نظم الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية بمجلس النواب ودينامية إعلان الرباط لقاء دراسيا حول موضوع “الحركة الجمعوية وتحديات الديمقراطية” بمقر مجلس النواب يوم الخميس 17 نونبر 2024، بحضور عدد من السيدات والسادة البرلمانيين/ات وممثلو القطاعات الحكومية المعنية وعدد كبير من ممثلات وممثلي الجمعيات المغربية على الصعيدين الوطني والمحلي، وأيضا عدد من الأكاديميات والأكاديميين المهتمين بموضوع حرية الجمعيات، إلى جانب ممثلين عن وسائل الإعلام الوطنية.
ويأتي تنظيم هذا اللقاء الدراسي بمجلس النواب، بعدما استشعر نشطاء الحركة الجمعوية ببلادنا تزايد المضايقات التي تتعرض لها حرية الجمعيات وتواتر بعض الممارسات من داخل الحكومة في محاولة لتقويض الجمعيات الديمقراطية والمس بمصداقية العمل المدني الذي تنجزه الحركة الجمعوية المغربية في مختلف المجالات على مدى عقود من الزمن، وذلك في تناقض مع المقتضيات الدستورية التي تكرس دور الجمعيات كفاعل أساسي وجوهري في وضع وتنفيذ وتقييم وتتبع السياسات العمومية، كما يأتي هذا اللقاء في أفق إطلاق دينامية من داخل البرلمان المغربي تهدف حماية الحق في تأسيس الجمعيات وتعزيز الترسانة التشريعية المرتبطة بحرية الجمعيات وتقوية أدوارها في الحياة الديمقراطية وفي التنمية الاجتماعية ببلادنا؛
وقد أبرز ت مختلف العروض والمداخلات المقدمة خلال هذا اللقاء الدور المتعاظم للجمعيات ببلادنا، بشكل لا يمكن إنكاره كقوة يقِظة وكقوة اقتراحية، وكطرف فاعل في تعزيز وحماية القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وقيم المساواة وتعزيز حقوق النساء، وكجهة فاعلة متكاملة في التنمية، تنتقد أو تواصل، حسب السياقات، عمل السلطات العمومية في مجموعة واسعة من القطاعات التي لا تغطيها السياسات العمومية أو تغطيها أحيانا بشكل غير كافٍ، لا سيما في مجالات الصحة والتعليم، محو الأمية وتعميم التعليم، إدماج الأشخاص ذوي الإعاقة، ورعاية الأشخاص في وضعية صعبة، والطفولة المبكرة، وتعزيز حقوق النساء، وحقوق المهاجرين وحقوق الإنسان بشكل عام، وحماية البيئة، وما إلى ذلك.
ونتيجة لذلك، ينص الدستور على أن الجمعيات سلطة قائمة ومستقلة تلعب دورًا أساسيًا في تتبع ومراقبة وضبط السياسات العمومية، كما أبرزت ذات العروض أن قيام الجمعيات بكافة هذه الأدوار لا يمكن أن يتم في بيئة سياسية غير مواتية تنعدم فيها الثقة بين مختلف الفاعلين ويسود فيها التشكيك ومحاولة النيل من استقلالية ومصداقية الحركة الجمعوية بالمغرب والتي طالما ساهمت في الاستقرار الاجتماعي والسياسي؛
كما أجمعت أغلب المداخلات والنقاشات التي عرفتها أشغال اللقاء الدراسي على الوضع غير المريح الذي تعيشه الجمعيات بسبب بعض الممارسات التحكمية والعراقيل الإدارية التي تضعها عدد من الدوائر الحكومية أمام الجمعيات، وعدم احترامها القانون المتعلق بالجمعيات من خلال الرفض المتكرر لإصدار وصولات التأسيس أو التجديد، ومن خلال حرمان الجمعيات من التمويل العمومي ومن استعمال الفضاءات العمومية لتنظيم أنشطتها لفائدة المواطنات والمواطنين، وتهميش جمعيات ساهمت لعقود من الزمن في الإصلاحات الهيكلية للبلاد، وهو ما يعيدنا أكثر من 40 سنة إلى الوراء، ويعيدنا إلى تضييق الفضاء العام، و إلى مناخ التشكيك في التنظيمات المدنية والنيل من مصداقيتها وأدوارها في المجتمع، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى كل قواها الدافعة لإرساء ديمقراطية حقيقية؛
كما نبه المشاركون والمشاركات في هذا اللقاء الدراسي إلى ضرورة الانتباه إلى المخاطر والأزمات المحدقة ببلادنا وهي أزمات متعددة الأبعاد والمستويات. فعلى المستوى السياسي تزايدت خيبة الأمل الانتخابية وضعف الديمقراطية التمثيلية، مع ما يستدعي ذلك من إجراءات لإعادة بناء الثقة في المؤسسات وتعزيز دور النساء والشباب في مراكز القرار، وعلى المستوى الاقتصادي تفاقمت الفوارق الاجتماعية وتصاعدت الحركات الاحتجاجية المطالبة بالعمل، والخدمات العامة اللائقة، وحرية التعبير، إضافة إلى محاربة الفساد والريع، وعلى المستوى الاجتماعي ارتفعت نسب البطالة بشكل غير مسبوق، كما ارتفعت أيضا حدة العنف ضد النساء وتزويج الطفلات، مع تكريس مبدأ الإفلات من العقاب نتيجة تأخر إصلاح منظومة العدالة لحماية الحقوق والحريات؛
وعلاقة بالأدوار التي يجب أن تلعبها المؤسسة التشريعية لتعزيز وتقوية النسيج الجمعوي ببلادنا وتمكينه من كل الوسائل والإمكانيات للقيام بأدواره المنصوص عليها في الدستور ، شدد المشاركون والمشاركات على ضرورة قيام البرلمان المغربي بدوره الرقابي في تنبيه الحكومة إلى كل الممارسات الخارجة عن القانون والتي تهدف التضييق على ممارسة حرية تأسيس الجمعيات وفي وضع حد لكل شطط إداري تتعرض له الجمعيات، كما شدد المشاركون والمشاركات على ضرورة فتح ورش تعديل قانون الجمعيات بما يكفل الحق في التأسيس والانخراط في الجمعيات و تجاوز الثغرات الموجودة في القانون الحالي والتي تسمح بتأويلها بشكل تحكمي من قبل السلطات الإدارية، وأن يتواصل الحوار ما بين المؤسسة التشريعية وباقي مكونات المجتمع المدني من خلال وضع آليات هيكلية تتيح هذا الحوار ما بين البرلمان وبين الجمعيات المغربية، بهدف حماية وتعزيز ممارسة الحق في تأسيس الجمعيات بدون شرط أو قيد ما عدا تلك المنصوص عليها في القانون.
وقد تضمنت عروض ومداخلات المشاركات والمشاركين جملة من التوصيات البالغة الأهمية والتي من شأنها أن تعزز وتقوي الحركة الجمعوية بالمغرب وتساهم في إشعاعها وتأطيرها لمختلف شرائح المواطنات والمواطنين، أبرزها ما يلي:
– تثمين مبادرة الفريق الاشتراكي بمجلس النواب على احتضانه هذا اللقاء، ودعوته إلى مواصلة دعمه ومساندته للحركة الجمعوية ببلادنا؛ ودعوته للمبادرة بإطلاق مبادرة تشريعية لتعديل قانون الجمعيات الحالي؛
– ضرورة التسريع بتعديل قانون الجمعيات والتجمعات، ليتلاءم مع الدستور والتزامات الدولة في مجال حقوق الإنسان؛
– اعتبار حرية الجمعية في نفس الوقت حرية فردية وحرية جماعية؛
– عقد لقاءات مع أعضاء الحكومة المعنيين ومع ممثلي باقي الفرق النيابية بالبرلمان ورؤساء المؤسسات الوطنية والأحزاب السياسية والنقابات والفاعلين الاقتصاديين والصحافة والرأي العام الوطني، بهدف إقرار وتفعيل أحكام دستور 2011 وتنفيذها بما يصون الحق في تأسيس الجمعيات ببلادنا وانخراط جميع المواطنات والمواطنين فيها؛
– تجميع مختلف الدراسات والمقترحات التي تمت صياغتها حول محاور اللقاء الدراسي، في أفق صياغتها ضمن مذكرة ترافعية/مطلبية تعقبها مساءلة الحكومة بالبرلمان عبر طرح أسئلة شفوية وأخرى كتابية وتقديم مقترحات قوانين؛
– مطالبة مصالح الإدارة الترابية على المستوى المحلي بتسهيل عمل نشطاء ونشيطات الجمعيات من خلال تسليمهم وصولات الإيداع في الآجال القانونية والتوقف عن التضييق على أنشطتهم؛
– تشجيع حرية التعبير من خلال إزالة العقبات أمام حرية عقد الاجتماعات أو التظاهرات العامة للجمعيات والتي لا تتناقض أهدافها مع القانون؛
– ضمان مشاركة الجمعيات في الحياة العامة، وفي وضع السياسات العامة ومرافقتها وتقييمها؛
– دعم التمثيلية والمشاركة المتساوية بين النساء والرجال في عمل جمعيات المجتمع المدني؛
– تطوير وحماية العمل التطوعي وتشجيع المواطنات والمواطنين على الانخراط والمشاركة في الحياة السياسية والمدنية، من خلال تسهيل وتبسيط ممارسة حقهم في تقديم العرائض، وتعزيز المبادرة التشريعية الشعبية، والديمقراطية التشاركية، ومراقبة وتقييم السياسات العمومية؛
– توفير الحماية الاجتماعية والاقتصادية والقانونية للعاملات والعاملين الاجتماعيين وتوفير البيئة الضامنة للكرامة وحرية الإبداع في العمل الاجتماعي؛
– احترام استقلالية الجمعيات والكف عن المزايدات غير المسؤولة حول تمويل الجمعيات الديمقراطية، والاحتكام إلى القانون في حال المخالفات المرتكبة؛
– وضع نظام للتمويل يرتكز على الإنصاف والشفافية والاستمرارية لفائدة الجمعيات المنخرطة في نشر وتطوير قيم المواطنة في إطار شراكة حقيقية وفعالة؛
– الحق في التمويل العمومي، الوطني منه والدولي، وتوسيع نطاقه، مع اتباع إجراءات ومعايير استحقاق شفافة واحترام القواعد التي تحكم إدارة الممتلكات العامة، واتخاذ تدابير ضريبية وتحفيزية للجمعيات كمنظمات غير ربحية؛
– إلغاء القيود الضريبية للمنظمات المدنية الغير الربحية؛
– نشر معايير التأهيل والانتقاء المعمول بها؛ وإعداد تقرير سنوي شامل يبين مجموع التمويلات العمومية الممنوحة والمستفيدين منها والمبالغ الممنوحة تباعا لكل جمعية على حدة؛
– إزالة العراقيل أمام الجمعيات من خلال تمكينها من الفضاءات والمقرات العمومية بدون قيد أو شرط ما عدى تلك المنصوص عليها قانونا، لتنظيم أنشطتها وبرامجها الموجهة لفائدة المواطنات والمواطنين؛
– خلق إطار قانوني ضامن لحقوق المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان؛
– تفعيل مؤسسات وهيئات حماية الحقوق والحريات، والحكامة الجيدة والتنمية البشرية والمستدامة والديمقراطية التشاركية والمجالس الاستشارية المختلفة المنصوص عليها في الدستور للحوار وتشجيع مشاركة المواطنات والمواطنين والجمعيات، مع ضمان تمثيل أكبر للنساء داخل هذه المجالس والهيئات الدستور؛
ووعيا بالأدوار التي تلعبها الحركة الجمعوية في الدفاع عن القضايا الوطنية الكبرى، جدد المشاركون والمشاركات التعبير عن يقظتهم ودعمهم لكل المبادرات الرسمية والشعبية للدفاع عن الوحدة الترابية لبلادنا، والتعبير عن تضامنهم مع الشعبين الفلسطيني واللبناني أمام الهجمة الوحشية التي يتعرضان لها من طرف قوات الاحتلال الإسرائيلي، والتي راح ضحيتها الآلاف الشهداء والجرحى والمشردين من الشعبين الشقيقين.