شهد الأردن خلال الأسبوع الماضي أحداثًا مهمة من حيث الأبعاد والتبعات، تمثل أبرزها في انتخابات نيابية لافتة بنتائجها وكذلك حادث أمني غير تقليدي على جسر الملك حسين.
الانتخابات التي أُجريت وفق مخرجات لجنة التحديث السياسي جاءت بنتائج مفاجئة، خاصة فيما يتعلق بالقائمة الوطنية. لم تكن المفاجأة فقط في تحقيق حزب جبهة العمل الإسلامي انتصارًا كبيرًا، بل أيضًا في فشل الأحزاب الجديدة في تحقيق الحد الأدنى من التوقعات وإثبات حضورها عبر هذه القائمة.
في الواقع، لم يكن الأداء القوي للحزب الإسلامي في البرلمان الجديد مفاجئًا تمامًا. فالحزب يمتلك تاريخًا طويلًا في المشاركة الانتخابية ويجيد تنفيذ التكتيكات الانتخابية بمهارة، إلى جانب ميزة أساسية هي التزام جمهوره بالمشاركة الفاعلة في الانتخابات.
ورغم ذلك، هناك من يرى أن الحزب الإسلامي استفاد بشكل كبير من التطورات الإقليمية، وخاصة الحرب في غزة، حيث تمكن من العودة بقوة إلى الشارع ووضع نفسه في مقدمة الحراك المجتمعي، ليصبح الأكثر قربًا من قضايا غزة.
ومع ذلك، لا يمكن إغفال أن السلبية السياسية التي كرستها الحكومات الضعيفة على مدار السنوات الماضية خلقت فراغًا في التفاعل مع الشارع المحلي، وهو ما سمح لأطراف متعددة باستغلال هذا الفراغ عبر خطابات تتماشى مع المزاج العام.
الدخول القوي لجماعة الإخوان المسلمين إلى المشهد البرلماني قد لا يعني سيطرتهم على البرلمان، لكنه بلا شك ينقل العلاقة بين الحكومة والبرلمان إلى مرحلة جديدة.
فبعكس البرلمانات السابقة التي كانت هادئة نسبيًا، فإن الكتلة الإسلامية ستشكل تحديًا حقيقيًا لأي حكومة، على مستوى المساءلة والمواجهة، نظرًا لقدرتها على حشد الرأي العام وتطوير معارضة فعالة تجاه السياسات الحكومية سواء الخارجية أو الداخلية.
وفي موازاة هذا التحدي الداخلي، يبرز تحدٍ آخر لا يقل خطورة على المستوى الإقليمي. فمع التركيز الإسرائيلي المتزايد على الضفة الغربية، وتصاعد الحديث حول الحدود مع الأردن، بدأت تظهر إشارات عن اعتبار إسرائيل للحدود الأردنية كإحدى جبهات الخطر.
ورغم أن العلاقة الأمنية بين الأردن وإسرائيل ظلت بعيدة عن التجاذبات السياسية، فإن التصعيد الجاري في الضفة الغربية، والتطورات الأمنية التي باتت تظهر علنًا، تشكل خطرًا كبيرًا على الاستقرار الأمني.
رغبة إسرائيل في التعامل مع الأردن من منظور أمني، باعتباره مصدر تهديد، تمنحها الضوء الأخضر لتنفيذ تدابيرها الخاصة. وهذا يشكل تهديدًا كبيرًا للأردن، الذي لا يمكن أن يصبح بؤرة ساخنة أو جبهة للفوضى.
لذا، يتطلب الوضع الراهن من الأردن رفع مستوى التأهب وتعزيز قدراته للحفاظ على الأمن الداخلي ومنع أي محاولات لاستغلال أراضيه من أي طرف.
إن هذه التحديات تتطلب مراجعة منهجية لسياسات السنوات الماضية على المستوى السياسي والأمني. فمن الضروري مراجعة إدارة العملية السياسية لفهم أسباب فشل الأحزاب في جذب الناخبين، وكذلك على المستوى الأمني، التفكير في أساليب جديدة وغير تقليدية للحفاظ على الاستقرار الداخلي والتعامل مع التحولات الإقليمية، بما في ذلك العلاقة مع إسرائيل.
في ضوء هذه التطورات، بات من الضروري إحداث تغيير حقيقي وملموس. الحاجة اليوم ملحة إلى حكومة قوية قادرة على التواصل مع الداخل، والانخراط بفاعلية مع الجمهور، وبناء سردية مقنعة تشجع المواطنين على المشاركة الإيجابية. والأهم من ذلك، حكومة قادرة على الدفاع عن سياساتها ومواجهة المعارضة البرلمانية القوية، وهو ما فشلت به الحكومات الأخيرة.