زيارة دولة تاريخية قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وحرمه السيدة بريجيت ماكرون، بدعوة كريمة من صاحب الجلالة الملك محمد السادس، رفقة وفد مهم يتكون من أكثر من 122 مسؤول حكومي فرنسي وشخصيات مرموقة ورجال أعمال إلى المملكة المغربية، إمتدت ثلاثة أيام.
تخللتها برامج على مستوى عالي، وسلسلة من الاتفاقيات الكبرى التي شملت عدة مجالات أبرزها الصناعية والاقتصادية والأمنية والثقافية وتجاوزت 22 إتفاقية بحضور زعماء البلدين، من أجل تعزيز العلاقات الثنائية الفرنسية المغربية، بعد توتر تجاوز سنتين.
سبب زيارة ماكرون إلى المغرب
يشهد المغرب تطور غير مسبوق، على جميع الأصعدة، حتى أصبح قوة اقليمة بشكل ملموس وواضحة للعيان، حيث اعتمدت المملكة المغربية على مبدأ الندية، المعاملة بالمثل مع القوى الكبرى، وهذا مادفع العديد من الدول الوازنة بأن تعبر عن دعمها واعترافها المطلق بمغربية الصحراء.
كما أكده جلالة الملك في إحدى الخطابات قائلا: ” لقد تمكنا خلال السنوات الأخيرة، من تحقيق إنجازات كبيرة، على الصعيدين الإقليمي والدولي، لصالح الموقف العادل والشرعي للمملكة، بخصوص مغربية الصحراء”.
وأكد جلالته “أوجه رسالة واضحة للجميع: إن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات”.
وهذا بيت القصيد، المملكة المغربية حققت إنجازات كبيرة وكسبت دعما دوليا، خصوصا من طرف أمريكا وإسبانيا والمانيا..، وعززت علاقتها الثنائية مع المملكة، مما خلف حصرة وقلق الكثير ومن بينهم الجمهورية الفرنسية، كما أن المغرب وظف جميع التناقضات في صالحه.
لذا، قال الملك محمد السادس “ننتظر من بعض الدول، من شركاء المغرب التقليديين والجدد، التي تتبنى مواقف غير واضحة، بخصوص مغربية الصحراء، أن توضح مواقفها، وتراجع مضمونها بشكل لا يقبل التأويل”.
زيارة ماكرون القشة التي قصمت ظهر البعير
وكما كان متوقعا، بعد موقف الدولة المغربية الحاسم مع جميع الدول بدون إستثناء بأن تحترم سيادة الوطن، إعترفت فرنسا رسميا بمغربية الصحراء وبمشروع الحكم الذاتي، الذي تقدم به المغرب سنة 2007 باعتباره حلا واقعيا وفريدا ودائما للنزاع الإقليمي المفتعل بالصحراء المغربية.
هذا القرار الصادم خلف صدمة قوية عند حظيرة الجزائر، وخصوصا عند النظام العسكري المتحكم، مما دفع الجزائر في خطوة إستفزازية وتصعيدية، بسحب سفيرها لدى فرنسا، بسبب إعترافها بمغربية الصحراء.
كما أكد، ماكرون، قبل زيارة المغرب بشكل رسمي لجلالة الملك في الرسالة، التي تتزامن مع تخليد الذكرى االـ 25 لعيد العرش، بأنه يعتبر أن حاضر ومستقبل الصحراء المغربية يندرجان في إطار السيادة المغربية، مؤكدا لجلالة الملك “ثبات الموقف الفرنسي حول هذه القضية المرتبطة بالأمن القومي للمملكة”، وأن بلاده “تعتزم التحرك في انسجام مع هذا الموقف على المستويين الوطني والدولي”.
توج هذا الموقف الفرنسي الواضح من مغربية الصحراء، بزيارة دولة رسمية للمغرب، التي كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، العود الرقيق والنحيف، لكنه يكاد وزنَه يبلغ جبل، كسر ظهر الدابة التي توجد في الحظيرة.
