ثقافة

الملاحن.. جسر إنزياحي

د. أحمد بلحاج آية وارهام

في العربية ألوان من القول وأصناف، يستفزك إيجازها، وينأى عنك مرماها، إذا لم تتشرب روحها الذي لا يُشرق من مبناها.

ونستدل على هذا بما يسمى ب (الملاحن أو المعاريض)، وهي نوع من القول تمتد أصوله إلى العصر الجاهلي، الذي تم التفنن فيه، ثم إلى بداية الإسلام، حيث استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم في كلامه.

ويسمى ب(المورى، أو المعاريض، أوالكنايات في الكلام،) لأن باطنه غير ظاهره، ومقصوده غير ما  يطفو على لفظه، فكأنه لغز من الألغاز، طابعه الانزياح في استعمال لفظ معين عن دلالته الشائعة العامة والمعروفة بين الناس إلى دلالة معجمية أخرى لهذا اللفظ ذاته، لا يعرفها المتلقي،ولا يدرك معناها إلا بعد مراجعة المعاجم، أو بعد أن تِشرح له.

فاللفظ في هذا اللون من الكلام يحتمل معنيين أو أكثر، أحدهما قريب، ولكنه غير مقصود، وثانيهما بعيد وهو المقصود، كقول النبي صلى الله عليه وسلم لعجوز: (إن الجنة لا يدخلها عجوز).

وهذا منحى من البلاغة، يجعل الحديث قولا وكتابة يتغيا إدخال السامع أو القارئ في متاهة تَصرفه عن وجه من وجوه الحقيقة، و تنْجيه من العقاب إن كان  قد ارتكب زلة ما، ومن الكذب إن لم يُرد الكشف عن الحقيقة، ولذلم قيل: إن في المعاريض لمندوخة عن الكذب.

فالملاحن جسر انزياحي نعبر عليه إلى وجه بلاغي لا منه أنجى و أخف و ألطف. وقد صنف في هذا الفن البلاغي الفريد الكثيرون، منهم: ابن دريد الأزدي، والمُفَجّع البصري، وابن فارس، والمعري. ومن الأمثلة عنه ما أورده ابن دريد في أول كتابه(الملاحن):

1 – (والله ما سألت فلانا حاجة قط.) فالحاجة:ضرب من الشجر له شوك.

2 – (والله ما رأيت فلانا قط ولا كلمته) فمعنى رأيت فلانا: ضربت رئته،ومعنى كلمته: جرحته.

https://anbaaexpress.ma/zod8z

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى