أفريقياتقاريرمجتمع

صمود بلا صوت.. كفاح سكان طاطا في مواجهة التهميش

باعتبار المنطقة من “المغرب الغير النافع” فقد نالت حظا أوفر من كل أصناف التهميش و الإقصاء فلا البنيات التحتية قائمة ولا الخدمات العمومية متوفرة

يعد إقليم طاطا من أقدم مراكز العمران البشري في المغرب، حيث استقر فيه الإنسان منذ عهود غابرة و هذا ما تؤكده النقوش الصخرية والأدوات الحجرية التي تعود لأزمنة غابرة بمناطق مختلفة داخل طاطا، أقا، تمنارت، تداكوست…

ويتشكل هذا الإقليم من مجموعة من الدواوير، في شكل واحات نخيل، تنتشر على طول وعرض تراب الإقليم، وقد لعبت واحات النخيل هذه أدوارا اقتصادية واجتماعية وإيكولوجية وثقافية بالمنطقة.

كما تعتبر احد الموارد الاقتصادية وأحد مكونات الغذاء الأساسي للساكنة، هذا المكون الغذائي الذي لعب دورا أساسيا ولا زال في محاربة الفقر بالمنطقة.

فأصبحت الواحات والنخيل والتمور جزءًا لا يتجزأ من التراث الثقافي للمنطقة، حيث تزين موائد السكان بتنوع أصناف وألوان التمور. كما يعبرون عنها في أشعارهم وحكمهم الشعبية، ويعكسون شموخ النخيل وتمايلها في رقصاتهم وإيقاعاتهم. ويستلهمون من سخاء وطيب ثمارها في سلوكياتهم وقيمهم اليومية.

يقع هذا الإقليم المنسي في الجهة الجنوبية الشرقية للمغرب أو ما عرفه المستعمر بالمغرب غير النافع وللأسف ما فتئ يكرر هذه العبارة المشينة مسئولينا الأفاضل بوعي أو بغيره. منطقة يتعايش الجميع فيها بانسجام وتعاون نادر الوجود، حيث يعيش الأمازيغ والعرب معًا في وحدة وتآلف. يُشهد لسكانها بالطيبة والأخلاق العالية، فهم متجذرون في قيم المحافظة والالتزام.

 تستمر الكوارث ويستمر التهميش

مع دخول القرن الحادي والعشرين، بدأت المنطقة تواجه تغيرات مناخية قاسية أثرت بشكل كبير على البيئة المحلية. فقد شهدنا في فصل الشتاء انخفاضًا حادًا في درجات الحرارة وهطول أمطار غزيرة تسببت في فيضانات، بينما ارتفعت درجات الحرارة بشكل ملحوظ في الصيف، مما أدى إلى اندلاع حرائق كبيرة. ورغم أن إقليم طاطا كان معتادًا على ارتفاع درجات الحرارة والجفاف، وهي ظروف ملائمة لزراعة النخيل وإنتاج التمور، إلا أن هذه الظواهر المناخية تفاقمت بشكل ملحوظ في العقود الأخيرة.

فقد ازدادت سنوات الجفاف وحدة الحرارة، مما تسبب في استنزاف المياه الجوفية، وتصحر الأراضي، إلى جانب تصاعد الرياح والعواصف. كل هذه العوامل جعلت البقاء في هذه البيئة أكثر صعوبة، مما دفع العديد من الأسر إلى الهجرة. كما أن ارتفاع الوفيات، خاصة بين كبار السن والأطفال في فصل الصيف، قد يكون مرتبطًا بهذه الظروف القاسية.

في السنوات الأخيرة، ازدادت قسوة الطبيعة بشكل ملحوظ، حيث شهدت المنطقة حرائق هائلة يصعب السيطرة عليها.

كان حريق واحة تمنارت سنة 2010 نقطة تحول بارزة في سلسلة الكوارث الطبيعية التي ضربت واحات إقليم طاطا، حيث دمرت النيران حوالي 4000 نخلة في ساعات قليلة، بعد عقود من النمو البطيء لهذه الأشجار.

