إذا كان الواقع ليس نهائيا، فإنّ المغالطة وهي تواجه تحدّي اللاّنهاية والاحتمال، تميل إلى الحصر ثم الحسم، وتجد في أحكام قيمة والأيديولوجيا الفاقدة للصلة بالعلم والواقع مطية لصبّ إحباطها العميق. إنّ فوبيا الواقع هي من تجعل حمّالة المغالطة يستعجلون الاستنتاج ويركبون متن قياس إبليس، ليرسموا سيناريوهات من وحيّ تبلّدهم، ويسعون بالليل والنهار وبهمجية لإقناع الغُفل ممن لا عهد لهم بحسن التّمييز.
وأمّا معطيات سحلّيات المعارك الأيديولوجية الجوفاء، وحيث وجب التأكيد هنا، على أنّ كل أيديولوجيا طرية موصولة بنسق دلالي معرفي ما، هي معتبرة بلحاظ حاملها كونه إنسانا، فالمقصود هنا بالأيديولوجيا التي فقدت وظيفتها واستنزفت معناها وهي اليوم كأعقاب سجائر يلتقطها من تخونهم المفاهيم وأدوات التمييز بين مقتضى المعرفة ومقتضى الأيديولوجيا.
هنا يصبح الهامش مفتوحا لفراقشة المعنى والمشردين أيديولوجيا، أقول، وأما معطيات سحليات المعارك الأيديولوجية الجوفاء، فهي حُثالة ما تجود به ميديا الحرب النفسية، عمدتها التكرار و”هيت” البروباغاندا.
أدواتهم ضحلة وعدوانيتهم لم تعد بين السطور، بل في عناوين همجية، الأقبح فيها أنّها تختفي بجبن خلف مفاهيم الأنسة، وروادها ضباع ضارية، وخلف عناوين التقدّمية، وروادها “هيّاتون” من قعر التّخلف الحضاري، وتختفي خلف الوطنية، وفي عينها تقرأ مشروع عمالة وخيانة.
وعليه، فإنّ الوقائع التّاريخية تكشف عن الفارق الاستراتيجي بين أولاد الأصل وأولاد البقّ، لأنّ هؤلاء الجفاة المتطاولين على عظماء النّوع، في تمحُّنٍ قردي، يدكّرنا بكوكب القردة، يتكررون في كلّ جيل، كي يزدان الصدق بهم عند المقارنة، ويكون للمجد بهاء مقارنة بحُقراء النّوع. قوم يموتون بشرف، وقوم يموتون كيدا.
يكفي التحليل الأدليري لنقف على أعطاب عقدة حقارة. فالأمر يتعلق بنزعة الإسقاط المزمنة التي تبلغ حدّ العُصاب. المعرفة لا تنفع حينما يصبح رأس المغالط منفضة للسجائر، حين يصبح العناد مفخرة للعبيد.
وحده العاقل يدرك لعبة الاستنزاف، وملحمة النّباح، والقوم في جنازة. من يفقد ضميره وأحاسيسه في المواقف الإنسانية، فهو أضّل وعيا وسبيلا. المفارقة هي أنّ زريعت القنّب وشدق الجمل واحدة، مهما تنوّعت نواعرها الفكروية.