أفريقياعاجلمجتمع

جنيف.. استمرار الاتجار في البشر بمخيمات تندوف وغياب المسؤولية الدولية

من أجل حماية أممية لقاطني مخيمات تندوف.. ومكافحة الاتجار في المخيمات بما في ذلك العمل القسري والاستغلال الجنسي للأطفال

في خطوة لافتة، بصمت مكونات المجتمع المدني الصحراوي القادم من جنوب المملكة المغربية للمشاركة في أشغال الدورة السابعة والخمسين لمجلس حقوق الإنسان التابع للجمعية العامة للأمم المتحدة بجنيف، على برنامج حافل من الأنشطة والتفاعلات في بنود جدول اعمال المجلس الحقوقي الاممي.

شهدت القاعة 25 تنظيم دولية حول استفحال ظاهرة الاتجار في البشر في إفريقيا، لاسيما في سياقات النزاعات المسلحة، كحالات السودان وليبيا ومخيمات تندوف والبلدان ذات الاستقرار الديمقراطي والسياسي الهش كحالة الجزائر ومالي.

وفي بداية الحلقة النقاشية حول موضوع الاتجار في البشر، ذكر الأستاذ سعيد أشمير بخطورة تلك الظاهرة وانتشار عبر مناطق المعمور ونطاقها واثارها المدمرة على الافراد والاسر والمجتمعات، وبسط مسير الندوة معلومات حول الأساتذة المشاركين في الندوة ويتعلق الأمر بالأستاذ عبد الوهاب الكاين، رئيس منظمة أفريكا ووتش والدكتورة مينة لغزال، منسقة تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية والأستاذ محمد سالم محمد، باحث في مجال حقوق الإنسان.

وأضاف السيد اشمير أن المداخلات المدرجة ببرنامج الندوة، ترتبط بتنوير المشاركين في هذا الحوار المفتوح حول فهم سياق الإتجار بالبشر وتقديم نظرة عامة على الإتجار بالبشر، يشمل التعريف المعتمد ببروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال، المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، وكذا أشكاله المختلفة، بما في ذلك العمل القسري والاستغلال الجنسي، دون إغفال تسليط الضوء على الديناميكيات الإقليمية لدراسة العوامل المشجعة لتفاقم ظاهرة الاتجار في البشر بإفريقيا، بما في ذلك في ظروف الصراعات والفقر المدقع وعدم الاستقرار السياسي، وبسط معطيات موثقة بخصوص سياقات استفحال ظاهرة الاتجار في البشر بمخيمات تندوف والسودان.

وفي مداخلة سيتطرق الدكتور محمد سالم محمد لإشكالات الاتجار في البشر وتأثيرها على الفئات الهشة في السودان في ظل النزاع المسلح المستمر في السودان وتفاقم معدلات النزوح والهشاشة، مما يخلق أرضا خصبة للمتاجرين بالبشر وخاصة النساء والأطفال.

وفي عرض لأثر الاتجار بالبشر بمخيمات تندوف، بسطت الدكتورة مينة لغزال معلومات معمقة بخصوص استفحال الظاهرة بمنطقة تندوف في غياب أطر قانونية دولية ووطنية لحماية الأشخاص الصحراويين القاطنين بتلك المخيمات وتبيان الجهات المتدخلة في تشجيع عمليات الاتجار وكذا استراتيجيات الوقاية والاستجابة، بالإضافة الى برامج التدخل المرتبطة باستكشاف المبادرات التي تهدف إلى مكافحة الاتجار في المخيمات، بما في ذلك دور المنظمات غير الحكومية، وأهمية تعزيز التعاون الدولي والإقليمي والأطر القانونية وبرامج التوعية المجتمعية لمنع الاتجار ودعم الضحايا.

وفي هذا الإطار، أوضح الأستاذ عبد الوهاب الكاين أن مفهوم الإتجار بالبشر يعني بشكل عام وضع الأفراد تحت تحكم اخرين أو الاحتفاظ بهم في وضع استغلالي لتحقيق مكاسب اقتصادية.

وترجع بداية الجهود الدولية لمعالجة الإتجار بالبشر إلى القرن التاسع عشر، غير أنه لم يتم التوافق على إطار قانوني شامل حول هذه المعضلة إلا خلال العقدين الماضيين.

فقد اعتمد بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال، المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية في عام 2000، وشكل معلما بارزا في مجال مكافحة هذه المعضلة.