ولم تكد تمضي أربع سنوات حتى اندلع حريق آخر في واحة تداكوست عام 2014، مما أدى إلى تدمير أكثر من 300 نخلة. وكأن هذه الحرائق لم تكن كافية، فقد اجتاحت الفيضانات المنطقة مؤخرًا، مما قضى على ما تبقى من مقومات الحياة فيها.

باعتبار المنطقة من “المغرب الغير النافع” فقد نالت حظا أوفر من كل أصناف التهميش و الإقصاء فلا البنيات التحتية قائمة ولا الخدمات العمومية متوفرة كل هذا يحدث وملايير الدراهم تصرف وتسرف ذات اليمين وذات الشمال في ما سمي بالمخطط الأخضر وفي برامج انقاد الواحات، دون أن تصل إلى شريان هذه الواحات التي يسكنها مزارعين بسطاء.

البحث عن التنمية المفقودة في إقليم منسي

إقليم طاطا يعاني بشكل شامل في مجالات عديدة، بدءًا من الرعاية الصحية وصولًا إلى فرص العمل والخدمات الأساسية. ففي حين قد تكون التحديات بالعشرات في مناطق المغرب المتقدمة، فإنها تتضاعف بشكل كبير هنا لتصبح بالآلاف.

المستشفيات قليلة جدًا أو تكاد تكون غير موجودة، أما المستشفى المركزي فيه من الممارسات والقسوة على أناس أخذ المرض منهم ما ترك الزمن، فهي تشهد نقصًا في الرعاية للمرضى الذين استنزفتهم الأمراض والمحن.

المدارس تعاني من اكتظاظ شديد، ففي بعض الحالات تُدرَّس أربعة مستويات تعليمية مختلفة في نفس الحصة وبإشراف معلم واحد. أما الخدمات في المنطقة فهي بعيدة عن الكفاءة، وتعاني من الاستغلال الكبير، خاصة بالنسبة للسكان البدو وأهل القرى الذين لم يحظوا بفرص تعليمية كافية.

بالرغم من الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة عزيز أخنوش مع عدد من الوزراء لهذه المنطقة المهمشة منذ فترة طويلة، وإطلاق مشاريع تنموية بقيمة 1.5 مليار درهم، ولكن هذه الزيارة الحكومية الكبيرة كان من الممكن أن تكون أكثر فائدة لو تضمنت لقاءا مع ممثلي المجتمع المدني المحلي الذين كان لديهم بالتأكيد الكثير ليقولوه لرئيس الحكومة ووزرائه حول المشاكل التنموية وتطلعات شباب المنطقة، الذين يعانون البطالة والفقر وغياب أفاق المستقبل.

الوطنية بطعم خاص

تكتسب الوطنية في طاطا طابعًا خاصًا ووقعًا فريدًا على نفوس سكانها. فالمغرب يمثل كل شيء بالنسبة لأهالي هذه المنطقة، على الرغم من تجاهل المسؤولين لهم بطرق غير مبررة، إلا أن انتماءهم لوطنهم يظل استثنائيًا. بينما يرتبط انتماء الكثير من أبناء الوطن بالمصالح الشخصية أو المنافع الذاتية، فإن سكان طاطا، الذين يعيشون في عزلة عن باقي المغرب، يعتزون بوطنهم رغم المعاناة المستمرة من الفقر والتهميش والنسيان.

يبقى هذا الإقليم مركزًا مهمًا لتكوين الوطنيين، ومصدرًا للطيبة، حيث تظل واحات النخيل رمزًا للصبر والتحمل في وجه التحديات، مع انتظارهم ليوم مشرق يعيد للمنطقة مكانتها ويخلصها من الأزمات المستمرة.

https://anbaaexpress.ma/0hhs5

محسن المساوي

باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى