ضيف هذا الحوار المطول على أنباء إكسبريس، كاتب وباحث وصحافي فلسطيني يعمل لدى وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية “وفا “، عضو نقابة الصحفيين الفلسطينين وعضو في الإتحاد الدولي للصحفيين، وعمل سابقا لعدة سنوات منسقا للإعلام والعلاقات العامة في نقابة الصحفيين الفلسطينين، مقيم في غزة التي تشهد حربا وعدوانا غير مسبوق منذ 11 شهرا.
يعتبر من الباحثين الفلسطينيين القلائل الذين كشفوا لنا عن الزوايا المعتمة لطريقة عمل الإعلام الإسرائيلي.
خاصة مع الحرب الجارية حاليا في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر.
وكذا خيارات التغيير في الإعلام الإسرائيلي، وتعددية وسائله لم تحرره من بوثقة العداء لكل ما هو فلسطيني، بل إن الهوس الأمني للرقابة العسكرية على الاعلام يتعاظم.
ويدعم الكاتب رؤيته بأمثلة لمقص الرقيب العسكري خلال الحروب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة في السنوات الماضية، كما أنه يوضح التضليل الإعلامي الذي يقع فيه غير الخبير بدهاليز الإعلام الإسرائيلي.
ضيفنا من قلب قطاع غزة هو “فايز أبورزق” الكاتب والباحث والصحافي الفلسطيني، لكي يتحدث لنا عن كتابه القيم “الإعلام الإسرائيلي بين الحقيقة والتزييف” واعتمد الكاتب على العديد من المصادر باللغة العبرية في كتابه الذي يعتبر مرجعا هاما لطلاب كليات الإعلام والدارسين والباحثين.
وسيكشف لنا طريقة عمل الإعلام العبري حيث حاول الكاتب جاهدا فيها تناوله بطريقة موضوعية محايدة قدر الإمكان و التعتيم الإعلامي الذي يحاول الإحتلال فرضه في غزة.
وكذا مدى إرتباط الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب بالساسة والعسكر الإسرائيليين في أوقات السلم والحرب، وكذلك الفرق بين اعلام الاشكناز والسفارديم.. وغيرها من المحاور الهامة.
وإليكم نص الحوار
بداية نشكرك على تلبية الدعوة لإجراء هذا الحوار في وسط هذه الحرب المستعرة وهذه الظروف الصعبة منذ ما يقارب السنة في غزة..
تبدو السلطات الإسرائيلية ماضية قدما في فرض تعتيم اعلامي حقيقي وشامل على قطاع غزة جراء حرب الإبادة المستمرة منذ السابع من أكتوبر واستهدفت صحفيين وكتاب ما هو تقييمك لهذا التعتيم الإعلامي الذي تحاول الاحتلال فرضه في غزة ؟
نحن نشكركم جزيل الشكر على الاستضافة في موقعكم الإخباري المميز، ونتشرف بالتعرف بكم والحديث معكم ومع عموم الشعب المغربي المناصر لفلسطين وقضيتها وشعبها.
أما بالنسبة لسياسة التعتيم الإعلامي التي تفرضها الدولة العبرية منذ إعلانها الحرب على قطاع غزة، فقد قامت بالعديد من الخطوات للتضليل والتكتم على ما يجري في غزة من مجازر وحرب إبادة.
وقبل الخوض بالتفاصيل علينا معرفة نتيجة هذا التعتيم، حيث تراجعت مكانة إسرائيل عام 2023م، في مؤشر حرية الصحافة العالمي الذي تنشره سنويا منظمة “صحافيون بلا حدود” إلى المرتبة الـ 97 من بين 180 دولة يشملها المؤشر بعد أن كانت تحتل المرتبة الـ 88 العام 2022م.
وقد حاول صحافيون أجانب وعرب الدخول إلى قطاع غزة عن طريق معبر رفح ومعبر بيت حانون “ايريز” لتغطية الحرب والمقتلة، ولكن سلطات الإحتلال الإسرائيلي كانت لهم بالمرصاد ومنعتهم من الدخول بحجة أن غزة تعتبر منطقة قتال ويمنع الدخول إليها حسب القوانين العسكرية الإسرائيلية.
وحتى القلة من الصحفيين الأجانب الذين كانوا في غزة قبل اجتياح الجيش الإسرائيلي بريا لغزة، طلبت منهم إسرائيل مغادرة القطاع فورا بحجة الخطر على حياتهم، واعتبرت قطاع غزة منطقة عسكرية مغلقة.
وفي الوقت نفسه تسمح اسرائيل لقلة مختارة جيدا من صحافيين إسرائيليين لزيارة قطاع غزة برفقة الجيش الإسرائيلي ودباباته، ولذلك تكون تقاريرهم موالية تماما للجيش الإسرائيلي، ولا تحوى ذكر أو انتقادات له على الرغم من المجازر اليومية التي يرتكبها الجيش.
وبمقابل ما يحدث في غزة، كان الأمر مختلفا تماما في الجانب الآخر، حيث دعا مكتب الصحافة الحكومي الإسرائيلي الصحفيين الأجانب لتغطية الأحداث، واستضاف على نفقة الدولة العبرية 500 من الصحفيين الأجانب العاملين في المحطات الإعلامية والإخبارية الكبرى في العالم، وقام العاملون في مكتب الناطق باسم الجيش الإسرائيلي بمرافقتهم في جولات على مدار عدة أيام لزيارة المستوطنات والمواقع الإسرائيلية على طول السياج الأمني الفاصل مع قطاع غزة.
وخلال هذه الجولات كان مكتب الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي يحاول قدر الإمكان ترويج مقولات رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير جيشه بأن الفلسطينيين اغتصبوا النساء الإسرائيليات وقطعوا رؤوس الأطفال في محاولة “دعشنة” الفلسطينيين، وأثر هذه الجولات الإعلامية بدأت بعض وسائل الإعلام الأمريكية باعتماد الرواية والسردية الإسرائيلية لأحداث السابع من أكتوبر، ومن ثم قام الرئيس الأمريكي والمتحدث باسم البيت الأبيض بترديد هذه الأكاذيب والتي كانت تهدف ضمن ما تهدف إليه إلى تبرير قطع الماء والكهرباء عن الفلسطينيين، ومن ثم إغلاق المعابر الحدودية وقطع الغذاء والدواء وكل مقومات الحياة عنهم، وكذلك ظهور الجانب الإسرائيلي بمظهر الضحية، ويأتي ذلك للتعتيم وتبرير جرائم إسرائيل وإبادة عائلات ومسحها بالكامل من السجل المدني الفلسطيني.
وبخصوص المواقع العبرية الإخبارية فإن غالبية تلك المواقع ولاسيما المواقع الكبرى مثل الصحف اليومية أو القنوات العبرية يعمل بها ضباط احتياط في الجيش الاسرائيلي يضعون أمامهم مصلحة الدولة العبرية قبل السمعة المهنية وصدقية الخبر، ويسربون أخبارا مقصودة لخدمة الاحتلال أو لإثارة الفتنة ونشر الشائعات وإثارة الرأي العام في الشارع الفلسطيني أو لأهداف ظاهرة آنية أو باطنة مستقبلية. ولمن لا يعرف فهناك رقابة على ما ينشر في وسائل الإعلام العبرية سواء في الأمور الأمنية أو حتى المدنية طالما يمس نشر الخبر أمن الدولة العبرية أو المواطنين اليهود.
وبشكل عام، في حالات الحرب التي تشنها الدولة العبرية، يصبح الإعلام الإسرائيلي الرسمي والخاص على حد سواء خاضعا لمقص الرقيب العسكري الذي يكون صاحب الكلمة العليا في نشر المعلومات داخل وخارج الدولة العبرية، حيث كان للرقابة العسكرية الإسرائيلية دور كبير في هذه الحرب من خلال منع الإفصاح عن الكثير من المعلومات المتعلقة بتلك الحرب، على سبيل المثال، منعت الصحافيين “الإسرائيليين” والأجانب على حد سواء من إجراء لقاءات صحفية مع الجنود الإسرائيليين الجرحى في المستشفيات الإسرائيلية، ومنعت نشر أي معلومات عن جنودها القتلى، وأمسى الناطق باسم الجيش هو المصدر الوحيد للمعلومات لتسويق الرواية الإسرائيلية، وأصدر الجيش الإسرائيلي أمراً اعتبر بموجبه قطاع غزة “منطقة عسكرية مغلقة”، يحظر على الأجانب والإسرائيليين الاقتراب منها، وذلك في سبيل التغطية على الجرائم الوحشية التي ارتكبت خلال تلك الحرب.
وتفرض اسرائيل تعتيما على كل شيء في هذه الحرب حتى لو كان الخبر ثانويا، وعلى سبيل المثال هناك تعتيم سلطوي إعلامي على أعداد القتلى والمصابين في الجيش الإسرائيلي، ولا يسمح بنشر خبر مقتل أي جندي إسرائيلي سوى عن طريق الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، حيث أثبتت مجريات الحرب في غزة أن بعض الجنود الذين يحاربون في صفوف الجيش الإسرائيلي هم مرتزقة من دول أجنبية، وفي حال مقتلهم لا يقوم الناطق العسكري الإسرائيلي بالإعلان عن مقتلهم أو الاعتراف بهم علانية.
وضمن التعتيم الإسرائيلي، هناك تعتيم تام على أعداد المعتقلين الفلسطينيين أو عدد الشهداء من المعتقلين الذين قضوا نتيجة التعذيب في سجون الإحتلال الإسرائيلي خلال هذه الحرب الغاشمة.
أيضا في مجال التعتيم الإعلامي، قامت إسرائيل بتنبيه صحفيين أجانب يعملون في إسرائيل حاولوا تجاوز الرقابة على الإعلام الأجنبي العامل في إسرائيل، وهددتهم بسحب تراخيصهم الصحفية التي يمنحها لهم المكتب الحكومي الصحافي في إسرائيل بل وتم تهديدهم بمنعهم من دخول إسرائيل بحجج أمنية جاهزة ومفصلة. كذلك هناك محاولات حكومية إسرائيلية لإغلاق مكاتب بعض القنوات العربية العاملة في إسرائيل مثل قناة الجزيرة وقناة الميادين.
وضمن سياسة التعتيم، لا يمكن تجاهل أن جرائم الإحتلال بحق الصحفيين طالت أكثر من 160 صحفيا فلسطينيا استشهدوا منذ السابع من أكتوبر، كذلك الأمر اعتقلت قوات الاحتلال 95 صحفيا فلسطينيا منذ بداية الحرب، وما زال 51 من الصحفيين رهن الاعتقال ولا يعرف مصيرهم.
كما دمرت قوات الاحتلال 88 مؤسسة إعلامية بشكل كامل، ودمرت بشكل جزئي 94 مؤسسة أخرى بفعل قصف إسرائيلي متعمد وممنهج. ومن الجدير معرفة أن بعض الزملاء الصحفيين الشهداء، قد قتلهم الاحتلال خلال عملهم الميداني، والبعض الآخر قتلهم الاحتلال جراء اغتيالهم في منازلهم مع أفراد عائلاتهم.
في كتابكم القيم “الإعلام الإسرائيلي بين الحقيقة والتزييف” تطرقتم إلى خيارات التغيير في الإعلام العبري وتعددية وسائله ولم تحرره بوتقة العداء لكل ما هو فلسطيني، هل لك أن تشرح لنا هذه النقطة؟
إهتمت المنظمة الصهيونية العالمية منذ تأسيسها بالإعلام، من أجل الترويج للصهيونية والهجرة إلى فلسطين، حيث قال “ثيودور هرتزل” في افتتاحية العدد الأول من أسبوعية الحركة الصهيونية “دي وولت”بتاريخ 3/6/1897م: “يجب على هذه الصحيفة أن تكون درعا للشعب اليهودي، وسلاحا ضد أعداء الشعب”.
وقبيل تأسيس “إسرائيل” عام 1948م، عمل قادة الحركة الصهيونية على كافة المستويات التي تمكنهم من القيام بوظيفة الدولة، وكان الإعلام أحد أهم هذه المستويات. وقد نشطت خلال تلك الفترة “إذاعة إسرائيل”، وأربع عشر صحيفة صهيونية منها أربع صحف ناطقة بالعربية، وموجهة للفلسطينيين والعرب لتخدم أغراضا صهيونية، ومن أشهر هذه الصحف (صحيفة هآرتس ويديعوت أحرونوت ومعاريف ودافار، أما الصحف الناطقة بالعربية فهي: بريد السلام، وصحيفة السلام، واتحاد العمال، وحقيقة الأمر).
وكانت أهداف كل تلك الوسائل في الدعاية والإعلام هي تثبيت أقدام الصهاينة، وترويع وتخويف العرب الفلسطينيين، كذلك الدعاية من أجل الترويج للهجرة الصهيونية إلى فلسطين.
ومنذ إعلان قيام الدولة العبرية فإن الإعلام الصهيوني أسدل ستارا تصح تسميته بـ “الهلوسة الجماعية” على مشاهدي التلفزيون، وقراء الصحف، ومستمعي الإذاعة، بخصوص الصراع العربي اليهودي، وعلى مدار سنوات طوال اكتمل رسم لوحة ذهنية للمتلقي الإسرائيلي، يظهر فيها العرب متطرفين، عنصريين ومتوحشين يريدون قتل كل اليهود وإلقاء جثثهم في البحر، أو حرقهم أحياء، أو إرجاعهم الى الدول التي هاجروا منها إلى فلسطين.
وعندما نتحدث عن الإعلام العبري فنحن نتحدث عن إعلام يتكون من عشرات المحطات التلفزيونية والفضائية ما يمكن أن نطلق عليه الإعلام المرئي، وفي الاعلام المسموع هناك حوالي 120 محطة إذاعية بعضها بلغات عربية وفارسية وروسية وغيرها من اللغات وكذلك نتحدث عن عدد كبير من الصحف والمجلات بعضها ينتمي لليمين المتطرف وبعضها يدعي اليسارية وقلة من الصحف يقوم عليها الاتجاه الحاريدي المتدين.
وعندما نغوص في تفاصيل الإعلام الواردة في كتاب “الإعلام الإسرائيلي بين الحقيقة والتزييف”، فإننا نجد أن قطاعَ الإعلام في إسرائيل المتعدد الأقسام هو أكبر بكثير من دولة إسرائيل، لذلك فإن إسرائيل إمبريالية إعلامية، وامبراطورية إعلامية من الدرجة الأولى، بخاصة في ألفيتنا الجديدة، لأنها أدركتْ أن الإعلام لم يعد في الدرجة الرابعة، بعد السلطة التشريعية، والسلطة القضائية، والسلطة التنفيذية، بل تجاوز السلطات الثلاثة، وغدا السلطةَ الأولى.
برعتْ إسرائيلُ كذلك في تأسيس وسائل الإعلام، ففرضت على كل وسيلة، أو مجموعة إعلامية لجنة من المستشارين، يُحددون سياسة الوسيلة الإعلامية، فلسلطة البث الرسمية واحدٌ وثلاثون عضوا، ثلاثون منهم يمثلون الطيف السياسي والوطني، أما الحادي والثلاثون فمتروكٌ للوكالة اليهودية في الخارج.
كما أنها شجعت على إصدار قوانين ومواثيق شرف تُنظم العمل الإعلامي، هذا التنظيم بالطبع هو تنظيم يصب في مجرى الأمن الإسرائيلي المقدَّس في إسرائيل.
استطاعت إسرائيل أن تنوِع في مجالات الإعلام المرئي والمسموع، وألا تكتفي بذلك، بل إنها نشرت شبكة خدمات إعلامية بواسطة الكوابل، لغرض جني الاشتراكات الشهرية.
لم تغفل هذه الإمبريالية الإعلامية الإعلامَ الموجه للآخرين، ولا سيما الإعلام الموجه للعرب والفلسطينيين، فقد دأبت منذ الأعوام الأولى لتأسيسها على افتتاح (صوت إسرائيل) باللغة العربية في عام 1950م مع بقاء مفتاح البث في جيب رئاسة الحكومة في إسرائيل، لأنه ذراعها الاستخباري الإعلامي الموجه!.
أما عن الصحافة الإسرائيلية التي بدأت في الظهور قبل تأسيس إسرائيل، فصحيفة هآرتس صدرت عام 1919م، وصحيفة جور سلم بوست باللغة الإنجليزية عام 1932 وكان اسمها القديم: فلسطين بوست، كذلك صحيفة يديعوت أحرونوت صدرت عام 1939م.
وصولا إلى أحدث الصحف، وأشهرها، وهي صحيفة إسرائيل هايوم عام 2007، التي يملكها اليهودي الجمهوري الملياردير، شلدون أدلسون، صديق ترامب، ونتنياهو.
في الكتاب أيضا رصد لصحافة الحارديم المتزمتين، ممن يُحرِّمون قراءة الصحف العلمانية السابقة، فقد أصدروا صحفا (شرعية) دينية، تخلو من صور النساء، مثل صحيفة، هتسوفيه، هموديّع، يتدنئمان، يوم هشيشي، مشبحا، وغيرها.
وقد رصد الكتاب الإعلام الرقمي، باعتباره هو المستقبل الإعلامي الجديد الأوسع تأثيرا من كل أقسام الإعلام التقليدية، أشار إلى المواقع الإعلامية الإلكترونية، وأبرز الكتاب أهم تلك المواقع، منها، الموقع الإلكتروني 0404 وموقع، واللا الإخباري التابع لشركة، بيزك، فعدد متصفحي هذا الموقع أكثر من مليون ونصف المليون!! وهناك مواقع رقمية أخرى مختصة بتقديم الخدمات الجنسية والإغراءات لأغراض استخبارية، مثل موقع، نعناع، وموقع، تك ديبكا، مضافا إلى ذلك استخدام المواقع المتوافقة مع أنظمة غوغل العالمية، لأغراض استخبارية بالدرجة الأولى، ولجلب المال بدرجة ثانية، ولخدمة الاتصالات والمواصلات، مثل برنامج، ويز، الذي يستخدمه السائقون في الطرقات.
في الفصل الثاني من كتابكم تحدثتم عن مدى ارتباط الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب بالساسة والعسكر الإسرائيليين في أوقات السلم والحرب، كيف ذلك.؟
أذكر خلال الحرب الاسرائيلية على غزة في العام 2014، أن أحد الزملاء من محرري الصحف في فلسطين المحتلة 48، قال لي، إنه لا توجد الكثير من الفروقات بين بيانات الناطق باسم الجيش الاسرائيلي ورسالة مراسل القناة الأولى الاسرائيلية.
