجمة الشحن المتجه إلى إسرائيل في أكتوبر/تشرين الأول الماضي لدعم غزة، مستخدمين بيانات الأقمار الاصطناعية الروسية.
كما نقلت الصحيفة عن “شخص مطلع” قوله إن هذه البيانات “تم تمريرها من خلال أعضاء في الحرس الثوري الإيراني”.
تضارب تقديرات
لكن تقرير وول ستريت جورنال لم يحمل أي إشارة إلى توقيت تقديم هذه البيانات تحديدا أو ما إذا كانت ساهمت في أي من الهجمات الناجحة على سفن الشحن.
وخلافا لهذا التقرير الذي بدا جازما بخصوص هذا النوع من الدعم للحوثيين، كانت تقارير المخابرات الأميركية أقرب إلى التقدير منها إلى التأكيد، وقالت إن روسيا قد تكون قدمت معلومات ساعدت الحوثيين على شن هجمات في البحر الأحمر أدت إلى تعطيل الشحن العالمي، لكنها لا تعتقد أن موسكو اتخذت مثل هذه الخطوة.
في هذا السياق، نشرت صحيفة نيويورك تايمز في 25 أكتوبر/تشرين الأول الجاري تقريرا أعده مراسلها في واشنطن، جوليان بارنز، ذكرت فيه أن مسؤولين أميركيين قالوا إنهم لم يجمعوا أي معلومات استخباراتية تفيد بأن موسكو قدمت مثل هذه البيانات إلى الحوثيين، وإن مثل هذا النقل لا يزال احتمالا.
لكن وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه) تعتقد أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يفكر في مثل هذه الخطوة، حسب المصدر نفسه.
ووفق الصحيفة، فقد أكد مسؤولون أميركيون أن موسكو قدمت أسلحة صغيرة ومساعدات محدودة للجماعة اليمنية. ولأسابيع، رددوا أنها تفكر في تزويد الحوثيين بالصواريخ إذا صعد الغرب الحرب في أوكرانيا.
حرب معلومات
يقول الباحث في العلاقات الدولية، ديمتري كيم، إنه لا يمكن التعامل بجدية مع هذه الاتهامات حتى من حيث الشكل، لأنها صدرت عن مسؤولين أميركيين لم ترد أسماؤهم في الصحف المذكورة، و”ذلك لسبب مفهوم وهو تجنب المساءلة أو طلب تقديم الأدلة على ذلك”.
ويضيف أن المعلومات التي تقول إن روسيا قدمت بيانات لجماعة “أنصار الله” ليست مقنعة ووازنة من حيث الواقع، “نظرا لامتلاك الحليف الرئيسي للجماعة (طهران) مثل هذه التقنيات والإمكانيات، ولم يعد سرا أن الأقمار الاصطناعية الإيرانية ليست للزينة في الفضاء، بل لها دور، من نافل القول شرحه”، وفق تعبيره.
ويضع المتحدث هذه الاتهامات في سياق سعي واشنطن من خلال الآلة الإعلامية إلى تحقيق أهداف عدة، من بينها التغطية على مواصلة دعمها العسكري والمالي لأوكرانيا والتمهيد لـ”جرعة” عقوبات إضافية ضد روسيا تحت بند دعم موسكو لجهات معادية للولايات المتحدة في العالم وزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط.
من جانبه، يشير الباحث في النزاعات الدولية، فيودور كوزمين، إلى أن الجهة الحقيقية والنهائية المستهدفة من عمليات “أنصار الله” هي إسرائيل، التي لم يصدر عنها إلى حد اليوم لا بشكل مباشر أو غير مباشر ما يلتقي مع رواية الصحيفة الأميركية، مما يجعل هذه الاتهامات موضع شكوك.
وبخصوص الاتهامات المتعلقة بتوريد صواريخ روسية إلى صنعاء، اعتبر المتحدث أن الجماعة اليمنية أظهرت قدرات خاصة على تصنيع الصواريخ والمُسيرات المتطورة، “حتى وإن كان جزء منها من المنتجات المقلدة للصواريخ الروسية فهذا لا يكفي لاتهام موسكو بتقديمها لهم، لا سيما أنها انتقلت إلى الجماعة بعد سيطرتها على مخازن أسلحة وقواعد عسكرية في اليمن”.
تحفظ
لكن الباحث كوزمين يشير إلى أن ذلك لا يعني أن روسيا لن تقدم في ظرف ما -كتهديد سيادة وسلامة أراضيها من قبل أوكرانيا باستعمال الأسلحة الغربية – على استخدام قدرات عسكرية تقليدية وغير تقليدية، وتنفيذ ما لوحت به سابقا بأنها قد تقدم على دعم خصوم الغرب في العالم بأسلحة نوعية، لكن ذلك لن يشمل جماعة “أنصار الله”، بالحد الأدنى بشكل علني.
ويتابع أن الوضع المتعلق بالجماعة يملك حساسية خاصة تتعلق بمحاولة روسيا جذب دول الخليج الغنية بالنفط إلى جانبها في النزاع مع الغرب، فضلا عن التعاون الاقتصادي والاستثمارات، بما في ذلك عبر تحالف “بريكس”، لذلك من المستبعد أن تقوم بخطوات ستؤدي إلى توتر العلاقات مع هذه البلدان.
في المقابل، لا ينطبق هذا الاستثناء على حزب الله، لأنه في حال وسعت إسرائيل من نطاق هجماتها على لبنان، فمن المرجح أن يؤدي ذلك إلى تعميق العلاقة العسكرية بين إيران وروسيا لمساعدة الحزب في الدفاع عن نفسه، حسب ما يقول.
يُذكر أن روسيا هي القوة العظمى الوحيدة التي تحافظ على علاقات وثيقة مع جميع أطراف الصراع في اليمن، بما في ذلك الحراك الجنوبي.
ورغم أنها تعترف بالحكومة اليمنية فإنها امتنعت عن دعم قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 في أبريل/نيسان 2015، الذي يحظر توريد الأسلحة للجماعة ويؤكد دعم المجلس للحكومة اليمنية، كما أن موسكو تستقبل بشكل دوري ممثلي الحوثيين لإجراء مشاورات.
JSC