زيارة صادمة بكل المقاييس، عرفت إستقبال ملكي أسطوري يلقى بضيف كبير يحترم سيادة المملكة المغربية.
هذا الاستقبال الذي فاجأ الكثير من المتابعين من جميع دول العالم وحتى الرئيس الفرنسي والوفد المرافق، بفخامة البروتوكول الملكي المغربي العريق، الضارب في الجذور، الذي يوضح عراقة المملكة المغربية الموجودة منذ 12 قرنا.
حفاوة الاستقبال، في مدينة الأنوار عاصمة المملكة الرباط، مدينة الجمال والثقافة، هناك مثل مغربي قديم يقول:”كبر بيا.. نكبر بيك” في هذا الصدد قدم جلالة الملك محمد السادس، هدية ثمينة للرئيس فرنسي إيمانويل ماكرون، تظهر التقدير للمتلقي، وهي عبارة عن خنجرا ذهبيا مرصعاً بالأحجار الكريمة، يعد رمزاً للتراث المغربي العريق، فإن الخنجر المصنوع يدويًا هو هدية عظيمة وقوية، لديها دلالة وقيمة رمزية كبيرة.
مقاربة جديد لرئيس الفرنسي
في إطار ما يسمى حرب الخرائط التي يعتمد عليها أعداء الوطن، وخصوصا المخابرات الجزائرية، نشرت وزارة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية، على موقعها الرسمي، الخريطة الرسمية للمملكة المغربية تشمل صحراءها، من أجل قطع الطريق على كل من سولت له نفسه التطاول مرة أخرى، وتم تعميمها في جميع المؤسسات الفرنسية وكذلك القنوات الإعلامية، وينسجم هذا القرار مع موقف فرنسا تجاه مغربية الصحراء.
تعتزم فرنسا افتتاح قنصلية عامة ومعهد فرنسي في مدينة العيون، في خطوة دبلوماسية مهمة، ليكون بذلك أول تمثيل دبلوماسي أوروبي في الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية، وفق مصدر عن الإليزيه.
وأكثر من ذلك، الرئيس الفرنسي يعترف بمغربية الصحراء ودعم الحكم الذاتي في البرلمان المغربي وأمام نواب الأمة والرأي العام والشعب المغربي، وهو اعتراف صريح وتاريخي بكل المقاييس وهو موقف قوي ومنطقي.
ومن المرتقب في القريب العاجل، ستقوم فرنسا مع عدة دول في الإتحاد الأوروبي، بالضغط على الجزائر من أجل طي هذا الملف المفتعل بشكل نهائي.
وقد أكد ماكرون هذا في كلمته أمام الفرنسين المقيمين في المغرب قائلا: “سنتحرك دبلوماسيا في الاتحاد الأوروبي وفي الأمم المتحدة للإقناع بأن الحل المغربي هو الوحيد في نزاع الصحراء”.
وأضاف ماكرون: “سنتحرك في إفريقيا للإقناع بأن الحل المغربي هو الذي سيحمل قيمة مضافة في الأمن والسلام في الصحراء وأيضا في الساحل”.
الرئيس الفرنسي إستوعب الدرس جيدا، مؤكدا بأن فرنسا ستنخرط في تطوير الصحراء المغربية والشركات الفرنسية مدعوة للمساهمة أيضا بشكل قوي.
خلفت هذه المقاربة الجديدة والقوية، ردود أفعال جنونية وسط النظام الجزائري، أصبح مثل الديك المذبوح لا يعرف ما يفعل، قام بإرسال تبون إلى مصر ومن بعدها إلى سلطنة عمان، فقط من أجل التظاهر بأن الجزائر لها برنامج إستراتيجي، إفريقيا وفي منطقة الشرق الأوسط.
وأكثر من ذلك قامت المخابرات الجزائرية، بترويج الأكاذيب والتهم، عن طريق الذباب الإلكتروني واعلامها الفاسد المأجور، حيث تدعي بأن وزارة الخارجية الفرنسية أصدرت تحذيرا لرعاياها في المغرب بأنهم مهددون بتعرض لعمليات إرهابية، وهجوم مسلح، والغريب في الأمر رئيس دولتهم إيمانويل ماكرون رفقة زوجته بريجيت، يتجولون في شوارع الرباط، بشكل عادي.
