في لحظة مؤثرة على هامش أشغال الدورة السابعة والخمسين لمجلس حقوق الإنسان التابع للجمعية العامة للأمم المتحدة، التقى جمع غفير من الدبلوماسيين وقادة الحركة الحقوقية المغربية والافريقية والأوروبية وأعضاء مجتمع مدني، لحفظ الذاكرة وتقديم العرفان الواجب والاعتراف بقامة سامية من قامات العمل المدني والإنساني في شمال إفريقيا وأوروبا.
توافقت إرادات هؤلاء المشاركين جميعا أن تقف وقفة تقدير واحترام وإجلال لخدمات الأستاذ الكبير عبد الكبير الحقاوي والمناضل البارز في مجال حقوق الانسان والعمل الإنساني والاجتماعي ومد جسور التعاون والتشاركية بين الشعوب والانغماس حتى النخاع في قضايا الهجرة ودعم وتعزيز قدرة الفئات الهشة في العديد من الأماكن على الصمود وتوفي فرص العيش الكريم للأطفال اليتامى والأشخاص المسنين وغيرهم من الذين هم في أمس الحاجة والدعم.
عبد الكبير الحقاوي كان رجلا من رجالات الصالح العام الذين خدموا قضايا المغرب العادلة في صمت وبأذن صاغية لكل صوت لم يجد فضاء لإسماع صرخته، شخصية في سفر دائم عن العدالة والمساواة والانحياز لقضايا المستضعفين، وقد يترك حفلا باذخا بمؤتمر عالمي ليشرب قهوة في زقاق خال من الأضواء تلبية لرجاء امرأة تلتحف السماء من الفقر، كما يمكن أن يأخذ بيد محروم من كل شيء ليحضر حدثا مخصصا لنخب عالمية، إيمانا منه أن العالم وجد للتقاسم والتعايش بعيد عن الطبقية والنخبوية والتمييز على أساس اللون او العرق او الدين او المركز الاجتماعي.
لماذا يفعل الأستاذ عبد الكبير الحقاوي ما يفعله في فضاءات مختلفة ثقافيا ومجاليا بنفص الروح المرحة وبنفس العطاء؟ ليس في الأمر سر يبعث على التأمل كثيرا، فاللغز كامن في نقاوة معدنه وصفاء سريرته.
هذا الرجل العصامي القادم من مدينة أبي الجعد الصغيرة في جغرافيتها والكبيرة برجالات من طينة الأستاذ عبد الكبير الحقاوي، سيبقى خالدا في منصة الكبار بإنجازات العظماء في مجالات حقوق الانسان على المستوى النظري والميداني، لأنه لم يؤمن قط من النهل من القانون الدولي للتباهي بين مجايليه، لكنه اعتكف واعتزل المشاغل اليومية ليكرس حياته خادما حقوق الأشخاص والمحاولات تلو المحاولات بهدف الاستجابة السريعة لحاجيات المحتاجين في قرى وضواحي مدن المغرب الكبرى، وفي مناطق أخرى من أفريقيا الغارقة في الانتهاكات وعدم المساواة.
انخرط الأستاذ المحتفى به في غيابه لاستحالة تكريمه في حياته بسبب تمسكه بالعمل وتنقله الدائم لأماكن الخلل حيث التدخل ينقذ حياة الأشخاص وليس الاستماع لخطابات اللقاءات الباردة المعزولة عن اهات والام الضعفاء.
قاد الأستاذ عبد الكبير منظمة كبيرة بقلب مفتوح وإدارة جماعية متحررة من بيروقراطية المناصب وحلاوة التمويلات السخية، لأن اعتقاده كان راسخا في أن راحة المرء تكمن في إسعاد المسنين والأطفال اليتامى والمدافعين عن حقوق الانسان وغيرها من الفئات التي يجب ان تسترعي اهتمامنا جميعا للنهوض بالشعوب الى مرافئ الرقي والعيش الكريم.
ختاما بعد تقديم واجب العزاء مرة أخرى لأسرة الراحل عبد الكبير الكبير، نتشارك العزاء جميعا كمدافعين عن حقوق الانسان والنشطاء والمتعاونين وعمال الخدمة الإنسانية وكل من قدم من قريب أو بعيد يد العون لمساعي فيدرالية الوكالات الدولية للتنمية التي كان يتولى تدبيرها المرحوم عبد الكبير الحقاوي.
وبهذه المناسبة ارتقت ندوة الاحتفاء بالفقيد إلى جلسة فكرية عميقة حول الهجرة والتنمية في سياق دولي، مستعرضين الوضع في المغرب بما يحمله من فحص للواقع وتمحيص وتفكيك للتحديات واستشراف للمستقبل عبر حصر عديد الفرص لتجويد التدخل في قضايا الهجرة والتنمية وطنيا ودوليا.