حوار اليوم هام وإستثنائي مع أحد أهم المدافعين عن حقوق الإنسان، فمنذ سنوات، والمملكة المغربية تخضع لفحوصات دقيقة في مجال حقوق الإنسان من جهات مختلفة دولية وإقليمية وطنية، أو من طرف أصحاب مصلحة اخرين، قصد تثبيت مزاعم نالت نصيبها من الانتشار الإعلامي أو إمعانا في صورة المغرب المشرقة حقوقيا والتي تمت حيازتها نتيجة نضالات المغاربة عبر عقود بالرغم من التحديات.
إن تقدم المملكة المغربية في سياق إقليمي معادي، يشي بتوافق إرادات سيادية ووطنية وشعبية على ضرورة التوافق بشأن بناء الوطن والمؤسسات في إحترام للدستور المعبر عن إرادة شعب استطاع استيعاب الدروس من تجاربه السابقة ورفضه لكل أنواع الإخضاع والانتهاكات وصدحه بقبول التوافق سبيلا وحيدا للتعايش والاستقرار والرفاه وسيادة القانون والإنصات والاستجابة لتطلعات كل مكونات الشعب المغربي لكي نضمن الا يتخلف أحد منا.
فقد إستطاع المغرب التغلب على أخطائه وفتح ماضيه الأليم المرتبط بسنوات الرصاص، وهي فترة فتحت جراحا عميقة في النسيج المغربي المنهمك بأحمال وتكاليف الاستقلال الثقيلة وهموم بناء الدولة الحديثة التي أقرت جميع جهات المغرب الفاعلة استحالة إنجاز صرحها إلا بالحوار والتشاركية والترفع عن التحزب والاصطفاف المجاني للأيديولوجيات الخادمة لغيرنا بإشعال فتيل التشرذم والفتنة بين مكونات مجتمعنا الاثنية والسياسية والفكرية وتقويض نضالات قوانا الحية بفعل التأثير السلبي الذي يقتل ويؤخر زمنا طويلا من نهضتنا ورفاهنا.
كان للاستجابة المولوية السامية لتطلعات الحركة الحقوقية المغربية ولعائلات ضحايا الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي عميق الأثر في توحيد والمطالب واستيضاح الرؤى حول ماذا نريد بشأن المستقبل، وما إذا كان الأمر يتعلق بتحقيق مصالحة وطنية فريدة في حقل المصالحات الوطنية على المستوى الدولي، وعاكسة لسياقات المغرب التاريخية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.
حيث عبرت خطوة إنشاء هيئة للإنصاف والمصالحة لطي صفحة الماضي الأليم عن نضج سياسي عميق بحجم التحديات التي يواجه الحاكمون بالمملكة المغربية ودينامية وقوة مكونات الحركة الحقوقية المغربية، التي انبعثت من رماد الانتهاكات وغلبت المصلحة الوطنية والالتحام بين الدولة والقوى الحية حماية للوطن.
إن دخول المغرب في مسار عدالة انتقالية جنب المغرب ويلات الاختلاف والفرقة ونشوب الصراعات والاضطرابات التي تغزو منطقة شمال افريقيا والشرق الأوسط، كان لا بد من تعزيزه بالتزامات دولية مساندة لتلك الإرادة الصلبة المعبرة عن العرش والشعب، حيث تعزز التزام المملكة المغربية بالمصادقة على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، في إطار تقوية الضمانات الوطنية والدولية لحماية جميع الأشخاص المتواجدين ضمن الولاية القانونية والقضائية للمملكة من الاختفاء القسري.
وفي هذا الإطار، إستعرضت لجنة الأمم المتحدة المعنية بحالات الاختفاء القسري تقرير المملكة المغربية الأولي لفحص الوفاء بالتزاماتها بموجب الاتفاقية، وتطوير حوار تفاعلي بناء مع الدولة الطرف لعرض التقدم المحرز في علاقة بقضايا الاختفاء القسري، الوقوف على بواعث القلق لدى اللجنة الأممية ومنظمات المجتمع المدني المشاركة في الدورة السابعة والعشرين للجنة.