وأضاف الأستاذ الكاين أن تعريف الاتجار بالبشر حسب مقتضيات البروتوكول يفيد ب “تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو إيوائهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة استضعاف، أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال. ويشمل الاستغلال، كحد أدنى، استغلال دعارة الغير أو سائر أشكال الاستغلال الجنسي، أو السخرة أو الخدمة قسرا، أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق، أو الاستعباد أو نزع الأعضاء”.

واسترسل النشط الحقوقي قائلا أن ملايين البشر لا زالوا عرضة للاتجار سنويا في جميع المناطق وفي معظم بلدان العالم على الرغم من وجود إطار قانوني دولي شامل، وقد يتم الاتجار بالضحايا داخل بلد واحد أو عبر الحدود لأغراض مختلفة، بما في ذلك العمل القسري والاستغلالي في المصانع والمزارع والأسر الخاصة، والاستغلال الجنسي، والزواج القسري وإزالة الأعضاء.

وأضاف إن الطبيعة السرية للاتجار تجعل من الصعب تحديد الظاهرة، وقال إنه بحسب تقديرات منظمة العمل الدولية العالمية، تعرض 25 مليون شخص للعمل القسري والاستغلال الجنسي في عام 2016 في جميع أنحاء العالم، كما أشار أن التقرير العالمي لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة لسنة 2020 أقر بأن النساء والفتيات ما زلن يتأثرن بشكل خاص بالاتجار بالأشخاص، حيث إنه في عام 2018، من بين كل عشرة ضحايا تم اكتشافهم على مستوى العالم، كان حوالي خمسة من النساء البالغات واثنتان من الفتيات.

وقال الأستاذ الكاين أن حصر المسببات المؤدية الى انتشار الاتجار بالبشر، لا زالت غير ممكنة لتشعب الأسباب وتنوع المتدخلين، وتستند أساسا الى التمييز في إنكار الحقوق الاقتصادية والاجتماعية كعوامل حاسمة في جعل بعض الأشخاص أكثر عرضة للخطر من غيرهم.

وشدد المتحدث على ارتباط الاتجار بالبشر بانتهاك الحق في مستوى معيشي لائق مما يزيد امكانية تعرض الشخص للخطر.

فالممارسات المتمثلة في امتهان العبودية والاستغلال الجنسي وعمل الأطفال والعمل القسري وعبودية الدين والزواج القسري، تشكل في حد ذاتها انتهاكات لحقوق الإنسان الأساسية ومحظورة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان. ويرى الأستاذ الكاين أن مكافحة الاتجار في البشر لا تصح في غياب التمتع بالحق في الوصول إلى العدالة، والحق في سبل الانتصاف الفعالة، والحق في محاكمة عادلة.

وسلط الأستاذ الكاين الضوء على انتشار ظاهر الاتجار بالبشر في مناطق مخصصة لعيش اللاجئين في افريقي، كالسودان ومخيمات تندوف جنوب غربي الجزائر، كسياقات تنشط فيها جماعات مسلحة وخارجة عن القانون في مجال الاتجار بالبشر ويتعرضون لانتهاكات مروعة أثناء انتقالهم على طول طرق مختلفة داخل منطقة الساحل وشرق أفريقيا، ونحو شمال أفريقيا وأحيانا إلى أوروبا.

ويشمل ذلك التعرض للعنف القائم على النوع الاجتماعي المتكرر، والاختطاف من أجل الحصول على فدية، وتركهم ليموتوا في الصحراء كما يقع في السياق الليبي والجزائري، وتسليم الأطفال الى جهات أجنبية في عملية احتيالية تجسد شكلا جديدا من اشكال الاتجار بالبشر، عبر فرض استقرارهم في مجتمعات غريبة عن واقعهم وفضائهم الثقافي والحضاري والديني، في تواطؤ مباشر مع داعمي البوليساريو في القارة الأوروبية، بغية تشجيع انسلاخ الاف الأطفال عن حاضنتهم الأسرية والدينية والثقافية، ناهيك الإيذاء الجسدي والنفسي من قبل هؤلاء من الجناة بما في ذلك المهربون والمتاجرون وأحيانا الجهات الفاعلة غير الحكومية كتنظيم البوليساريو بدعم علني من الدولة الحاضنة للمخيمات.