لكن حقيقة الأمر هو ما يقع في الجزائر، وقع عمل إرهابي بكل المقاييس، الأسبوع الماضي، جريمة مروعة، في الجزائر، تم ذبح سائحة سويسرية أمام أعين الناس، على شرفة مقهى بوسط مدينة جانت، التي تقع بضبط جنوب الجزائر قرب الحدود مع ليبيا والنيجر.
وهناك مجموعة من الدول على رأسها إسبانيا وبريطانيا وأمريكا وسويسرا وكذلك ألمانيا.، يصنفون عدة مناطق في الجزائر، من بينها منطقة تندوف ضمن اللائحة السوداء والخطرة، كما تصنف جنوب الجزائر، بالمنطقة الغير آمنة وتحذر رعاياها من السفر هناك.
الجزائر أصبحت مفضوحة، والعالم بأسره، عرف حقيقتها القاصي والداني، وسقط القناع عنها بكل تجلياته.
توضيح عام
وجدير بالذكر، أصبح من الضروري التوضيح بأن ما حققته المملكة المغربية، من إنجازات كبرى وخصوصا في قضية الصحراء المغربية، هو بتظافر الجهود، ومساهمة جميع مكونات المجتمع خصوصا المجتمع المدني وكذلك الحقوقي، الذين جندوا أنفسهم من أجل الدفاع عن الوطن والتصدي لكل من يهاجم وحدة المملكة، لكن للأسف البعض يعتبر دورهم هو الحلقة الاضعف.
لهذا وجه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، في خطابه الأخير، الشكر للقوى الحية من المجتمع المدني، وكذلك لأبناء الصحراء المغربية على تضحياتهم في سبيل نصرة الوطن، وهذا دليل قاطع على دورهم المحوري في ملف الصحراء المغربية.
كما ثمن جلالته الجهود الدبلوماسية التي يواصلها ابناء الوطن، وخصوصا مغاربة العالم، وعلى مستوى مختلف القوى الحية الذين ساهموا في الدفاع عن الحقوق المشروعة للمملكة المغربية، وقاموا بالتصدي لمناورات الأعداء خارج وداخل البلاد، وهذا مايعرف بالجبهة الداخلية المغربية القوية.
نافل القول لقد تسبب دعم فرنسا للاقتراح المغربي بشأن الحكم الذاتي للصحراء، ومن داخل القبة التشريعية المغربية بشكل رسمي في إحداث زلزال جيوسياسي حقيقي في منطقة المغرب العربي، حيث تقع الجزائر في مركز الزلزال.
وإلى جانب تعزيز التحالف الفرنسي المغربي، فإن لهذه البادرة آثار عميقة على المنطقة المغاربية وشمال إفريقيا، حيث تضعف الموقف الجزائري وتعزز سيطرة المغرب على المنطقة المتنازع عليها وتفتح فصلا جديدا في تاريخ الصحراء الطويل والمعقد.
بالنسبة للجزائر، يمثل الدعم الفرنسي ضربة دبلوماسية قاسية، حيث كانت البلاد تاريخيا الداعم الرئيسي لمليشيا البوليساريو ومطالبتها بتقرير المصير مايسمى بالشعب الصحراوي.
هذا التحول من جانب فرنسا، التي حافظت تقليديا على موقف أكثر غموضا، يزيد من عزلة البوليساريو بشكل كبير ويقوض النفوذ الجزائري في المنطقة.
كما يشكل سحب السفير الجزائري في باريس وتعليق مشاريع التعاون إنعكاسا واضحا للتوتر الناجم عن هذا التغيير في الموقف، وتضطر الجزائر الآن إلى إعادة النظر في إستراتيجيتها الإقليمية، في سياق يتضاءل فيه تأثيرها التقليدي على هذا النزاع المفتعل.