وفي هذا الصدد تسلط أنباء إكسبريس، بشكل حصري الضوء على تفاصيل فحص تقرير المغرب الأولي امام اللجنة المعنية بحالات الاختفاء القسري وردود الدولة وتفاعل المنظمات غير الحكومية وتواصل بعض الفاعلين المدنيين مع خبراء اللجنة ودور المجتمع المدني في التعريف بالتزامات المغرب والتحديات التي تواجهه في تنفيذ التزاماته بموجب الاتفاقية وما يعترض الفضاء المدني من عراقيل للقيام بواجبه اتجاه بلده ووفاء بواجبه في حماية حقوق الانسان ونشر ثقافتها على نطاق واسع، في حوار ماتع ومهم مع الأستاذ عبد الوهاب الكاين، رئيس المنظمة الإفريقية لمراقبة حقوق الإنسان، ونائب منسقة تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية، من مجلس حقوق الإنسان بجنيف.
في البداية، نشكرك الأستاذ عبد الوهاب على التفاعل مع طلبنا لإجراء حوار حول نقاش تقرير المغرب المتعلق بالاختفاء القسري في جنيف، لكن في البداية يتم الحديث عن مناقشات لحالة حقوق الانسان في المغرب، لماذا وكيف يتم ذلك؟
عبد الوهاب الكاين: الشكر موصول لكم أستاذ عثمان بنطالب على فتح منبركم دائما للتعريف بقضايا البلد ذات الأولوية القصوى، والانفتاح على اشتغال منظمات المجتمع المدني وتسليط الضوء على عملها ومبادراتها باعتبارها قوة اقتراحية إلى جانب الحكومة لتقديم اقتراحات وتوصيات ترنو تجويد العمل الحكومي المركزي والمحلي في علاقة بحماية الحقوق وصيانة الحريات الفردية والجماعية.
ولعل من شأن تناول وسائل الإعلام المكتوب والمرئي والإلكتروني لقضايا حقوق الإنسان سواء تعلق الامر بوضع حقوق الإنسان داخليا او على المستوى الدولي بعين فاحصة وبخلفية حقوقية قادرة على تقييم منجز السلطات العمومية وتقدماتها المحرزة وكذا تحليل وتقييم التحديات الكامنة وراء عدم الوفاء بحزمة قضايا، يعتقد المجتمع المدني عدم تنفيذها عقبة في مسار تعزيز حقوق الإنسان.
ارتباطا بسؤالكم حول لماذا يتم الحديث في بعض الأوقات بشكل مكثف عن المغرب دوليا؟
أستطيع القول في هذا الباب، أن المملكة المغربية كدولة تنتمي جغرافيا لشمال إفريقيا هي الدولة الوحيدة في منطقة شمال افريقيا والشرق الأوسط التي استطاعت النهوض بقوة من عثراتها المرتبطة بزمن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان، حيث رسمت خطا تصاعديا متسارعا للوفاء بالتزاماتها المعبر عنها في العديد من الاستحقاقات الوطنية والدولية، يتم تعضيده بتدابير وإجراءات ميدانية لم تنقص قط من قيمة ومكانة الدولة، بل عززت الثقة بها دوليا وجعلتها شريكا ذا مصداقية في العديد من المنتديات الدولية.
فإقدام المغرب على إطلاق صراح مجموع السجناء السياسيين، وإغلاق مراكز الاعتقال غير النظامية بكامل التراب الوطني، كان مؤشرا لاتخاذ خطوات أكثر جرأة وفعالية في القطع مع التدبير المزاجبي لقضايا حقوق الإنسان، وبدأ الفاعل الحكومي والسياسي والمدني يتحدث خطابا متقاربا بشأن الحقوق والحماية والتمتع والولوج للحقوق والحريات، وكثر الحديث عن ملفات الانتهاكات الجسيمة وضرورة الخوض فيها ودراستها ولما لا التقرير بشأنها، لاستنبات ثقافة التصالح والاعتراف والجبر وحفظ الذاكرة والاستحقاق والتعريض والعدالة وضمان عدم التكرار وغيرها من المقومات التي لا يمكن إلا أن تعكس وعيا والتزاما قويا بإحداث التغيير من قبل الدولة واستجابة ودعما بارزين من قوى المجتمع المدني المليئة بالحيوية والأمل في بناء مغرب الحقوق والحريات.
