رقصة الغزالة و رقصة الركبة و رقصة الفلامينجو، تعتبر رقصة الغزالة من أشهر الرقصات التي عرفتها منطقة الشياظما و حاحا بسوس، و يعتبر الهواري من أجمل و أبدع الايقاعات الموسيقية في منطقة هوارة بالذات.
و هذا الإيقاع له ميزة خاصة بحيث أنه يكون مصحوبا بآلات موسيقية معلومة كالناقوس و الطعريجة و البندير الصغير الحجم و الذي به يتم التحكم في الإيقاع و به يضبط الإيقاع الهواري بشكل كبير و يعطي للرقصة شكلها المميز.
و نظرا لطبيعة المنطقة المحافظة فإن تلك الرقصة كانت حكرا على الرجال فقط و لهذا فإنها رقصة ذكورية بامتياز، فهذه الرقصة تتطلب مرونة جسدية و رشاقة و خفة تساعد الراقص من تمثيل حركات الغزالة في دورانها في الهواء بشكل سريع و بدقة عالية، حسب حدة الإيقاع و الذي يبدأ من نقطة الصفر، ثم يتخذ خطا تصاعديا و عنيفا ثم يعود إلى نقطة البداية.
و إذا ذهبنا نحو الجنوب الشرقي في اتجاه زاكورة، نجد ان رقصة الركبة لها نفس خصائص رقصة الغزالة، بحيث تعتمد على إيقاع مركب و بآلات موسيقية محددة كالطبل و الضرب بالكف و الأرجل و الرقص بانسيابية رقصة تشبه في حركاتها و حدتها رقصة الغزالة، إلا أنها غزالة قليلة حدة الحركة نظرا لوجودها في محيط طبيعي يختلف تماما عن محيط غزالة هوارة، فالاخيرة غزالة سهول ،أما الأولى فهي تعيش في السهوب الرملية و من هنا سرعة الحركة و حدتها عند غزالة هوارة و بطء حركة غزالة محاميد الغزلان.
إلا أن الإيقاع في كلتا الرقصتين يتسم بالحدة و السرعة و يتخذ شكلا تصاعديا، حسب المناورة التي تقوم بها الغزالة.
و هو صراع بين الصياد و الطريدة، صراع من أجل النجاة و عدم الوقوع ك فريسة سهلة في يد الصياد، فكأننا نعيش قصة مطاردة لغزال رشيق يحاول النجاة و الإفلات بكل وسيلة من مطاردة الصيادين، و من هنا تأتي تلك الحركات و التلوي و القفز و الإلتفات و ذلك الدوران من شدة الخوف و الهلع لعدم الوقوع في الفخ و السقوط.
و ترمز رقصة الغزالة و رقصة الركبة إلى الرغبة في الحرية و التي هي مبتغى كل إنسان، الحرية في الحركة و الفكر.
و إذا ما أسقطنا كل هذه المعطيات على رقصة الفلامينجو في الأندلس، جنوب اسبانيا، نجد تلك البصمة الجينية التي تركتها قبائل الفاتحين من أهل سوس ماسة درعة في الأندلس، إبان التلاقح الحضاري الذي عرفته ضفتي البحر الأبيض المتوسط، و تعد رقصة الفلامينجو استنساخ مزدوج لنموذج رقصتي الركبة بالمغرب الشرقي و رقصة الغزالة في سوس العالمة.
و تجسد رقصة الفلامينجو، قمة انتفاضة الجسد من شدة المعاناة، معاناة إنسانية عاشتها ساكنة الأندلس بعد سقوط آخر معاقلها، غرناطة على يد قوات الفونسو و ايزابيلا، بحيث تمت مطاردة الموريسكيين و اجبارهم على اعتناق المسيحية و التنصر أو ترك الأندلس نحو الضفة الجنوبية أو الموت لمن رفض ذلك.
و قد أقيمت لهؤلاء الموريسكيين محاكم تفتيش، مما اضطر معظمهم إما إلى الهجرة أو التنصر أو إختيار التقية لحين هدوء موجة الاضطهاد و القتل على الاختلاف الفكري و العقدي.
و تعبر رقصة الفلامينجو عن تلك المعاناة الإنسانية التي عاشتها الأندلس في القرن السادس عشر، و قد عادت تلك الممارسات المشينة و الغير إنسانية للظهور في القرن العشرين في عهد الجنرال فرانكو و إبان الحرب الأهلية، حيث تم اضطهاد الباسكيين و كل المعارضين لحكم العسكر آنذاك.
ورقصة الفلامينجو تجسيد لتلك الانتفاضة ضد الظلم و سلب حقوق الإنسان و نستشعر ذلك من خلال شكل الرقصة و ايقاعها الحاد، و تشكل الآلات الايقاعية و الضرب بالكف و الأرجل و الرقص و ذلك التلوي للجسد،جوهر تلك الرقصة، بحيث تشعر بحجم المعاناة و انتفاضة الجسد على كل أشكال العنف و الظلم و الاضطهاد ،كل ذلك يشكل جوهر رقصة الفلامينجو، و كأننا أمام حكاية تلقي بظلالها على تلك الحقبة المظلمة من تاريخ الأندلس و الإنسانية.
و الملاحظ، أن كل من رقصة الغزالة بهوارة و رقصة الفلامينجو بالأندلس، تجسدان معا قمة انتفاضة الجسد على كل أشكال الطغيان و القهر للنفس البشرية، و لهذا فالغزالة المرتعبة تبحث عن النجاة بكل وسيلة، و هذا يدل على مستوى التهديد و الخوف لحد المس بالحياة.
أما في رقصة الركبة فالغزالة المرتعبة يحد من حركاتها طبيعة الأرض، حيث السهوب الرملية، لكن المشترك هو انتفاضة الجسد، و هذا ما نلمسه مع ارتفاع حدة الإيقاع، الذي يتخذ خطا تصاعديا و سريعا كنبضات قلب ذلك الكائن أو الغزالة الخائف، و هكذا في جميع تلك الرقصات و التي هي رمز البحث عن الحرية في زمن الخوف.
و تعتبر هذه الرقصات من أجمل ما ابدع الإنسان، رقصات بمضمون إنساني بحث و إيقاع ياخذك بين عالمين، عالم الخوف و الفرحة، خوف من السقوط فريسة و فرحة النجاة.
و يبقى وجه الشبه بين هذه الرقصات المتوسطية، هي تجسيد تلك الرغبة الدفينة لدى الإنسان عموما في التمتع بالحرية والكرامة والعدالة، و الحرية الفكرية والسياسية و العقدية و الحق في الاختلاف.