فنان تشكيلي وكاتب مغربي والكاتب العام السابق للنقابة الوطنية لعدول المغرب.
يعتبر من الفنانين التشكليين الذين أثبتوا جدارتهم على المستوى الوطني والدولي حيث عرضت بعض لوحاته بمعارض في المغرب و باريس و كذلك الولايات المتحدة الأمريكية.
وهو فنان تشكيلي عصامي تندرج تجربته الفنية في خانة المدرسة التجريدية، التي تعكس رؤيته الفريدة للوجود التي يعبر فيها عن فلسفته ومشاعره باستخدام تقنيات جديدة تمتزج فيها الألوان والأشكال والخطوط، مما يتيح لزائر معرضه قراءة اللوحات من زوايا مختلفة.
لوحاته التشكيلية تحتوي على الكثير من الأسرار الفنية، التي تسبر أغوار النفس البشرية من خلال الغوص في تفاصيل واقعية تمس الواقع الإنساني و تميل كذلك أحيانا للنزعة الملحمية في تقديم بعض مواضيعها.
أعمال هذا الفنان هي لوحات فسيفسائية تمزج بين الواقع والخيال من خلال تصور بصري مدهش يعتمد على توزيع ونقش اللوحة بحرفية جمالية.
هذه اللوحات هي مثل نوافذ تطل على الحاضر والمستقبل وفيها رمزية سيكولوجية وعدة تمثلات إبستمولوجية قلما تجدها في لوحات الفنانين التشكليين.
ضيفنا هو الأستاذ شكيب مصبير والذي سيتحدث لنا عن أبرز أعماله الفنية والدافع الرئيسي الذي جعله يختار الفن التشكيلي.
وكذلك مدى موضوعية أعماله الفنية في تناولها لقضايا إنسانية كالقضية الفلسطينية، وغيرها من المحاور الهامة..
واليكم نص الحوار
بداية نود، ومن خلالنا القراء، التعرف عليكم وعلى الدوافع التي جعلتكم في إختيار الفن التشكيلي؟
من بين الدوافع التي جعلتني أختار الفن التشكيلي، هو ولعي وحبي للخط العربي منذ الطفولة، كانت مدرستي تنظم مسابقات في الخط وكنت من السباقين للانخراط، بالطبع كنت من ضمن الثلاثة الأوائل.
وفي ذلك الزمان، لم نكن نفكر كما نفكر اليوم. كان الحصول على كتب تهتم بالخط نادرًا، لذلك كنا نبذل مجهودات شخصية لتطوير مهاراتنا، لعدم وجود من يوجهنا بشكل مباشر.
في تلك الفترة، كنت أساهم في كتابة لوحات على الحائط لأهل الحي مثل “كتاب قرآني” أو “مخبزة” أو “خياط” مقابل مبالغ رمزية، ولكن سعادتي كانت عظيمة عندما أرى إسمي أسفل تلك الكتابات.
وفيما بعد، حينما دخلت عالم الفن التشكيلي، شعرت بنفس الاندفاع. زرت معارض فنية وأدركت أن هناك طاقة كامنة في داخلي تدفعني نحو هذا المجال. إلتقيت بفنانين ومبدعين في فن الحروفية، وكان هذا اللقاء فرصة لاكتشاف مواد وأدوات جديدة ساعدتني على التطور.
عند متابعتي لنشاطاتك الفنية منذ مدة لاحظت أن أعمالك الفنية تركز على قضايا إجتماعية من منظور ذاتي، مما أعطى لها بعدا إنسانيا، وقراءات عدة، ما هو الدافع الرئيسي الذي دفعك إلى تبني هذا الأسلوب الفني النادر؟
الفنان هو إبن بيئته، يتأثر بمحيطه وينعكس هذا التأثير على أعماله. مثل ما حدث مع الفنان الإسباني بابلو بيكاسو الذي تأثر بالحرب الإسبانية الأهلية وأبدع لوحته الشهيرة غيرنيكا، التي أصبحت رمزًا للمعاناة الإنسانية وصرخة ضد العنف.
الفنان التشكيلي أيضًا يلتقط بجميع حواسه، ويختزن المشاهد والأحاسيس ليعبر عنها لاحقًا في لوحاته. لوحاتي تحاكي ما هو وطني وإنساني، كما هو الحال في أعمال دييغو ريفيرا، الفنان المكسيكي الذي عبر عن معاناة الشعب المكسيكي في جدارية حلم يوم الأحد في متنزه ألاميدا، حيث نرى فنًا يعكس القضايا الاجتماعية والتاريخية بشكل مباشر.
لوحاتي تحاكي قضايا مثل القضية الفلسطينية، وأخرى تتناول آثار الحروب على الإنسانية، تمامًا كما إستخدم فاسيلي كاندينسكي الألوان والتجريد للتعبير عن مشاعر داخلية عميقة وصراعات نفسية وفكرية.
ماهي المحددات المنهجية والمدرسة التشكيلية التي تأثرت بها في إخراج هذه اللوحات الفنية الثمينة؟
في بداية مشواري الفني، لم أكن منتميًا إلى مدرسة معينة، لم يكن لدي وعي بأن هناك مدارس فنية محددة يجب الانطلاق منها، كنت أعتمد على حدسي وعلى تجربتي الذاتية. أدخل إلى مرسمي في أوقات محددة وأترك للألوان أن تقودني، بدون أن أضع أمامي نموذجًا أو خطة واضحة.
لاحقًا، بدأت أتعرف على بعض التيارات الفنية، لكنني بقيت مخلصًا لأسلوبي العفوي. ومع الزمن، أدركت أن هذه الحرية في التعبير تجعل اللوحة أكثر صدقًا.
ما مدى موضوعية أعمالك الفنية في تناولها لقضايا إنسانية؟
الفن هو عمل إنساني بامتياز، ولكي يصل إلى العالمية، يجب أن يكون له أساس من الموضوعية والتجرد. مثلما نجد في أعمال ليوناردو دا فينشي، الذي إهتم بتوثيق الطبيعة والإنسان بموضوعية فنية رفيعة في لوحات مثل الموناليزا والعشاء الأخير. دا فينشي لم يكن مجرد رسام، بل كان باحثًا وعالمًا أيضًا، واستطاع أن يجمع بين العلم والفن بطريقة متجردة.
في الفن التشكيلي، الموضوعية تتجلى في كيفية تناول القضايا الإنسانية دون تحيز. كما أن إدوارد هوبر، فنان الواقعية الأمريكية، قدم في أعماله تصويرًا للحياة اليومية بطريقة موضوعية، تبرز العزلة والوحدة في المجتمع الأمريكي بشكل دقيق وصادق.
ماهي الخصائص السيميائية والجمالية التي جاءت بها أعمالك؟
من مميزات لوحاتي التناغم بين الألوان وتناسقها، مما يخلق شعورًا بالراحة النفسية لدى المشاهد والمتلقي على حد سواء، هذا هو الحال أيضًا مع أعمال الفنان الفرنسي هنري ماتيس، الذي إعتمد في لوحاته على استخدام ألوان زاهية ومنسجمة تمنح المشاهد إحساسًا بالفرح والراحة النفسية، كما في لوحته رقصة.
مثلما كان فاسيلي كاندينسكي مؤسس الفن التجريدي، يعتمد على اللون والشكل ليعبر عن المشاعر والأفكار الداخلية، أرى أن الألوان قادرة على خلق تواصل داخلي بين الفنان المتلقي، كل لوحة يمكن أن تحمل معاني مختلفة اعتمادًا على كيفية تفاعل المشاهد معها، وهذا ما يمنح الفن التشكيلي قوته وسحره.
سفرك إلى عدة بلدان مختلفة كانت تجربة فريدة من نوعها في فتح مداركك المعرفية والفنية، كيف ساهمت هذه التجربة في إغناء رصيدك الابداعي؟
السفر هو فن بحد ذاته. لا أتحدث هنا فقط عن الجانب الجغرافي، بل عن السفر الداخلي، السفر في الذات وإكتشاف النفس. السفر يتيح لي لقاء أناس مختلفين، وتعلم عادات وثقافات جديدة. كل رحلة تأخذني إلى مصدر جديد للإلهام.
