إلتقيا على غير ميعاد، جمعتهما الساحة الطلابية حيث كانت النقاشات محتدمة حول قضايا ذات أهمية، كل فرد أو تنظيم أو حركة يدلو أحد أعضائه بدلوه و يستعرض البعض منهم عضلاته، و لم تكن تلك النقاشات تنتهي بسلام.
ففي كثير من الأحيان تنتهي بمواجهات تستعمل فيها الكلمات النابية و العنف المتبادل، و يتدخل الحرس الجامعي لفضها، و في تلك الأجواء تعرف ياسر على ملاك التي جذبته جديتها و رزانتها و هدوءها في الحوار و إحترام الاخر، و في طرح مداخلاتها و منهجيتها التي تبين عن إلمامها و كثرة إطلاعها، بما تطرح من أفكار، لأنها كانت قارئة نهمة، يبهرك تماسك أفكارها، كما يبهرك خلاصاتها التي تنتهي إليها، و كان في كل مرة يختلق نقاشا من خلال ما كانت تطرح من أفكار، ليقترب منها.
فكان يطلب منها بعد كل حوار مرجعا به يوسع مداركه التي خلقت لديه فضولا للمزيد من الدقة و ضبط مفاهيم تعينه للوصول لما وصلت اليه رفيقته ملاك، و هي لم تكن تبخل عليه بما معها من كتب و مراجع، و كان همها إرضاء فضوله، و مع الأيام بدأت تشعر بنظراته إليها بأنها نظرات معجب بشخصها، فسرها ذلك و بدأ إعجابها به، لما لمسته فيه من رزانة و هدوء طبع و حب إضطلاع و حسن أخلاق.
ومن محاسن الظروف أن مقر سكناهما كان في نفس الاتجاه مما جعل فرص تلاقيهما كثيرة و متعددة الشيء الذي معه أصبحا لا يفترقان، و ذات مرة أسر لها بإعجابه بها بل أخذته الشجاعة و قال لها بأنه يحبها و يريدها في مستقبل الأيام زوجة، فظلت صامتة لا تدري ما ترد به و لا تدري كيف تتصرف و لا تدري ماذا سيكون جوابها و هي تعرف الجواب مسبقا، و لكن الأمر غير متعلق بها فقط بل بأسرتها كما هو المتعارف عليهم عندهم.
و تمضي الأيام و الشهور بل و السنة فالتحقا معا بسلك التعليم و تم تعيين كل واحد منهما في مدينة ما، و ظل الاتصال بينهما قائما، و قررا أن يتزوجا و حدث أمر لم يكن في الحسبان، ياسر فقد الذاكرة بسبب حادثة سير فلم يعد يتذكر سوى إسم حبيبته ملاك التي صدمت بسماعها الخبر.
فقررت زيارته و ذلك ما كان، فلما رأته و رآها بكت هي و تبسم هو في وجهها و خاطبها باسمها، و دهشت و ظنت أنه تعافى واصبح بخير، و لكنها صدمت ثانية لما بدأ يخوض في أحاديث بشكل مسترسل و لا رابط بين كل ما يقول، فعادت إلى مقر عملها و الخيبة تظهر على وجهها.
و تمضي الأيام و السنين و ياسر بقي على حاله و ملاك قررت أن تخرج فكرة الزواج من برنامجها، بل تابعت تعليمها العالي و أصبحت بعد حصولها على الدكتوراة أستاذة جامعية و من محاسن القدر ان ياسر كان يوجد بقرب ملعب كرة القدم فرمى شاب بالكرة فأصابه بها في رأسه مما جعله يسترجع ذاكرته و أول ما نطق به إسم ملاك.
و تمضي الشهور و كان اللقاء بعد فراق و تمت مراسيم الزواج و رزقا بولدين إبن و بنت و عاشا حياة سعيدة.