إن ظاهرة الاتجار في البشر في السياق الجزائري، ما فتئت تزداد قتامة وتعقيدا، لأن السلطات الجزائرية لا تفي بالمعايير الدنيا للقضاء على الاتجار بالبشر بشكل كامل، بالرغم من بذلها جهودا في هذا الاتجاه، حسبما أكدت الدكتورة مينة لغزال.

وأوضحت الدكتورة لغزال أن سن قانون جزائري جديد لمكافحة الاتجار بالبشر، ليس كافيا للقضاء على الظاهرة، حيث لم تحيل الحكومة الجزائرية الضحايا باستمرار إلى الملاجئ والخدمات المناسبة، وبسبب إجراءات الفحص غير المتسقة التي اتخذتها الحكومة للضحايا بين الفئات السكانية الضعيفة، مثل المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، واللاجئين، وطالبي اللجوء، والأشخاص الذين لا يحوزون مركزا قانونيا بموجب الاتفاقية الدولية لوضع اللاجئين كالصحراويين القاطنين بمخيمات تندوف.

وأشارت منسقة تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية أن الاتجار بالبشر في أفريقيا آفة عابرة للحدود الوطنية، حيث إنها تعد منطقة من أكثر المناطق تضررا من الاتجار بالبشر.

ووفقا لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC)، فإن القارة الأفريقية هي منطقة منشأ وعبور ومقصد لضحايا الاتجار بالبشر. وتؤثر هذه الآفة بشكل خاص على الفئات السكانية الضعيفة مثل النساء والأطفال والمهاجرين. ويتم اختطاف الأشخاص أو بيعهم أو خداعهم قبل استغلالهم لأغراض مختلفة كالعبودية الحديثة، والعمل القسري، والاستغلال الجنسي، وحتى حصاد الأعضاء.

ونوهت الى تعدد العوامل التي تسهل الاتجار، كالفقر وعدم الاستقرار السياسي والصراع المسلح وغياب المؤسسات القوية يخلق أرضا خصبة لهذه التجارة غير المشروعة.

وأضافت أن تشهد منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى على وجه الخصوص، تشهد بسبب صراعاتها الداخلية وضعف تنميتها الاجتماعية والاقتصادية، زيادة مثيرة للقلق في هذه الجرائم، ويحرم الأشخاص فيها من الحماية القانونية وتترك تحت رحمة المتاجرين بالبشر.

إن فهم مدى تعرض الأشخاص للاتجار، يرتبط ارتباطا وثيقا بالسياقات المنتجة لذلك، كما أكدت الدكتورة لغزال، كحالة مخيمات تندوف، حيث إيواء الاف الصحراويين منذ عقود جون حيازة مركز قانوني للاجئين، مما يزيد من المخاطر التي يواجهها هؤلاء السكان.

وتناولت منسقة التحالف بالحديث الوضع في المخيمات بكونه مثيرا للقلق وفي عزلة تامة عن العالم الخارجي وتتصف ظروف عيشهم بالقاسية، حيث هؤلاء الأشخاص على المساعدات الإنسانية بشكل شبه كامل للبقاء على قيد الحياة. أوضحت ان تلك الظروف الملتبسة والمعقدة توفر شروطا لتشجيع الاتجار بهم وبخاصة الأطفال والنساء والشباب، في وسط تواتر معلومات بانتشار ممارسات العمل القسري، والاستغلال الجنسي، وحتى تجنيد الأطفال.

وأضافت المتحدثة إلى إن الافتقار إلى المراقبة والحماية الدولية، بالإضافة إلى انعدام الحقوق المدنية للاجئين، يجعل الوضع أسوأ، ومن الضروري تعزيز اليقظة والرصد في هذه المناطق حيث لا ولاية قانونية وقضائية أممية أو وطنية للدولة الضيفة للمخيمات، وانعدام توفر الصحراويين القاطنين بالمخيمات على سبل انتصاف فعالة للوقاية والحماية من الانتهاكات.

وواصلت قائلة إن الأطفال الصحراويين هم أول ضحايا الاتجار بالبشر، فهم ما زالوا يتعرضون لأشكال الاستغلال من قبل جبهة البوليساريو. وغالبا ما يتم فصل هؤلاء الأطفال عن عائلاتهم، ويتم استغلالهم، وتلقينهم أيديولوجيا، وإخضاعهم للتدريب العسكري، وأحيانا يتم نقلهم إلى بلدان أخرى بحجة الترفيه في إطار ما يسمى برنامج “عطل السلام”.