هذا التقدم المحرز وتلك الإرادة الراسخة في التحسين وتصويب الاخطاء واعتماد سياسات وبرامج وخطط إصلاحية تستهدف الانسان بغض النظر عن خلفيته الثقافية او السياسية او مركزه الاجتماعي، أحدث نقلة نوعية في البنية مؤسسات الدولة، لا سيما المؤسسة الأمنية، ويمكنني الجزم بأن التغير الإيجابي الذي طال المؤسسة الأمنية بمختلف تفريعاتها يعد لافتا للنظر بقوة، سواء تعلق الأمر بالانفتاح الكبير للإدارة العامة للأمن الوطني على محيطها المجتمعي، في خطوة ذكية لترسيخ مبدأ خدمة الشرطة للمواطن والمجتمع، وتقديم الخدمات الأمنية في احترام كامل لكرامة المواطن، والتعاون الواسع للإدارة مع مكونات الفضاء المدني سواء تعلق الامر باستقبال الشكايات او على مستوى عد شراكات مع المجتمع المدني لخدمة المجتمع.
ولهذه الأسباب بالذات، يعد المغرب مركز جذب حقوقي بامتياز ويخضع لفحص وتشخيص دوري دائم من قبل هيئات واليات الأمم المتحدة ومن المنظمات الدولية الاملة في مجال حقوق الإنسان وغيرها من أصحاب المصلحة
لكن أود شرح الغاية من الحديث عن المغرب في مجلس حقوق الانسان وامام اللجان التعاهدية وما الغرض من ذلك وكيف تتم المسألة؟
اسمحوا لكوني في البداية بسطت لمحة عن تطور أوضاع حقوق الانسان في المغرب والذي رافقته التزامات للمملكة وطنية ودولية لتعزيز وحماية الحقوق والحريات.
غير أن الجانب الأهم في المسألة هو أجرأة تلك الالتزامات، فمثلا المملكة المغربية أعربت غير ما مرة عن نيتها في التصديق او الانضمام لاتفاقية دولية لحقوق الإنسان، ويظل الكثير منا يشيد بتلك الخطوة الأولية والمهمة في الان ذاته، غير أنه يغيب عن أذهاننا، أن الدولة في خطوة أهم من الأولى، قد أوراق المصادقة على تلك الاتفاقية، وبعد ذلك قبلت اختصاص لجنة للأمم المتحدة تعنى بمراقبة تنفيذ الالتزامات الواردة في تلك الاتفاقية، وفي وقت لاحق، ترفع من حجم التحدي المرتبط بالالتزام الدولي الى تقديم تقارير وطنية دورية تعلن من خلالها في مقام أول استعدادها لتلقي اراء وتقييمات خبراء تلك اللجان والتفاعل معها وكذا الانصات والتجاوب مع معلومات المجتمع المدني المقدمة لتلك اللجان، بالإضافة الى الانكباب على دراسة الشكاوى الفردية التي تحوي مزاعم بحدوث انتهاكات لحقوق مدرجة في الاتفاقية موضوع الفحص داخل البلد.
ومن باب التذكير، فالمملكة المغربية صادقت فعليا على تسع اتفاقيات أساسية في مجال حقوق الإنسان، وهي الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية و اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة و الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم واتفاقية حقوق الطفل و اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري.
ونظرا لحجم الالتزامات الدولية في تقديم التقارير الوطنية وتنفيذ التوصيات المقدمة من لجان المعاهدات وإجراءات مجلس حقوق الإنسان الخاصة، لم يأل المغرب جهد للحضور في المواعيد والاستحقاقات الأممية المقررة من مختلف الاليات الدولية لحماية حقوق الإنسان.
فيكفي أن أسلط الضوء على تفاعل المملكة المغربية في إطار ممارستها الاتفاقية خلال ثلاث سنوات، من خلال فحص ومناقشة تقرير المملكة المغربية الجامع للتقريرين الدوريين الخامس والسادس في يونيو 2022 امام اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة، وتقرير المغرب الثاني أمام اللجنة المعنية بحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم في مارس 2023، والتقرير الجامع للتقارير الدورية من التاسع عشر إلى الحادي والعشرين أيام 22 و23 نوفمبر 2023 امام لجنة القضاء على التمييز العنصري، والنظر في التقرير الاولي للمملكة المغربية أمام اللجنة المعنية بحالات الاختفاء القسري في 24 و25 شتنبر 2024 الماضي.
هذا العمل المكثف في قضايا مختلفة ومتنوعة يتطلب الكثير من الجهد والدقة والتقنية والاطلاع على الملفات وعلى مقتضيات القانون الدولي ومراجعة التشريعات الوطنية والممارسات الفضلى والحالات والشكاوي والمزاعم وغيرها من الأمور التي تستوجب الإحاطة بها للتفاعل مع أسئلة وشواغل خبراء هذه اللجان وتقديم إفادات مقنعة ومؤسسة مبنى ومعنى، لسد الذرائع، إضافة الى ما يقدمه المجتمع المدني من قضايا ومعلومات يجب التعامل معها بإيجابية وحسن نية واستعداد لتقديم توضيحات او التدخل لحل مشكلة او تخفيف عبء على ضحايا أو تحسين ممارسات.
ناقشت لجنة الأمم المتحدة المعنية بحالات الاختفاء القسري تقرير المغرب الأولي في الأسبوع الماضي، ما الذي جرى؟
في دورات فحص تقارير الدول الأطراف أمام لجان المعاهدات، يتم تخصيص جلستين من الحوار التفاعل مع الدولة موضوع الفحص، لإفساح المجال لوفد الدولة الطرف للإدلاء بتقديم حول تقريرها والسياقات المحيطة بإعداده والتحديات اتي اعترضت تنفيذ التزاماتها بموجب الاتفاقية وغيرها من القضايا التي ترى الدولة فائدة من تسليط الضوء عليها.
وهذا ما جرى خلال جلستي فحص تقرير المملكة المغربية أمام اللجنة المعنية بحالات الاختفاء القسري أيام 24 و25 شتنبر الحالي بقصر ويلسون، حيث قدم السيد عبد اللطيف وهبي كلمة تقديمية طويلة حول منجزات المملكة المغربية وخططها واستراتيجياتها الهدافة الى القضاء على جرائم الاختفاء القسري، وقدم لمحة عن منجز المملكة في هذا الإطار، بدء بالإرهاصات الأولى للتغيير نحو دولة الحق والقانون وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وإغلاق مراكز الاعتقال غير القانونية وتأسيس الهيئة المستقلة للتعويض وهيئة الانصاف والمصالحة والمجلس الاستشاري لحقوق الانسان، والطفرة الحقوقية التي شهده المغرب باعتماد دستور 2011، وما تلاه من تنفيذ فعلي لما حوته توصيات هيئة الانصاف والمصالحة في علاقة بجبر الضرر وكشف الحقيقة والتعويض وتقديم ضمانات عدم التكرار وإصلاح تشريعي ومؤسساتي على نطاق واسع.
وأثناء الحوار، قدم الخبير خوان بابلو ألبان الينكاسترو والخبير مطار ديوب باعتبارهما مقرري جلسة فحص تقرير المملكة المغربية حزمة من الأسئلة مرتبطة بعدم ملاءمة التشريعات مع مواد الاتفاقية، لا سيما ما تعلق بتضمين جريمة الاختفاء القسري بالقانون الجنائي والمسطرة الجنائية وغيرها من النصوص التشريعية المنفذة لمقتضيات الدستور في علاقة بتجريم الاختفاء القسري واعتباره من أخطر الجرائم واقترانه بالجرائم ضد الإنسانية كما ورد في المادة 23 من الدستور.
وتناولت تساؤلات الخبراء كذلك، مساءلة غياب إدراج جريمة الاختفاء القسري كجريمة مستقلة و تعريف ضحية الاختفاء القسري والإعلان عن قبول اختصاص اللجنة لتلقي ودراسة والفصل في الشكاوى الفردية التي تتضمن مزاعم بحدوث انتهاكات مرتبطة بجرائم الاختفاء القسري في حدود الولاية القضائية للمملكة المغربية، بالإضافة الى أسئلة تتعلق بمزاعم حدوث تمييز بين ضحايا الاختفاء القسري في مرحلة سنوات الرصاص بين الضحايا على أساس الأصل الاثني وهو ما لم يجد له سندا لإثباته حيث أثبت مسؤولون وأعضاء سابقين في هيئة الانصاف والمصالحة أن وضع معايير اشتغال اللجنة تم بتوافق أعضائها وعلى أساس تطبيق المعايير الدولية الناظمة لعمل لجان الحقيقة وللمعايير الدولية المستندة الى احترام حقوق الانسان وعدم التمييز تحت أي مبرر.
ما هو الدور الذي تقوم به مكونات المجتمع المدني في مثل هذه المحطات؟ وما طبيعة المشاركة المدنية المغربية في فحص تقرير المغرب امام لجنة الاختفاء القسري؟
أولا، اود شكركم على طلب تبسيط دور المجتمع المدني في محطة مهمة كالتفاعل مع عمل لجان المعاهدات، لان من شان هذه التوضيحات أن تدعم بشكل قوي إرادة الجمعيات المدنية العاملة في مجال حقوق الإنسان في الاشتغال على قضايا حقوق الانسان بالمغرب، ولكن ببعد دولي وأممي دون ان يشكل ذلك انزياحا عن أهداف وغايات وجود المجتمع المدني والمتمثلة أساسا في جعلها قوة اقتراحية تدعم عمل الحكومات وتقوي فرص تمتع الأشخاص والجماعات بالحقوق والحريات والحيلولة دون وقوع انتهاكات أو التدخل لرصدها وتوثيقا والتقرير بشأنها والتواصل مع المؤسسات الحكومية والدولية لنشر المعرفة بها أو لاستصدار توصيات وبلاغات عاجلة وقرارات تهدف دائما الى التحسين والحماية والتعزيز.
فالمجتمع المدني، لا يمكنه بأي حال من الأحوال الحلول محل الدولة والسلطات، وإلا سيكون عقبة وعائقا لعمل الحكومات، لأن من شان التثقيف في مجال حقوق الانسان، سواء تعلق الامر بفهم وتحليل التشريعات الوطنية والقانون الدولي، أن يعزز قناعة منظمات المجتمع المدني بتحديد ومعرفة دورها المنوط بموجب القانون، ويؤمن بيئة مدنية سليمة للاشتغال مع مختلف الفاعلين الحكوميين والسياسيين، لضمان حماية اقوى وأفضل لحقوق الإنسان.
بالنسبة لمشاركة منظمات المجتمع المدني في فحص تقرير المملكة المغربية الاولي أمام اللجنة المعنية بحالات الاختفاء القسرين يسرني أن أؤكد لك أنه تمرين جيد من حيث عدد الجهات المدنية المتقدمة بتقارير موازية، وكذا الإفادات الشفاهية المنجزة في تفاعل مع خبراء اللجنة قبل جلسة الفحص، بالإضافة الى الاتصال بأعضاء اللجنة من اجل التوضيح والتوسع في قضايا لم تأخذ حقها في النقاش أو تم التعتيم حولها أو بخصوص إطلاق مزاعم لا أساس لها من الصحة حول وجود حالات اختفاء قسري قد تتعلق في الأساس بمحاولات هجرة غير نظامية انتهت الى فقد أسر لذويهم، أو في ارتباط بنهج بعض الجهات المغرض لمحاولة إدراج حالات اختفاء قسري في أجندة اللجنة، لا تستند لوقائع ومعلومات موثوقة، أو تدخل في إطار سعي تلك الجهات لتوريط المغرب حقوقيا كلما حانت مشاركته في استحقاقات اممية من قبيل استعراض تقاريره امام لجان المعاهدات او على هامش ترؤسه لمجلس حقوق الإنسان.
وفي هذا الإطار، بذل ممثلو تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية جهود كبيرة لوضع تقارير موازية تستند الى معرفة مقتضيات الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، ونطاق عمل اللجنة وكذا التشريعات الوطنية المرتبطة بالوفاء بالتزامات المغرب بموجب الاتفاقية وكذا التحديات الموجودة، ومن عمل ميداني طوال فترة الإعداد في تعاون وثيق مع المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان.
يذكر أن مكونات تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية قدمت تقريري ظل في الدورة السابعة والعشرين للجنة الأمم المتحدة المعنية بحالات الاختفاء القسري، من بين 27 تقريرا موازيا يتعلق بإعداد قائمة المسائل أو التوصيات.
واحترمت منهجية إعداد التقارير الموجعة لهيئات المعاهدات، واكتفت بتحليل وتقديم توصيات حول السياق المغربي في علاقة بتنفيذ التزامات المغرب الدولية ذات الصلة باتفاقية حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، واضافت تفسيرات وتوصيات حول تطبيق مواد الاتفاقية في الأقاليم الجنوبية، وعيا منها بأن أسئلة ستتم إثارتها إما بمبادرة من خبراء اللجنة أو إسهاما من مشاركين من المجتمع المدني يهمهم محاولة إحراج وفد الدولة الطرف.
نود بهذه المناسبة إضافة امر هام بخصوص استعراض تقرير المغرب امام اللجنة الأممية، وتتعلق أساسا بمضامين التقارير الموازية لتقرير المغرب الوطني، ويتخلص هذا الأمر وقوع التباس كبير لدى بعض منظمات المجتمع المدني أثناء وضع وتحديد قائمة القضايا المواضيعية التي تسترعي انتباه المنظمة للتقرير بشأنها.
فمن جهة هناك تقارير لا تبحث من غاية ترجى سواء الإساء للمغرب وتقديمه جلادا وقاتلا متسلسلا، وكأنهم لم يعلموا قط بفتوحات المملكة المغربية في مجال العدالة الانتقالية وما تبع ذلك من تصديقات واعتماد تشريعات وطنية متقدمة وتدابير وإجراءات حامية لحقوق الإنسان دون شك، ونحن كتحالف للمنظمات غير الحكومية الصحراوية نأسف على استمرار هذه التوجهات الهدامة لعمل المجتمع المدني وغاياته النبيلة.
ومن جهة أخرى قدمت تقارير لا تلتزم بالمعايير الدنيا لصياغة التقارير، وفقراتها تعتريها ضبابية شديدة، حيث حتى الخبراء عبروا عن امتعاضهم من عدم توصلهم الى ما تريد الجهة المرسلة للتقرير إيصاله للجنة، وقد تتسلل فقرات وصفحات كاملة الى هذا النوع من التقارير لا علاقة لها بالاختفاء القسري ولا بالتزامات المغرب بموجب مصادقته على الاتفاقية ومراقبة وفائه بموجب مقتضياتها.
كيف يقيم تحالفكم مشاركة الاعلام في تقريب الصورة حول استعراض تقرير المغرب أمام اللجنة؟
في الحقيقة، الإعلام الوطني يعتبر هذه الاستحقاقات الأممية، خبرا عابرا تتم تغطيته بشكل لحظي التزاما بتأكيد حضور الصحيفة او الموقع الإخباري، في الوقت الذي تعكف مواقع الكترونية عربية ودولية على إجراء تحليلات عميقة لهكذا استحقاقات، سواء بتغطية إعلامية ميدانية من داخل قاعة الجلسات وتنظيم لقاءات مع خبراء اللجنة ورئاسة الوفد الرسمي وأعضاء المجتمع المدني المشاركين، أو تنظيم حلقات نقاشية متخصصة حول الحدث ودعوة الفاعلين المدنيين والجامعة والخبراء في القانون الدولي للتعليق على فحص تقرير المملكة المغربية الأولي أمام لجنة من أحدث اللجان التعاهدية في المنظومة الأممية لحماية حقوق الإنسان، وتستدعي اهتمام خاصا من قبل وسائل الإعلام الوطنية بمناسبة تقرير المغرب.
والأمر الثاني انصراف اهتمام الاعلام الوطني والمحلي الى تغطية قضايا محلية تزامنا مع جلسة استعراض تقرير المغرب، نعتبره سوء فهم عميق للقضايا الاستراتيجية للبلد وإستخفافا بحقوق المواطنين، لان جلسات الاستعراض ليست حفلات تتبادل فيها الوفد عبارات الثناء والمدح مع خبراء اللجان، هي امتحان وتمرين حقيقي لمستوى الديمقراطية والتمتع بالحقوق والحريات داخل البلد، ومن المفروض أن يتم إيصال ما يجري داخل تلك الجلسات الحوارية التفاعلية الى المواطن البسيط لكي يعرف موقعه من السياسات والقوانين والاجراءات والتدابير التي تتخذها الدولة في مجال حقوق الإنسان.
كلمة أخيرة
وبهذه المناسبة أشكركم على اهتمامكم المتواصل بمناقشة وتسليط الضوء على قضايا حقوق الإنسان وطنيا ودوليا والاهتمام بصنع السياسات المتعلقة بحق الانسان والرهانات الدولية والإقليمية المرتبطة بذلك، وأشكر كل القائمين على منبركم الإعلامي المحترم أنباء إكسبريس، ومزيدا من التألق.