وأثناء الحرب ذاتها سمع أهل غزة نداءات صادرة عن إذاعة صوت اسرائيل باللغة العربية تطالب السكان بالنزوح من منازلهم. فقد تحولت الإذاعة إلى بوق يؤجج حمم النار التي تصب فوق رؤوس المدنيين في غزة.
والواقع الإعلامي الإسرائيلي الرسمي والخطوط العامة للسياسية الإعلامية اتجاه الفلسطينيين خاصة والعرب عامة لم تتأثر كثيرا بأية التغيرات في هيكلة الإعلام الرسمي في إسرائيل، فليس هناك في الأفق ما يبشر بخير، طالما الغربان ما تزال تنعق باسم الحكومة، وستكون هيئة البث العامة الجديدة مجندة بشكل كامل خلف القيادة العسكرية والسياسية في إسرائيل للدفاع عن الانتهاكات والتجاوزات الإسرائيلية سواء في حالة السلم أو الحرب، وسيبقى الإعلام العبري مرهونا بشكل كامل لرواية الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي معتبرا إياه المصدر الوحيد لمعلوماته.
ومن استجلاء واقع الإعلام الإسرائيلي بكل فروعه، ندرك انسياقه التام ضمن الحركة الصهيونية، التي خلقت عددا كبيرا من الأوهام، أصبحت مع التكرار كأنها حقائق ثابتة، وهذا ما يتضح من تنامي مستمر في العداء لكل ما هو فلسطيني وعربي داخل المجتمع الإسرائيلي.
وجدير بالذكر انه تم إنشاء إذاعة صوت إسرائيل في العام 1948م، وأول بث لها هو إعلان قيام الدولة العبرية، وكانت تتبع مباشرة لمكتب رئيس الح ومنذ صدور قرار بإنشاء تلفزيون اسرائيل وحتى يومنا الحاضر تستمر الصراعات العلنية والسرية بين السياسيين في إسرائيل لفرض الهيمنة الشخصية والحزبية على هذا المنبر المهم.
وكانت بدايات معارك السيطرة على السلاح الجديد بين محور دافيد بن غوريون من جهة، ومحور ليفي اشكول من جهة أخرى.
ومع إسدال الستار رسميا على سلطة البث الإسرائيلية في العام 2017م، والتي كانت تبث بـ 14 لغة من بينها العربية (القناة التلفزيونية الأولى والإذاعات التابعة للسلطة) بسبب الصراع بين رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو ووزير المالية موشيه كحلون.
كان الهدف الرسمي المعلن من قبل وزير المالية كحلون لإغلاق سلطة البث، وتصريف نصف العاملين فيها والذي يفوق الألف بقليل، هو إجراء إصلاحات وإعادة هيكلتها لتستطيع أن تنافس القنوات الاسرائيلية الخاصة، وذلك تحت مسمى جديد يعرف بـ “هيئة البث العامة”، ولكن الهدف الخفي هو الصراع الشخصي والحزبي بين كحلون ونتنياهو، حيث يحاول الأخير جاهدا تطويع ما يستطيع من وسائل الإعلام تحت إمرته، وبموجب اتفاق الائتلاف الحكومي في مايو 2015م، فإن نتانياهو يملك الحق في الاعتراض على كل القضايا المتصلة بالإعلام.
وضمن لوحة سريالية رسمها بنيامين نتنياهو بريشة السياسي المحنك.. الذي نادى خلال حملته الانتخابية الأولى عام 2015م، بإجراء إصلاحات كبيرة في سلطة البث، واصفا إياها بالمريضة تارة وباليسارية تارة أخرى، حاول تأجيل قرار الوزير كحلون لغاية في نفس يعقوب، فقد أراد بداية أن يتنصل من مسؤولية فصل ما يزيد عن 500 عامل في المحطة.
وثانيا هي الأقاويل التي تفيد أن أرنون موزس، مالك مجموعة يديعوت احرونوت، ويعد أحد أعداء نتنياهو، ومن قادة الحملة الإعلامية ضد زوجة نتنياهو “سارة”، يملك سيطرة كبيرة على هيئة البث العامة الجديدة. كومة الإسرائيلية، وفي العام 1965م تحولت مسؤولية الإذاعة لسلطة البث الحكومية، وكانت الإذاعة تبث بعدة لغات.
حتى نهاية العام 2019م، كان يوجد في إسرائيل، ما يزيد عن 118 محطة إذاعية، وبين المحطات يوجد في إسرائيل حوالي 17 محطة راديو تابعة للمتدينين أنشئت على يد أحزاب أو حاخامات يهود، مثل محطة راديو “غيئولا” وهي تبث أغاني دينية، وراديو “برسلف كرمئيل” وهي أيضا محطة خاصة بالمتدينين تبث أغاني دينية وأقوال الحاخامات اليهود، وراديو “كابلا” و” وتوكر” وغيرها.
ويوجد محطات تابعة لرجال أعمال أو تتبع شركات أو أشخاص عاديين، أما المحطات العربية الخاصة فلم توافق (إسرائيل) إلا على ترخيص محطتي راديو فقط، هما إذاعة “الشمس” وإذاعة “صوت الجبل” وهي خاصة بالدروز.
وأهم هذه الإذاعات على الإطلاق وأقدمها، وتعتبر محطة الإذاعة الرئيسية للدولة العبرية، والتي كان يطلق عليها “صوت إسرائيل” قبل تغيير الاسم عام 2017، لراديو “مكان”.
وربما يكون الجواب الأمثل هو راديو “مكان” باللغة العربية أو ما كان يطلق عليه بالعبرية رشيت داليت وهي صوت إسرائيل الناطق بالعربية (تغير الاسم إلى راديو مكان عام 2017م)، تأسست هذه الإذاعة رسميا في الرابع عشر من شهر أيار مايو عام 1948م، بعد الإعلان عن قيام الدولة العبرية.
وكان صوت إسرائيل باللغة العربية، الذي سمي آنذاك “دار الإذاعة الإسرائيلية”، يعمل في إطار صوت إسرائيل باللغة العبرية، حيث بدأ البث من مدينة تل أبيب لفترات قصيرة يوميا وعلى نطاق ضيق.
وفي عام 1954م انتقل صوت إذاعة إسرائيل التابع للمحطة العبرية إلى مدينة القدس وبقي مرتبطا بالمحطة العبرية حتى حرب سيناء عام 1956م، بعد ذلك أفردت إسرائيل لإذاعتها العربية موجة خاصة بها منفصلة عن موجات الإذاعة العبرية.
في العام 1968م قامت حكومة إسرائيل بتعيين لجنة مهمتها فحص إمكانية إقامة راديو وتلفزيون بالعربية لاستغلالهما في حرب الدعاية الصهيونية ضد العالم العربي بشكل عام، وضد سكان يهودا والسامرة وقطاع غزة (المناطق المحتلة عام 67م) وبطبيعة الحال فلسطيني الداخل، ضمن المخطط الصهيوني الرامي إلى ترويضهم وتدجينهم وتحويلهم إلى ما يسمى وفق الأجندة الصهيونية بالعرب الجيدين.
وقد ضمت اللجنة مندوبين عن جهاز الأمن العام (الشاباك) وبعد مداولات مستفيضة، لم تخل من نصب المكائد وتحديد الاستراتيجية، رفعت توصياتها إلى الحكومة الإسرائيلية مشددة على ضرورة إقامة الراديو، والتلفزيون ليكونا ذراعا مطيعا تستغله الحكومة من أجل خلق البلبلة في العالم العربي، وإثارة الفتن بين أبناء الشعب العربي الفلسطيني في المناطق المحتلة عام 67 م وأيضا في مناطق الـ 48.
ويسجل له في الحروب جميعها التي شنها المحتل على الدول العربية أو على الضفة والقطاع، وقوف الإعلام الرسمي كفرقة عسكرية مساندة بجانب جيش الاحتلال.
وخلال اجتياح لبنان في العام 1982م بات صوت إذاعة إسرائيل باللغة العربية يقوم بمهمة الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي، حيث كان يبث نداءات للمقاتلين الفلسطينيين تطالبهم بالاستسلام مثل: (هنا دار الإذاعة الإسرائيلية. أيها المخرب قف. وفكر. ألق سلاحك. سلم نفسك لأفراد جيش الدفاع الإسرائيلي. ارفع العلم الأبيض واستسلم).
ولإسقاط وتجنيد عملاء للاحتلال، استخدم صوت إسرائيل بعض برامجه مثل برنامج ” سلامات” و ” أستوديو رقم 1″ و”رسائل شوق”.
