تراجع الإنتاج الدرامي السوري بعد العدوان الكبير الذي استنزف بنيتها التحتية وقدرتها على مواصلة التّقدم في مجال الإبداع السينمائي والدرامي على الوتيرة نفسها قبل 2011.
وفي الآونة الأخيرة عادت بعض الوجوه إلى الشّاشة، لكن بنمط مختلف، ما يثير سؤال مصير الهوية التي دمغت الدراما السورية. هذا البلد الذي شهد أوّل فيلم سينمائي صامت عام 1931 بعنوان: تحت سماء دمشق، أخرجه المخرج السينمائي الكبير: إسماعيل أنزور، وهو والد المخرج السينمائي السوري البارز: نجدة إسماعيل أنزور.
لفت انتباهي الأستاذ نجدة أنزور، الذي انتخب بعدها نائبا لرئيس مجلس الشعب السوري، فيلم نهاية رجل شجاع، الذي قام بإخراجه، وهو مستوحى من الرواية نفسها لحنا مينه، وقد شخّص بطولته أيمن زيدان بعد أن شخّص فترة طفولته ابن الروائي نفسه سعد مينه. وهو بالفعل عمل درامي كبير، يدور حول سيرة مفيد الوحش الذي نشأ في بيئة قاسية، وهو على بساطته كان مغامرا، واقتادته الأقدار إلى سجون الانتداب الفرنسي. لعبت النجمة سوزان نجم الدين زوجته لبيبة الشقرق، وأحسنت الدّور.
تعكس رواية رجل شجاع لحنا مينة مفارقات سيرة مفيد الوحش، وكيف انتهت وضعيته حين لاحقه حاقد مستغلاّ وضعه على كرسي متحرك، لينهي حياتهما معا في قفزة انتحارية لم تكن في حُسبان الزلقوط.
أخرج المسلسل الأستاذ نجدة أنزور، وهو واحد من أهم أعماله إلى جانب الكواسر والبواسل وآخر الفرسان وإخوة التراب والموت القادم من الشرق وعدد كبير من الأفلام التلفزيونية. وقد ساهم بشكل ملفت في النقلة الدرامية السورية التي اجتاحت العالم العربي.
وقد عبّر لي في جلسة تعارفية سابقة عن إعجاب كبير بستوديو الأطلس بورزازات (هوليود أفريقيا أو هوليود الشرق) بالمغرب، الذي شهد تصوير مئات الأفلام العالمية مثل جوهرة النيل لمايكل دوغلاس، وكوندور لمارتن سكورسيزي، وكيلوبترا لفرانك رودام..
وعن السّر في أنّه فريد من نوعه، من منظوره كمخرج، يقول بأن ذلك راجع إلى أنّ البيئة تساعد الكاميرا، بحيث من الصباح حتى المساء لا يحتاج مصور الفيلم إلى تغيير تقني في قوة ونسبة التقاط الصورة، ليس هناك انعكاسات ضوئية تشوش على الكاميرا بخلاف الكثير من المناطق.
كان ولا يزال الأستاذ نجدة أنزور قامة في عالم الإخراج الدرامي، وكان قد اختير عام 2001، عضوا في لجنة تحكيم مهرجان التلفزيون في مونتي كارلو.
وهو شديد الإرتباط بهوية الدراما العربية، ويرفض الأشكال الهجينة كما يرفض عملية الاستغلال والابتزاز الذي يتعرّض لها الممثل السوري من المنتج الأجنبي والذي يحرف الدراما عن واقعها، بعد الظروف التي تعرضت لها سوريا وتراجعت بذلك قدرتها على دعم قطاع الإبداع الدرامي بالوتيرة نفسها.
لكن هذا لم يثن الفنان السوري نجدة أنزور لتحدّي كل العقبات، ولإخراج مجد الدرامة السورية مجددا من تحت الرّماد. فالمُشاهد العربي ينتظر انبعاث الفنون الجميل وعودة الإبداع السوري بعنفوان ووفاء أكبر..