زيارة المعالم الأثرية والمتاحف جزء من طقوسي في السفر، أعتبر هذه التجارب منبعًا لا ينضب للأفكار والإبداعات. السفر يمنحني فرصة لرؤية العالم بمنظور جديد، وكل مدينة أزورها تترك بصمتها على أعمالي الفنية.
ما هي الأشياء التي يجب أن تتوافر في الفنان لتصل أعماله للجمهور بشكل بسيط وواضح؟
الفنان يجب أن يكون مؤمنًا برسالته الفنية ولا يخضع للتأثيرات السلبية. الفن يجب أن يصل للجمهور بكل الوسائل المتاحة، سواء عبر الوسائط الاجتماعية أو الحضور الفعلي في المعارض وتنظيم الورشات.
أرى أن الفن يجب أن يكون قريبًا من الناس. لا أحبذ أن يكون حكرًا على النخبة، بل يجب أن يكون جزءًا من الحياة اليومية لكل فرد. لهذا، أحرص دائمًا على المشاركة في ورشات ومبادرات ثقافية، سواء داخل المؤسسات التعليمية أو المجتمعية.
ما هي الطقوس المصاحبة لمرسمك؟
الرسم بالنسبة لي طقسٌ شخصيٌ بامتياز. أغلب لوحاتي أنجزها في الليل، عندما يهدأ العالم ويعم السكون. أحتاج إلى هذه اللحظات الهادئة لأستطيع الغوص في عوالم الألوان والأشكال.
في بعض الأحيان أستيقظ في منتصف الليل، أشعر بحاجة لا تقاوم للنزول إلى مرسمي والشروع في الرسم. إنها لحظات صوفية بالنسبة لي، أعيش فيها خارج الزمن، وأتواصل فيها مع أعماق نفسي.
إنتاجاتك المكتوبة في عدة صحف المصنفة ضمن القصة القصيرة وكذلك النثر هل هي إمتداد عضوي للوحاتك التشكيلية؟
الكتابة والرسم مرتبطان بطريقة عضوية. هذا التفاعل بين الكلمة والصورة يمكن أن نراه في أعمال الفنان بيكاسو، الذي لم يكن رسامًا فحسب، بل كتب أيضًا قصائد تعبر عن نفس الأفكار التي كان يصورها في لوحاته. على غرار ذلك، أجد أن الكتابة تمنحني وسيلة أخرى للتعبير عن ذاتي، كما هو الحال مع ويليام بليك، الشاعر والفنان البريطاني الذي دمج بين الكتابة والرسم في أعماله الأدبية والفنية.
كلاهما، الكتابة والرسم، وسيلتان متوازيتان للتعبير عن مشاعري وأفكاري، حيث تأتي لحظات يغلب أحدهما على الآخر، تمامًا كما كانت الحال مع إدغار ديغا، الذي كان نحاتًا ورسّامًا في الوقت ذاته.
هل الفن التشكيلي في المغرب على ما يرام؟
الفن التشكيلي في المغرب يعاني من قلة الاهتمام في النظام التعليمي. التلاميذ الطلاب لا يتعرضون للفن في مراحلهم الدراسية الأولى، مما يفقدهم حساسية الإحساس بالجمال.
كذلك، يعاني الكثير من الفنانين من غياب الدعم المادي، وهذا يجعل العديد منهم يعاني من ظروف معيشية صعبة.
يجب أن يكون هناك اهتمام أكبر بالفنانين من خلال نظام صحي وتقاعدي يضمن لهم حياة كريمة.
كلمة ختامية
الفنون في المجتمعات الحديثة تحتاج إلى دعم وتقدير، كما هو الحال في فرنسا التي احتفت بفنانين مثل كلود مونيه، مؤسس المدرسة الانطباعية، أو في إيطاليا حيث حظي فنان مثل مايكل أنجلو بالرعاية من قبل الأسرة الحاكمة لفلورنسا. لا يمكن للأمم أن تنهض بدون أن تحتضن فنانيها وتوفر لهم بيئة تسمح بالإبداع.
الفنان يحتاج إلى منظومة تعليمية وإجتماعية تدعمه، كما هو الحال في الدول التي تعتبر الفن جزءًا لا يتجزأ من هويتها الوطنية.
وختاما أشكر صديقي الصحفي و الكاتب الأستاذ عبدالحي كريط على هذه الاستضافة.