طورت الأساليب التحريفية للحقائق وطالت مواقع التواصل الاجتماعي فأصبحت منبرا لمن لا منبر له، مئات الصفحات المشبوهة التابعة لجهات رسمية وغير رسمية تقوم يوميا ببث الاخبار الحصرية المكذوبة على أنها حقيقة. كيف وظفت إسرائيل هذا المعطي لصالحها لتشويه القضية الفلسطينية والمقاومة وخدمة السردية الإسرائيلية في غزة؟
للإجابة على هذا السؤال علينا أن نتعرف على وزارة الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية، ومن ثم على وزارة الخارجية الإسرائيلية، حيث أنه في العام 2009م، أعلنت حكومة شكلها بنيامين نتنياهو، عن إقامة وزارة الشؤون الاستراتيجية والمعلومات، وتهتم هذه الوزارة بمواجهة جهود نزع شرعية إسرائيل على المستويين العالمي والمحلي، خاصة أنشطة حركة المقاطعة، وحركات مناهضة الاستيطان، وتضم الوزارة ثلاث إدارات، هي: الاستخبارات، وتهتم بمراقبة وجمع المعلومات عن حركات المقاطعة وناشطيها، إضافة للشخصيات والمجموعات التي تساندها، بالاعتماد على مصادر مفتوحة أو سرية، ميدانية وسيبرانية، وإدارة الوعي التي تنشط في التأثير على توجهات وسائل الإعلام الدولية أو الجمهور عبر مواقع الإعلام الاجتماعي، وإدارة العمليات التي تعمل على تنفيذ الخطط المقررة.
وفيما يتعلق بــالتنقيب الدعائي، تقوم الوزارة على تحليل المواقع الاجتماعية، من حيث المحتوى، والبنية الشبكية والتكنولوجية، إضافة لرصد مراكز الثقل والتركيز، وتحديد الأفراد والمؤسسات والصفحات الناشطة، كما تقوم بدراسة أساليب وأنماط الحملات بهدف تشكيل رؤية لمواجهتها، ولا تنتهي أنشطة الوزارة عند الرصد والتتبع، بل تعمل على توظيف المعلومات في جهود اتصالية دعائية ميدانية وسيبرانية، وتقوم أيضا بالتحريض ضد نشطاء هذه الحركات محليا وعالميا، وتتخذ لأجل ذلك إجراءات قانونية من قبيل منع دخولهم إسرائيل، حيث نجحت في تمرير قانون عبر الكنيست يفرض عقوبات على المؤيدين لها، أو من يعتنقون أفكارها، حتى لو كانوا مواطنين إسرائيليين، ويؤكد موقع (Middle East Eye) أن جزءا من تركيز الوزارة ينصب على الجمهور الداخلي لرغبتها في نزع الشرعية عن أي حراك معارض للاستيطان.
كما تجتهد الوزارة في إنشاء أذرع وكيانات داعمة لإسرائيل عالميا، وتنظم فعاليات تبادل علمي وثقافي ورياضي، ناهيك عن فتح آفاق تعاون مع شخصيات وهيئات ذات تأثير يمكن استغلالها لاحقا.
وتلقت الوزارة، عام 2018م، مبلغ 37 مليون دولار، لإنشاء مؤسسة تدعى (Kella Shlomo)، تختص بتنفيذ “أنشطة وعي جمعي” عبر المواقع الاجتماعية، وذلك باستخدام أساليب شبكية معقدة تشتمل على أنماط دعائية خفية وعلنية.
وبهذا الخصوص، قام متطوعون مؤيدون لإسرائيل، خلال حرب 2014م على غزة، بتزييف مجموعة من الحقائق والتلاعب بعدد من الصور الفوتوغرافية، ونسب اقتباسات مؤيدة لإسرائيل إلى شخصيات شهيرة، أو اتباع أسلوب “التصيد” بغرض توجيه اتهامات لنشطاء مناصرين للفلسطينيين بمعاداة السامية.
وكذلك الأمر تعتبر وزارة الخارجية الإسرائيلية من أهم الوزارات والأدوات التي تقوم بالدفاع عن صورة الاحتلال والترويج لديمقراطية إسرائيل في المحافل الدولية والعربية على حد سواء، ورسم صورة مغايرة لما نعرفه عن اليهود والدولة العبرية.
واستحدثت هذه الوزارة ناطقين وصفحات على مواقع التواصل باللغة العربية، للتواصل مع العرب والمسلمين، ولخلق حالة من الجدل في مسلمات وبديهيات عن الاحتلال وجيشه من أجل التعايش معه فلسطينيا، وقبوله عربيا وإسلاميا، وتوضيح أن إسرائيل دولة ديمقراطية تبحث عن السلام.
ونظرة واحدة على صفحة وزارة الخارجية الإسرائيلية على مواقع التواصل “الفيسبوك وتويتر” وموقع الوزارة باللغة العربية، تدل الناظر على مدى أهمية هذه الصفحات في تحسين صورة إسرائيل والتوغل في العالم العربي.
وموقع الوزارة على شبكة الانترنت، يستخدم خمس لغات عدا العبرية، وهي العربية والإسبانية والفارسية والروسية والانجليزية.