إن الغاية من تنظيم ذلك البرنامج للأطفال الصحراويين القادمين من المخيمات، ليس الترفيه عنهم وتوفير الراحة والتعليم الجيد للأطفال الصحراويين، حسب المدافعة الصحراوية عن حقوق الإنسان، بل القصة تخفي في بعض الأحيان حقائق أكثر قتامة، حيث يتم تسهيل إقامات دائمة وتجنيس لهؤلاء الأطفال، ولا يعودون إلى أسرهم أبدا، وغالبا ما تكون ظروف إقامتهم غامضة.

وعلى الرغم من أن هذا النظام كان مصمما في بداية الأمر للمساعدة والتخفيف من أعباء الحياة في مخيمات تندوف، إلا أنه تم اختطافه من قبل أفراد عديمي الضمير يستغلون ضعف هؤلاء الأطفال وعوز عائلاتهم.

وختمت الدكتورة لغزال قائلة بأن مئات الأطفال يقعون ضحايا لعمليات البيع المقنعة والتبني غير القانوني بعد منع بعضهم من الرجوع إلى أسرهم البيولوجية بعد انتهاء عطلة السلام. وعانى هؤلاء الأطفال من الاستغلال الجنسي المتكرر ونشر المواد الإباحية المتعلقة بالأطفال، بحسب شهادات ضحايا سابقين.

ويتميز برنامج “إجازات في السلام” بخصائص مشجعة لظاهرة الاتجار بالبشر، وهي ممارسة محظورة بموجب بروتوكول باليرمو، ويتم تهجير الأطفال بذرائع إنسانية زائفة، واستغلالهم سياسيا وأحيانا جنسيا. وكجزء من التزام المجتمع الدولي بمكافحة الاتجار بالبشر، يجب على المجتمع المدني أن يتحرك لإنهاء هذا البرنامج، حيث إن الحماية من الاستغلال والعنف والاتجار بالأطفال مسؤولية جماعية لا يمكن للمجتمع الدولي أن يتجاهلها.، ومن واجبنا الدفع من أجل اتخاذ التدابير اللازمة لضمان سلامة وحماية الأطفال في مخيمات تندوف.

وللاستجابة للتحديات المحددة التي تفرضها مخيمات تندوف، من الضروري وضع مراقبة دولية أكثر صرامة، بالتعاون مع وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية. ويجب حماية اللاجئين بموجب القانون الدولي، ويجب التحقيق بشكل شامل في ادعاءات الاتجار بالبشر، مع ضمانات الحماية للشهود والضحايا.

وأوصت الدكتورة مينة لغزال في ختام الندوة بضرورة تعزيز البلدان الأفريقية لقوانينها الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر، حيث إن العديد من الدول المصادقة على الصكوك الدولية، مثل بروتوكول باليرمو، لا تلتزم بإنفاذ هذه المعايير، ويتعين عليها ضمان تطبيق هذه القوانين بفعالية، مع فرض عقوبات رادعة ضد المتاجرين بالبشر ومكافحة إفلاتهم من العقاب.

إن استمرار الاعمال العدوانية بين أطراف الصراع السوداني يزيد من وتيرة لجوء ميليشيات وجماعات مسلحة الى ممارسة الاتجار في البشر.

وأورد الدكتور محمد سالم محمد في معرض حيثه عن تلك الظاهرة الخطيرة، إلى أن الحكومة السودانية لا تفي بالمعايير الدنيا للقضاء على الاتجار بالبشر بشكل كامل، بالرغم من بذلها لجهود في هذا الباب. وأوضح المتحدث ان تلك الجهود شملت زيادة التحقيقات والملاحقات القضائية والإدانات، وتحديد ضحايا الاتجار بالأطفال بين أعضاء الميليشيات، وتوفير التدريب العسكري والتجنيد القسري للأطفال، واستخدامهم كجنود في الحماية المدنية والقوات العسكرية.

ولذلك يضيف الأستاذ محمد سالم أن الحكومة لم تفي بالمعايير الدنيا في العديد من المجالات الرئيسية، بسبب انعدام الأمن مما يعيق من قدرة السودان على الإبلاغ بدقة عن جهود مكافحة الاتجار بالبشر. وأوضح المتحدث الى الخلط الكبير الحاصل بين الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين، في إعاقة واضحة لجهود إنفاذ القانون.

https://anbaaexpress.ma/z68wd

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى