للأسف، لا زال الحلم يلاحقني ليل نهار، بل ويجبرنا على إعادة ما كتباه سابقا.. ظل كثرة القيل والقال، علاوة على اقتراحاتنا القديمة الجديدة، دوما كنا ننادي ونؤكد على أن الاهتمام بالمناطق والمدن الحدودية هو الأساس الصلب المتزن في كل السياسات التنموية.
لاسيما مدينة وجدة والنواحي، بل بالمنطقة الشرقية ككل، المجال الجغرافي الذي قدر له أن يعيش في تماس مع شعب يشترك مع جل المغاربة في كل شيء تقريبا، باستثناء قادته الذين يرفضون اليد الممدودة الأخوية وباستمرار.
إن النهوض بالمنطقة الشرقية، بمدنها وأقاليمها، وقراها ومداشرها، يقتضي نهج سياسة تقوم على خلق تحفيزات ضريبية، سواء تعلق الأمر بالضريبة المفروضة على الدخل، لكل أجراء القطاع الخاص والعام، مع تخفيض مهم للضرائب على جميع المؤسسات الترفيهة والخدماتية!
إذ أن البدائل الاقتصادية، هي سلسلة إجراءات شجاعة، تحتاج للواقعية ونكران الذات وكفى، فشبه الجمود الاقتصادي لتلك المناطق خصوصا في بعض الفترات الدورية الحرجة، يدفع بكل تأكيد الكثير من الساكنة صوب المعاناة واليأس وتنامي بيئة خصبة للفكر العدمي.
فالمناطق الحدودية مناطق خاصة، تحتاج لرؤية متبصرة تعمل على تشجيع الاستقرار بها لا النفور منها!
كما أن الصراعات المرتبطة بالتموقع في المواقع، ضيعت فرصا كثيرة على المنطقة، فعوض البحث عن الأستمرارية في تدبير أمور الجهة بأي ثمن، فمن الأجدر أن يكون الطاقم المحيط بمن يسير الجهة له من الدبلوماسية التواصلية والدراية بما يدفع لجلب وتسهيل جلب الأفكار الجديدة، ومع القطع مع سياسة هل أنت معنا أم لا !! أو الجنوح لقوقعة متابعة ونقل الاخبار عن المعارضين أو المنافسين أو الإعلاميين!
فالجهة بحاحة لرجة اسمها الدفع بتوطين معامل ومصانع قادرة على توفير عشرات الآلاف من مناصب الشغل، مصانع منتجة تضمن الاستمرارية في الإنتاج والتشغيل من خلال عقود دائمة مع مؤسسات أخرى، فالجهة رغم الخصاص، فلها بنية تحتية مهمة ومقبولة نوعا ما.
ولعل استكمال ورش بناء وتجهيز ميناء الناظور قد يخلق الانطلاقة المنشودة للتنمية بالمدن الشرقية بشكل عام، زد على ذلك الدينامية التي قد تحدث بفضل التفكير في توسيع وزيادة محاور أو تثليث الطرقات وتوسيع المطار، ومد خطوط السككل الحديدية صوب الجنوب، وطريق سيار يضمن جودة المرور والخدمات، أظف إلى هذا وجوب البحث عن مستثمرين من أبناء الجالية وتسهيل مأموريتهم من خلال تكثيف التواصل باستمرار وليس في المناسبات فقط.
وفيما يتعلق بالجانب الاجتماعي التعاضدي، فبرامج التشغيل المؤقت والموسمي، عليها أم تتخلص قليلا من روتينية العمل الجمعوي، وذلك من خلال حصر الأسر الأكثر هشاشة، ودوي الاحتياجات الخاصة أو من يعانون من أمراض نفسية كالإكتئات وفقدان الثقة، وذلك بحصر لوائحهم في تنسيق تام مع جل القطاعات المهتمة.. بغية توفير اعتمادات اجتماعية خاصة بتلك الفئات الهشة أو المعزولة!! والعمل على تدعيمهم بيوم عمل على الأقل في الأسبوع، أو يوم عمل في أسبوعين على مدار السنة، فبهذا سندمج الآلاف في انعاش تشغيل الفراغ!! ونترك الأمل في نفوس تنتظر دورها لذاك اليوم الجميل (يوم العمل)، وللتفصيل مسار يحتاج للإنصات الناضج!!