وحازت إحدى صفحات الوزارة عام 2023م، “إسرائيل تتكلم بالعربية”، على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك على 3.3 مليون بين معجب ومتابع، ونفس الصفحة حازت على موقع تويتر على أكثر من 202 ألف متابع.
وفي ظل غياب مواقع عربية وفلسطينية ناطقة باللغة العبرية، تخاطب اليهود، وتوضح لهم ما يخفيه إعلامهم عن جرائم جيش الاحتلال وقطعان مستوطنيه، وللرد على الروايات الإسرائيلية بقضايا مثل كيفية استشهاد بعض الفلسطينيين والأسرى والاستيطان، تبقى الحقائق مجهولة للطرف الآخر، مما يدفع بمزيد من التطرف الفكري لدى الإسرائيليين بخصوص الفلسطينيين، فاليهود لا يجيدون اللغة العربية، وآخر استطلاع للرأي عام 2017، أوضح أن أكثر من 90% منهم لا يجيدون اللغة العربية.
مع تفجر المعرفة الرقمية في أنحاء العالم، واكبت إسرائيل ذلك، وخاطبت الرأي العام العربي من خلال الصفحات الالكترونية، التي زاد عدد متابعيها بعد اتفاقيات أبراهام.
وتنشط هذه الصفحات في أوقات الحروب وخاصة على غزة، وما يحدث داخل مدينة القدس، فتقوم بتبرير عمليات القتل والتدمير التي يقترفها الجيش الإسرائيلي.
كما تستخدم بعض الصفحات الأحاديث النبوية وبعض المناسبات الإسلامية مثل يوم الجمعة وشهر رمضان والحج والعيدين، فتنشر التهاني والعبارات الدينية المبتورة.
وعلى الرغم من ذلك، باءت المحاولات الحثيثة والمجهود الكبير الذي تقوم به الصفحات الإسرائيلية نحو تطبيع العلاقات مع الشعوب العربية وتبني الدعاية الإسرائيلية لتقديم صورة جميلة عن دولة إسرائيل وسياستها، بالفشل في التأثير على الشعوب العربية ومستخدمي مواقع التواصل الإجتماعي وخاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، التي هي نقطة الصراع الأساسية والمحورية بين الدول العربية وإسرائيل.
وربما تعدد مظاهر رفع العلم الفلسطيني في مونديال قطر 2022م، وتجنب اللقاءات مع الصحفيين الإسرائيليين هو النبض الحقيقي للشعوب العربية بعيدا عن دهاليز السياسة وحملات التطبيع، مما سيدفع بمسؤولي الإعلام الإسرائيلي إلى البحث عن طرق ملتوية أخرى للتأثير على كل مواطن عربي من المحيط إلى الخليج.
النشاط الرقمي لإسرائيل يشمل أكثر من 800 قناة فريدة بــ 50 لغة مع حوالي 10 ملايين متابع.
وتشمل هذه القنوات أكثر من 250 قناة رسمية في السفارات والقنصليات وحوالي 250 حسابا لدبلوماسيين إسرائيليين بالإضافة إلى مواقع الويب وحسابات أخرى متنوعة.
وإن تحدثنا عن الجانب الأمني في الموضوع فلا يجنسيان جهاز الأمن العام الإسرائيلي أو ما يطلق عليه اختصارا “الشاباك”.
في عام 2015م، بدأت تظهر على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك، صفحات باللغة العربية تابعة لجهاز الأمن العام الإسرائيلي “الشاباك”، وكانت إحدى هذه الصفحات تحمل اسم “بدنا نعيش” تخاطب الفلسطينيين وتستغل احتياجاتهم الإنسانية.
ثم بدأت صفحات أخرى لجهاز الشاباك في الظهور تباعا، مثل صفحة “أبو نور – مسؤول منطقة جلزون بير زيت جفنا وسردا” وصفحة “كابتن حلبي – المخابرات الإسرائيلية مسؤول مخيم الأمعري وعين أم الشرايط” و”كابتن أبو نمر” “وكابتن يونس”، وهكذا بدأت عشرات عناوين الصفحات لحوالي 30 من ضباط المخابرات الإسرائيلية حسب مسؤوليتهم عن المدن والمخيمات الفلسطينية.
ويشكل النشاط الذي يزاوله جهاز الشاباك على موقع “الفيسبوك” جانبا من تحرك إسرائيلي أعم وأوسع يرمي إلى توظيف وسائل التواصل الإجتماعي في التأثير على الرأي العام في أوساط السكان العرب، ويشارك في هذا النشاط الناطق الرسمي باسم “قوات الدفاع الإسرائيلية” باللغة العربية، ومنسق أعمال الحكومة في المناطق وجهاز الاستخبارات العسكرية ووزارة الخارجية.
يتبع..
تعليق واحد