أما فيما يتعلق بالمشهد الحضري، فذاك بحاجة لوقفة تأمل كبيرة، فلا يعقل أن يستمر زحف الإسمنت على كل شيء، بنايات ساحات مسارح.. مقابل شجيرات يتيمة هنا وهناك، بل وجب من باب التربية الخضراء أن يتم إعادة تهيئة الساحات العمومية والشوارع بشقها وغرس الأشجار الدائمة الخضرة بها، وليس أشجار النخيل التي لا تتلاءم مع الخصوصيات البيومناخية التي تغلب على المنطقة.
هذا مع بداية التفكير وبشكل جدي في وقف خطر زحف بعض مظاهر التصحر وزحف الرياح الرملية، من خلال تحصين المدينة بحزام أخضر من الجهات التي تزحف منها تلك الرمال، لاسيما الجهة الجنوبية وحتى الشرقية، فالتشجير وجلب الأنواع التي تتميز بكثافة أوراقها المخضرة طيلة السنة، سيقي المدينة من شر حرارة مفرطة، بل ستساهم وبشكل كبير في ضمان تجويد نوعية الهواء وتعطي للمدينة رونقا خاصا بعيدا عن وضع قاحل في كل شيء.
بل والأكثر من ذلك ضرورة فإرفاق أي رخصة للبناء بإجبارية غرس شجرة أو شجرتين أو ثلاثة بحسب المساحة المخصصة لإقامة السكن الشخصي أو الثانوي وكهذا.. قد يلي الكثي من الحاجيات البيئية والمشهدية للمنظر الحضري ككل.
الجهة الشرقية تحتاج للبناء الجماعي القائم على التعاون والتعاضد لا الشخصنة! أو ترصدات البعض للبعض.. فالبناء الجماعي للجهة الشرقية، بما فيها مدينة وجدة والمدن والأقاليم التابعة لنفوذها الترابي الإداري، يتطلب نوعا من المرونة، مرونة في التفهم والإنصات لجميع الآراء بعيدا عن الاصطفافات المشخصنة والسياسية الحزبية وغيرها.. فهكذا أنظر للبناء الجماعي لجهة الشرق ككل.
فمدينة وجدة، بل والجهة الشرقية ككل، بحاجة لوعي النهوض الجماعي، لا الاتهامات والاتهامات المضادة، فتاريخ الجهة ومقدرات الجهة وخيرات التراث المتنوع للجهة، أماني تحتاج للنية الخالصة في نكران الذات، نية الصمود في وجه التحديات، نية وضع قطيعة من الإخفاقات والإخفاقات المضادة، نية هيكة كل شيء، النية التي تضع يدها على مواطن الجرح والخلل، النية المصحوبة بالاعتمادات المالية الكافية، بغية نهاية عقدة التنمية المنعرجة!
وما تحسين الخدمات والاهتمام بجودة الولوجيات وإعادة هيكلة الأحياء الفقيرة ووضع نظرة استشرافية لأفق جميل، أفق اسمه المدينة التي تتوفر فيها وبها كل التجهيزات والخدمات من طرق وجسور ومسابح وحدائق دائمة الخضرة، محاطة بجل الأحياء، وأماكن مخصصة للعب الأطفال، ودور تضامنية لتأطير ربات البيوت، وأشجار خضراء يفوق عددها على عدد البنايات الإسمنتية، و كامرات للمراقبة في كل الزوايا، ونظافة بعيدة عن الروائح الكريهة مع إعادة النظر في محدودية الصناديق الموزعة على الأحياء، وتوسيع آليات رمي النفايات، في كل الأماكن، مع وضع حد جريء لتناسل الكلاب الضالة، مع نهج سياسة جهوية قائمة عل تفعيل الغرامات في وجه ثقافة التخريب المرتبط بالأملاك العمومية، من كراسي وطرق وأشجار وأسلاك، وتهور مرتبط باحتلال الملك العمومي وغيرها كثير، وزد على ذلك كثير كثير.. فهل من منصت، رزين وخبير!!